لم تحظ قضايا وإشكاليات المرأة الخليجية باهتمام مثل ما تحظى به الآن، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. في الماضي كان الاهتمام العالمي منصباً بشكل كبير على أوضاع وإشكاليات المرأة المصرية أو التونسية باعتبارها النموذج المثالي للمرأة العربية، أما في الوقت الحاضر حاد اهتمام العالم وتوجه بشكل خاص للمرأة الخليجية وخاصة السعودية. حيث أن الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة الأميركية صار ينظر لمنطقة الخليج على أنها مفرخة للإرهاب ، وبما أن المرأة هي الأم وهي المربية والمنشئة للأجيال أصبح الاهتمام بها مكثفا وبشكل خاص. بفضل هذه التغيرات التي طرأت على الساحة السياسية والاجتماعية العالمية ارتأت الولاياتالمتحدة ضرورة التعامل مباشرة مع المجتمعات العربية متجاوزة بذلك بعض النظم السياسية الحاكمة، محاولة فرض متطلبات التغيير التي ترى أنها قد تعدل و تغير المنظومة القيمية والثقافية لهذه الشعوب بالشكل الذي قد يخدم مصالحها ويقضي على ما تسميه بذرة الإرهاب، ومن هذه التغيرات المراد إحداثها تغيرات في واقع المرأة الخليجية. لذا فإنني أعتقد أن مجلس التعاون أصبح يواجه تحديات جديدة خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة، وفرض عليه التعامل مع قضايا نسوية كان قد تداولها ولكنه أجل اتخاذ القرار فيها لأسباب اجتماعية؛ مثل مشاركة المرأة السياسية، مشاركتها في العملية التنموية، حريتها في اتخاذ القرارات المختلفة المتعلقة بحياتها مثل حرية التعليم والعمل واختيار شريك الحياة. وجدير بالذكر هنا أن معظم هذه القضايا المطروحة في الأجندة الأميركية هي قضايا في نفس الوقت داخلية وتعتبر مطلباً داخلياً ملحاً وتم المطالبة بها من قبل المرأة قبل كل هذه التغيرات في الواقع السياسي العالمي. أتمنى من مجلس التعاون البت والنظر في هذه القضايا ومعالجتها بحكمة وروية بالشكل الذي يعزز دور المرأة ويحترم إنسانيتها، وبما يتناسب مع خصوصيتنا الثقافية والاجتماعية. أتمنى من المجلس طرح كل هذه القضايا وعدم تأجيل اتخاذ القرار فيها لأن أعين العالم متوجهة إلينا. وكل المنظمات العالمية، المنظمات النسوية العالمية ومنظمات حقوق الإنسان، تراقب وتتابع أوضاع الأقليات في منطقتنا، ونحن لا نريد أن نسلمهم أية ورقة قد تستخدم لاحقا في التدخل في شأننا العام والخاص. جدير بالذكر هنا أن المرأة الخليجية قد حققت الكثير في مجال التعليم والعمل ولكن هذا لا يعني تحققها على مستوى الحرية في اتخاذ القرار سواء العام أو الخاص. فالمرأة الخليجية مازالت مبعدة عن مراكز اتخاذ القرار رغم أهليتها لذلك، والتجارب الحديثة التي حصلت في بعض الدول الخليجية مازالت بحاجة لدفعة وتعزيز. هذا بالإضافة إلى أن هناك ضرورة قصوى للتغيير على مستوى القاعدة البنيوية الاجتماعية القبلية في بعض دول الخليج (لأن هناك تفاوتاً واضحاً من دولة لأخرى فيما يتعلق بقوة التركيبة المجتمعية والقبلية) والتي بالرغم مما قطعته المرأة من شوط في التعليم والعمل إلا أنها عملت بقوة على إقصاء المرأة من الساحة العامة وحصرها في ساحات محددة وضيقة. أما في ما يتعلق بمشاركة المرأة السياسية فمن الواضح أن هناك خطوات تم اتخاذها في هذا الشأن. فقد تم، على سبيل المثال تعيين أول وزيرة للاقتصاد بدولة الإمارات، وقد سبق ذلك قيام السعودية بتشكيل مجلس حقوق الإنسان الذي يضم في عضويته ثلاث نساء، وفي قطر تعيين أول وزيرة للتربية والتعليم وامرأة أخرى رئيساً لمؤسسة أكاديمية مرموقة. وفي عمان تم تعيين السيدة راويه البوسعيدي كأول وزيرة عمانية وتلى ذلك تعيينات أخرى لوزارات أخرى. أما في البحرين ذات النشاط النسوي العريق أعدت لجنة نسائية عريضة رفعت للملك ركزت في معظم مطالبها على تعديل قانون الأحوال الشخصية. إذن نستطيع القول أن هناك محاولات على المستوى الرسمي لمنح المرأة حقها السياسي، إلا أنه وكما يبدو للناظر للأمور أن هذه المحاولات مازالت فوقية، ولن تعمل على تفعيل مشاركة المرأة بالشكل الفعلي المطلوب. وبناء عليه لن يتعدى تأثيرها القشرة الخارجية للمجتمع، وسيظل وضع مشاركة المرأة السياسية مرهون بحدوث التغيرات البنيوية على مستوى القاعدة الاجتماعية والاقتصادية، وبتغيير أشكال الوعي المجتمعي وبعض العادات والتقاليد السيئة التي تعزز دونية وأقلية المرأة في ذهن الرجل والمرأة على حد سواء. حيث أن العبرة ليست بسن القوانين والتشريعات ولكن في تطبيق هذه القوانين. ليس ادل على ذلك مما حدث في كل من قطر والكويت، فبالرغم من ترشيح ست نساء قطريات لأنفسهن لعضوية المجلس البلدي لم تفز أي منهن بسبب رفض الذكور والإناث التصويت لهن. والحال في الكويت ليس بأفضل من ذلك، فبالرغم من إصدار أمير الكويت مرسوما أميريا سنة 1999 يعطي المرأة الكويتية حقها في المشاركة السياسية، إلا أن مجلس الأمة الكويتي رده في نوفمبر من نفس العام تحت ضغط نواب العشائر والنواب الإسلاميين، ودخول المرأة الكويتية اليوم المجلس تم بسبب ضغوط كثيرة، لا مجال لذكرها هنا، وليس بسبب اقتناع وممارسة ديمقراطية حقيقية. وفي النهاية أود أن أنوه هنا إلى أنه من المفترض أن تكون القوانين والتشريعات وليدة الواقع الاجتماعي وما يسود هذا الواقع من علاقات وتفاعلات اجتماعية واقتصادية، كما أنها من المفترض أن تكون معبرة عن تطور مجتمعي وحاجة مجتمعية، لكن من المفارقات في واقعنا الخليجي أن هناك مجتمعات قطعت شوطاً وحققت تطورا ملحوظا على مستوى الوعي السياسي والمشاركة السياسية مثل الكويتوالبحرين، ورغم ذلك ظلت القوانين المعمول بها دون مستوى التطور المجتمعي. في حين أن دولاً أخرى، مثل قطر، ليست على ذلك المستوى من التطور المجتمعي، ألا أنها سنت قوانين وتشريعات متقدمة كثيرا على واقعها الاجتماعي، وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على أن القوانين والتشريعات التي سنت أخيراً في بعض دول المجلس ليست وليدة حاجة مجتمعية ولكن وليدة عوامل أخرى. هذه بعض الإشكاليات في واقع المرأة الخليجية والتي نأمل من المجلس أخذها بعين اعتباره وتداولها بالعمق المطلوب لإحداث تغيير حقيقي يعمل على رقي الإنسان الخليجي رجلاً وإمرأه، وبما يتناسب مع طبيعتنا وثقافتنا الجميلة. "البيان"