لو أن المعارضة بلقائها المشترك التقطت المبادرات السياسية التي أطلقها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح منذ وقت مبكر، ولو أنها اقتنصت الفرصة تلو الأخرى التي أتاحها الرئيس منذ مطلع العام وقبل اندلاع الأزمة التي افتعلتها، لكانت قد حققت أهدافها ووصلت إلى السلطة التي تحلم بها بطريق سلمي ووسيلة ديمقراطية وجنبت البلاد والعباد كل هذا الخراب والدمار، وحقنت دماء الأبرياء ووفرت الجهد والوقت والمال لتنمية الوطن وبناء اليمن الجديد. فالرئيس علي عبدالله صالح قد سبق الجميع في إعلان حزمة من الإصلاحات السياسية التي تضمنت إجراء تغيير شامل في هيكلية النظام ومؤسساته، وأتاحت توسيع المشاركة السياسية للقوى الوطنية وكافة الشرائح الاجتماعية المستقلة والمنضوية في الأحزاب والمنظمات السياسية على السواء. ولعل أبرز وأهم ما تضمنته المبادرات الرئاسية إعلان فخامة الرئيس الواضح والصريح عدم الترشح لرئاسة الدولة ورفضه القاطع لما تم الترويج له عن نوايا توريث الحكم. وكان من المفترض ومن المنطقي أن تكون تلك المبادرات قد وضعت حداً للجدل السياسي واللغط الحزبي، ووضعت الجميع أمام واجبات التنفيذ ومسؤوليات بناء الدولة الحديثة على قاعدة الثوابت الوطنية وبالوسائل الديمقراطية وعبر المؤسسات الدستورية، وبما يضيف لليمنيين إنجازاً حضارياً جديداً يسهم في تجذير الممارسة الديمقراطية ويضع أساساً متيناً للتداول السلمي للسلطة كمبدأ ونهج وممارسة. لكن القوى التقليدية والجماعات المتطرفة ذات المرجعيات العدمية والايديولوجيات الإقصائية، التي أعلنت الجهاد ضد الديمقراطية وعملت على إعاقة تحقيق الوحدة الوطنية، وأنكرت على الشعب اليمني حقه في ممارسة حقوقه السياسية وخياراته التعددية في الفكر والسياسة والرأي والمعتقد منذ ما قبل إعلان الجمهورية اليمنية وما بعده، هذه القوى نفسها هي التي سعت وتسعى لإجهاض الإنجاز السياسي الديمقراطي في الوطن وتقف اليوم في مواجهة مشاريع التغيير والتطوير والتعزيز للحياة الديمقراطية والسياسية، ولأجل ذلك عملت على إثارة الفتن وبثت سموم الحقد والكراهية بين أبناء الوطن وخلقت هذه الأزمة السياسية المسلحة وقادت البلاد إلى هذا المأزق الخانق. والمتأمل الحصيف لتلك السياسات التدميرية والتوجهات العدمية، يدرك بوضوح تام أنها إنما كشفت عن حقيقة النوايا والأهداف المبيتة لأولئك الانتهازيين والأوصوليين، ونالت من إنجازات الوطن ومكتسباته التنموية ودمرت بناه ومنشآته الاقتصادية وخدماته الأساسية، لكنها لم تنل من وعيه السياسي وفكره الديمقراطي، ولم تكسر عزيمته وإرادته في التمسك بقيم الخير ومبادئ السلام والحفاظ على مكاسبه السياسية والديمقراطية ومنجزاته الوطنية، التي بها ومن خلالها وعبرها فقط يحقق شعبنا آماله وطموحاته في التغيير والإصلاح وبناء اليمن الجديد.