لم يك غالبية الشعب اليمني قد تطبع على فكرة الحوار والقبول بالآخر في ظروف متعددة حتى على مستوى الأسرة الواحدة مابالك على مستوى الدولة والمجتمع.. لأن رب الأسرة قد تعود على أن يكون هو الآمر والبقية يتلقون التعليمات فقط وينفذون بدون نقاش ولا سؤال.. أما على مستوى السلطة فإن الحاكم هو الآمر والناهي وهو صاحب الشور والقول (مروا، نفذوا، أصرفوا، حولوا، أشتروا، أعتمدوا) بل وفي المطاف الأخير ومع نهاية كل سنة مالية تنهمل الصرفيات وتزيد معدل المشتريات بين الحقيقة والواقع بل أن الاعتمادات الإضافية التي جرت عليها العادة في السنوات الماضية رسخت في ذهن كثير من القيادات العليا والتنفيذية المدنية والعسكرية حركة (الفيد) متعددة الجوانب بلا رقيب ولا حسيب ولو لم يكن ذلك لما وجدنا الثراء الفاحش في أوساط البعض من النهابة والمتحذلقين على مائدة الصرف والتصرف بالمال العام.. أما اليوم فنحن على أعتاب مرحلة جديدة وبناء يمن جديد تنتظره الأجيال الصاعدة بفارغ الصبر، حيث أختلف الأمر بتعزيز الشفافية في المحاسبة وترسيخ مبدأ الحوار كيفما كان وعلى كافة المستويات بما يصب في مصلحة المجتمع.. المهم يوجد حوار.. يوجد تفاهم.. توجد قاعدة مشتركة بين الجميع في التطلع لبناء يمن جديد يسوده النظام والقانون رغم كل التحديات والعراقيل.. وهنا لابد للزمن أن يكشف عورات الخونة والمجرمين الذين تعودوا على العيش في ظل الفوضى والمحسوبية والعبث بالموارد العامة والتسلط على رقاب الآخرين.. نعم ياجماعة بدأ الحوار وبدأت تباشير الصباح الجميل في اليمن السعيد تلوح في الأفق لاسيما وقد استشعر الأكاديميون والباحثون والصحفيون والفنانون والنخب الفاعلة في المجتمع على جميع المسارات مسؤوليتهم الوطنية الجسيمة والإعلان بصوت واحد (هذه قضيتنا) والحوار مطلبنا والدولة المدنية غايتنا وهدفنا وعلى الآخرين أن يستيقظوا ويفكروا ولا يتركوا مصيرهم لبعض الأفراد والجماعات المتسلطة في الأحزاب وغيرها والاتجاه نحو المشاركة المجتمعية في بحث السبل الكفيلة بحل القضايا الوطنية بالحوار والسلم وبعيدا عن الهمجية أو التسلط وفرض الرأي الفردي على الجماعي بحجة أنا صاحب السلطة والقرار والآخرين عليهم التنفيذ فقط أي بمعنى آخر (أنا وبعدي الطوفان) الذي ساد فكرنا عقود من الزمن وأغرقنا في الفوضى واستقدام السلاح من كل فج عميق ليقتل الأخ أخاه والابن أباه وينشر الرذيلة والخراب في أوساط المجتمع ويمكن عصابة النهب والتخريب من الاعتداء على الخدمات الأساسية في وضح النهار ويسخر بعض وسائل الإعلام كمان للتصوير وجرح مشاعر الرأي العام. وعلى الرغم من ذلك فإن الشعب يعي جيدا المؤامرات والدسائس ومن يعمل على الصوملة في اليمن ليبقى المواطن حبيس الأزمات الأمر الذي يستدعي أهمية البحث في الخروج من عنق الزجاجة عاجلا وليس آجلا بحشد الجهود الوطنية وجمع الطاقات الإبداعية في الجلوس على طاولة حوار مكشوفة بعيدا عن (الكولسة) لتحقيق تطلعات الأمة في بناء يمن جديد برؤية جديدة وعقل حصيف لا يرتهن للمصلحة الذاتية لفرد أو يتحول لمجرد لعبة أو دمية في يد شلة فاسدة او جماعة مريضة بالمذهبية والطائفية أو حزب مغلق تحت إمرة عصابة مارقة لأن الوطن يتسع للجميع والرأي والرأي الآخر مطلوب وهو الوسيلة الأنجع للتغيير والتعبير عن الحاجات الداخلية والخارجية للفرد والمجتمع.. وفي هذا الزخم الثوري الجديد وفي ظل راية الحوار الوطني الشامل تفاعلت الجهود لعدد من الأكاديميين وتناغمت الأفكار للمهتمين بالشأن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لتلتقي تحت سقف رؤية واحدة تنطلق من لواء المركز الإستراتيجي لجامعة الملكة أروى لكي يتحدد معالم الطريق الصحيح لدعم ومساندة الحوار بفكر مستنير فعال وبأسلوب علمي جاد لتحقيق طموحات الشعب في الانتقال السلمي الحقيقي للسلطة التي ضحى من أجلها بخيرة شبابة ودفع بأعز مايملك من الروح والمال لكي يتحرر الوطن من صوت العبثية وسلطة الفرد الجائر والفتنة الطائفية إلى مزبلة التاريخ ثم يأتي جيل جديد ينشر الحرية والعدالة على أسس علمية من النصوص الدستورية والقانونية الكفيلة بحماية الحقوق والحريات وتصون الممتلكات العامة والخاصة وتشجع الاستثمار عن جدارة بعيدا عن عقلية زمان (أوفر لك الحماية وأنا شريك في المشروع بلا بداية أو نهاية).. حوار الأكاديميين القادم من خلال أهدافة يتضح أنه يحمل هم وطني في الرقي الفكري للمشاركة الجماهيرية الواسعة في إيجاد رؤية متميزة لبناء الدولة الحديثة تلبي مطالب الناس جميعا بلا تمييز ولا استثناء.. وهو الحوار الفعلي لإقامة جسر متين بين النخبة في قمة هرم السلطة والمجتمع في أدنى سلمه لعبور سفينة المستقبل صوب شاطئ الأمان وبما يسهم في خلق أجواء تنافسية بين المبدعين من الشباب والشابات والقادة الرواد في العطاء والانتاج. ولهذا فإن فكرة عقد المؤتمر الأكاديمي لدعم الحوار الوطني بحد ذاته وفق مراحل متعددة وآلية زمنية محددة تبعث الأمل في المستقبل الأفضل وتعزز من المشاركة المجتمعية لصياغة رؤية موضوعية هادفة للتحرك من الفكرة التي سيطرت على أذهان البعض (كل شيء جاهز) ويعمل الجميع بروح عالية من التفاني والنزاهة وبحرفية مهنية متجردة من الذات للوصول إلى نتائج مدروسة تدعم وتساند الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لبناء الدولة المدنية الحديثة في اليمن الجديد لتكون أنموذجا يحتذى به في ارجاء المعمورة للتحرر من الصراع على السلطة والخلاص من الفوضى والفساد في أجهزة الدولة الرسمية ومنابع الإفساد في دهاليز وأروقة المؤسسات الأهلية والخاصة.