* أكبر الفساد وأكبر من فساد المفسدين السياسيين والمتنفذين.. فساد التنفير من القانون ومن الالتزام به وبالالتزامات الأخلاقية بوجه عام، وأنظروا كيف.. * عندما يقوم الأب بتربية ابنه على أن المدرسة والجامعة تحصيل حاصل وأن وظيفة الدولة مغنم ما بعده مغنم، وأن سرقة الدولة حلال فهذا فساد أكبر من فساد استغلال الوظيفة ونهب المال العام. * وعندما يذهب الطالب إلى المدرسة ويجد فيها مدرساً ضعيف الأداء ويعود منها كما ذهب إليها إناءً فارغاً.. فهذا فساد أضخم من تحول هذا الطالب في المستقبل إلى مفسد متسلق أو مفسد بالإجرام أو بالإرهاب أو ب"البلطجة" المستخدمة للقفز فوق خلق الله وفوق الحق العام. * عندما تصير الشهادة الجامعية ممنوحة من كف عفريت الوساطة والمجاملة في الدرجات بين الأستاذ وطالبه وبين الدكتور وطالبته وبين الدكتور والدكتور، وكذلك عندما تكون الشهادة مسبقة الدفع كما هو الحال في معظم الجامعات الخاصة.. فهذا تأهيل أكاديمي للفساد وتشريع يجعل الحصول على شهادة علمية فن الممكن واللاممكن. * وعندما يرتكب سائق حادث سير في طريق خارجية ويقتل مواطنة كانت تمشي على جانب الطريق ويفر وترفض دورية أمنية مناوبة القبض عليه بعد إبلاغها بالحادث، على الأقل من باب الاشتباه ثم تتحجج بأن هذا ليس من مهامها.. فهذا برود قاتل، يقتل الشعور بالمسؤولية وفي أهم مواقعها وهو أمن الناس، ويقتل هيبة القانون ويقول للجاني ألا يقلق وأن بإمكانه تكرار الاستهانة بأرواح الناس وبراحة تامة.. وهذا أفسد من الفساد وضرب فوق الحزام وتحته. * عندما تتعامل المستشفيات العامة والخاصة مع الحالات الإسعافية بميزان الجزار وبنفسية محترفي القتل وبخلو تام من حرارة الدم الآدمية.. يكون هذا أحد عوامل الفساد الأخلاقية والإنسانية العظمى التي نهرب من مواجهتها وضبطها ومحاسبتها.. * وعندما يقع اعتداء على موظف حكومي وتهمل جهة عمله رد الاعتبار له وبالطرق القانونية، أو توافق على رد الاعتبار من سوق الماشية وبرؤوس الأثوار والبقر.. فهذا امتهان لوظيفة الدولة وللقانون، وأثره أنكى وأشد كارثية على نهج الأفراد وعلى الثقافة العامة والخاصة والادخال الجمركي. * عندما نتفرج على حمى الضنك وهو يفتك بآلاف المواطنين والمواطنات ويتحول إلى لعبة سياسية حزبية ومزايدات ومناقصات ونحن نقعد بانتظار تمويل خارجي باليورو أو بالبورو لمواجهته أو ننتظر دخول المرض إلى دولة مجاورة كما هو الحال مع مرض الملاريا، فتسارع هذه الدولة إلى فتح حنفية الفلوس لنا.. فذلك هو أنف الفساد الذي "يشمشم" الكوارث ويستعد لها استعداد تجار الحروب. * عندما يتوه موظف أو اثنان بسبب تعسف إداري في جهة العمل ولا يذهبان إلى شيخ قبيلة أو إلى نافذ برتبة مرافقين وسيارة حديثة وسيارة حراسة تابعة.. ويلتزمان بالتوجه نحو القضاء ثم تطول قضيتهما هناك وهي مجرد قضية وظيفية.. فذلك أكبر من الفساد الذي يُلجئ البعض إلى وسائل غير مدنية لاستخراج ما ليس بحق فما بالك بالحق.. * وعندما نُنظِّر ونكتب ونحاضر عن أخلاق الضمير وضمير الأخلاق ثم نطبق عكس ما نقوله عن نظافة اليد وعِفة الجيب وعزة النفس وبنفس أسلوب تعليم الطفل عدم الكذب ثم تلقينه "أبي غير موجود" إذا سأل أحد عنه.. فهذا ألعن وأخزى من أكل السحت من ظهر الدولة وبطنها. * وعندما يسرح ويمرح صاحب الأفكار الخطيرة على الوطن ويجلس يوماً مع هذا ويتحالف مع هذا ثم يذهب إلى ذلك ويتآلف معه، فيصير وطنياً متى ما نشاء ويصبح مناضلاً مجاهداً متى ما نشاء فهذا أشد إيلاماً وأكثر وجعاً. * وعندما تصير الأحزاب أوكاراً للقدح وإقصاء الغير ومدارس تعلم الكراهية والتنفير فهو الفساد الأخطر الذي يجعل الاختلاف في الرأي مفرزة "مع وضد" وتسخيناً بانتظار مباراة حاسمة. * عندما لا يواجه إرهاب الخارجين على الدولة والمجتمع بإرهاب القانون وهيبته وصرامته، القانون فقط لا سواه ولا وساطة ولا تدخل مغلق بلكنة الصلح خير وهو الحق بالملبوس باطلاً.. تكون النتيجة أكثر إرهاباً وعصابات إيطالية وكولومبية وصومالية قرصانية. * أعزائي .. عندما يصير المعلم والصحفي والطبيب والمهندس والشاعر والأديب والمحامي مواطناً حزبياً أو مناطقياً أو شللياً أو مادياً بحتاً فذلك عين الفساد، أما لو اجتمعت تلك المهلكات فذلك هو منطق الغاب.