ودَّعت الدولة والجماهير اليمنية الغفيرة يوم أمس فقيد الوطن الكبير الأستاذ الدكتور «محمد سعيد العطَّار»، الذي وافته المنية في بيروت هذا الأسبوع بعد مرض عضال لازمه في الفترة الأخيرة من حياته. ودَّعته الجماهير ومسؤولو الدولة والوطن ومَنْ يعرف «العطَّار» عن حق، ذلك الإنسان الوطني الشامخ والعفيف بنفسه وعلمه وهامته وثقافته، فقد مثَّل رحيل هذا الفقيد، المأثرة الوطنية، خسارة وطنية كبرى للوطن وللوطنيين وللعرب جميعاً، حيث كان وظل شخصية اقتصادية كفؤة ونادرة، شخصية امتلكت ناصية العلم والمعرفة والإخلاص في العمل. تتلمذ في مدرسة «بازرعة» الخيرية بعدن، مروراً بمدرسة «البادري» «الإنجليزية» أو مدرسة «القديس إنطوان» الثانوية خلال السنوات (4391 - 3491م)، ثم أكمل مراحل دراسته العليا في باريس خلال الفترة (5491 - 4691م)، ثم انضم بعد قيام الثورة مباشرة إلى صف الشعب للدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري وخدمة الوطن، فسخَّر خبرته وكفاءته وعلمه ومعارفه في تنمية وطن سبتمبر وبنائه وتطويره، فكان أول مَنْ ساهم في إنشاء أول مؤسسة وطنية مصرفية حديثة في يمن السادس والعشرين من سبتمبر - «البنك اليمني للإنشاء والتعمير» - ثم تنقل بعد ذلك من وزير للاقتصاد ووزير للتخطيط والتنمية، إلى نائب لرئيس الوزراء. لقد تقلَّد الفقيد الدكتور «العطَّار» وظائف قيادية، سياسية واقتصادية، عديدة على المستوى الوطني والدولي، إلى أن وصل إلى شغل وظيفة أمين مساعد للأمم المتحدة لغرب آسيا، وقد تقلَّد تلك المناصب الوزارية الهامة في ظل ظروف اقتصادية وسياسية صعبة ودقيقة، كان آخرها مكلفاً بأعمال رئيس الوزراء خلال الفترة (3991 - 4991م)، فترة إعلان الحرب والردة الانفصالية والتمرد على الشرعية، غير أن الرجل الكفؤ والمخلص لا تثني عزيمته الصعوبات أو عثرات الطريق والسير إلى الأمام، بل يمضي بتحدي الواثقين وإصرار المقتدرين على تحقيق كامل الأهداف والغايات النبيلة. لقد كان الفقيد الدكتور «محمد سعيد العطَّار» إنساناً كبيراً بحق، وشخصيةً وطنيةً بارزةً وكفاءةً علميةً واقتصاديةً رفعيةً خسرها الوطن وفقدها الجيل الوطني والعربي والعالم. إن الدكتور «العطَّار» مأثرة علمية ووطنية ودولية، تعرّفتُ عليه قبل (82) عاماً، وعملنا في حكومة الأخ الأستاذ «عبدالعزيز عبدالغني» خلال الفترة (8891 - 0991م)، وكذا في أول تشكيل حكومي بعد الوحدة مباشرة خلال الفترة (0991 - 3991م). كان رجلاً متواضعاً وودوداً، يتعاون مع زملائه في العمل، يُحسن فن الإدارة والقيادة واتخاذ القرار، يُصادق ولا يُعادي، يُحب ولا يكره، يُخلص ولا يخون، وقليلون هم الرجال الأوفياء في هذا الزمن، الذين تتوفر فيهم تلك الصفات النبيلة والجميلة. وداعاً يا «عطَّار»، يا مَنْ عطَّرت كفنك بنفسك، بعملك، بنزاهتك، فلك الخلود، والدعاء لك بالرحمة والمغفرة، ولأسرتك العزاء والصبر، إنا لله وإنا إليه راجعون.