من مسرحية (الحسين ثائراً وشهيداً) للكاتب عبد الرحمن الشرقاوي (الجزء الأول) إعداد : زهير الهيلمة تعد هذه المسرحية الثنائية الملحمية (الحسين ثائراً ، الحسين شهيداً ) من أروع وأعظم الأعمال التاريخية في سماء الأدب العربي الحديث التي تصور جانباً مهماً من مأساة كربلاء التي وقعت بالأمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وآل بيت النبوة عليهم السلام فقد كتبت هذه الرواية الكبيرة أواخر ستينيات القرن الماضي وهي واحدة من أروع ما كتب الأديب والشاعر والكاتب المصري العملاق عبدالرحمن الشرقاوي إنه ذلك المفكر الإسلامي والمثقف اليساري والشاعر والأديب والروائي والصحفي الذي قيل عنه «لو لم يكتب الشرقاوي الا هذه المسرحية لكفته اسماً لامعاً ومجداً أدبياً كبيراً في الأدب العربي» وتلك المسرحية تعد من المسرحيات أو الروايات ممنوعة التقديم على خشبة المسرح المصري حيث أن مجرد التفكير أو التلميح بتقديمها من قبل صناع المسرح تجد فتاوى المنع والمصادرة كالأمطار تندلع من شيوخ الأزهر التي تمنع وتحرم وتصادر الأفكار قبل ولادتها. وهذه المسرحية من إخراج الفنان والمخرج المسرحي الكبير جلال الشرقاوي بن عم عبدالرحمن الشرقاوي وثلة من كبار الممثلين المصرين «كرم مطاوع وعبدالله غيث وأمينة رزق وسميحة أيوب» تروي لقارئ هذا العصر ولمشاهد المسرح أروع بطولة عرفها التاريخ الإنساني كله، وهي بطولة الحسين الثائر وذلك بأسلوب روائي مسرحي.. غاية في الروعة لأن للحسين جاذبية أرضية وسماوية في وقت واحد تجذب الكثير من الناس على اختلاف معادنهم وأديانهم ومذاهبهم ومللهم ،وكل من عرف الإمام الحسين معرفة حقيقة يحس أن هناك شيء يجذبه إليه ويأخذ بقلبه ، ويشعر أن قوى غيبية تسحبه سحباً وترغمه على حبه إرغاماً، فينعكس ذلك على حياته وسلوكه ، وذلك ما حصل مع أديبنا الكبير.. فقد نشأ الحب الكبير منذ کتابه «علي إمام المتقين». نظرة تاريخية.. تسلم يزيد قيادة الدولة الإسلامية بعد هلاك أبيه وبإجماع المؤرخين انه لم تتوفر فيه أية صفة كريمة أو نزعة شريفة فقد خلد إلى اللهو وشرب الخمر والقنص وغير ذلك من الأعمال التي يقترفها سفلة المجتمع الذين لا يرجون لله وقارا وقد ابتدأ حكومته بإشاعة الظلم ونشر الجور والفساد في الأرض رفض الإمام الحسين (عليه السلام ) بيعة يزيد رسميا في أروقة الحكم الأموي وذلك حينما استدعاه حاكم المدينة الوليد بن عقبة في غلس الليل وفهم الإمام ما أراد منه فاستدعى أهل بيته وأمرهم بمصاحبته ليقوموا بحمايته وقال لهم إذا سمعتم صوتي علا فادخلوا عليَّ بجمعكم وسار الإمام فصحبته الفتية فدخل على الوليد ولما استقر به المجلس نعى إليه معاوية فاسترجع الإمام الحسين (عليه السلام) وقال له : • - (لماذا دعوتني ) ؟ • - (دعوتك للبيعة ) . واستمهله الإمام حتى الصبح ليجتمع الناس وقد أراد بذلك أن يعلن أمام الجماهير رفضه الكامل لبيعة يزيد وخلع طاعته وكان في المجلس مروان بن الحكم الذي هو من أعمدة الباطل فاندفع لإشعال نار الفتنة فصاح بالوليد : (لأن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينك وبينه احبسه فان بايع وإلا ضربت عنقه ...) ووثب أبو الإمام في وجه الخبيث الدنس مروان فقال له :(يابن الزرقاء أأنت تقتلني أم كذبت والله ولؤمت ) (أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة بنا فتح الله وبنا ختم ، يزيد رجل فاسق شارب الخمر وقاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ...) ولم يتخذ الوليد مع الإمام أي إجراء وإنما قابله بالتكريم فخرج الإمام منه واستاء منه مروان ووجه له لوما وعتاباً قائلا :( عصيتني لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا ) ورد عليه الوليد ببالغ الحجة قائلا : (ويحك يا مروان أشرت علي بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب أن املك الدنيا بأسرها وإن قتلت حسينا ؟ سبحان الله أأقتل حسينا ؟؟ أن قال : لا أبايع والله ما أظن أن أحدا يلقى الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان ولا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم .) وسخر منه مروان وراح يقول بسخرية :( إذا كان هذا رأيك فقد أصبت ) (تاريخ الطبري)على الرغم من اعتماد الشرقاوي في مسرحيته هذه على مرجعية تاريخية لأحداث واقعة ألطف وحسب تسلسل تفاصيل أحداثها وعلاقة ذلك بمكان وزمان الحدث , وتأثير ذلك الحدث على أفعال الشخصيات بحسب موقعها في طرفي الصراع بعد ذلك يتوقف النص عند موقف تاريخي مهم له مكانته الخاصة في نفوس المسلمين , وهو لحظة وداع الرسول الكريم محمد ( ص ) , وبذلك يكون الشرقاوي قد ألمح إلى الانطلاقة الأولى والقاعدة الأساس للثورة الحسينية المباركة التي رصنت بنيان الدين الإسلامي وأسهمت في بقائه الأزلي . لقد اهتم الشرقاوي في بداية مسرحيته بمشهد أساس يجمع ما بين ( محمد بن الحنفية والإمام الحسين عليهما السلام ) , لأهمية ما يتميز به هذا الموقف التاريخي من أبعاد إيمانية ومبادئ ثابتة كشفت عن معاني الأخوة وتقديم النصيحة والأخذ بالمشورة على وفق المبادئ الإسلامية نفسها . فضلا عن ذلك أن هذا الموقف هو البداية التي انطلق منها الحسين ( ع ) متوجها نحو الواقعة . أما ما يتعلق بأسماء الشخصيات ، فلقد اعتمد الكاتب الأسماء التاريخية الصريحة وألقابها المعروفة فنجد الشخصيات مثل ( حبيب بن مظاهر , وزهير بن القين , ونافع , وابن عوسجة , وسكينة , وزين العابدين , والمختار الثقفي ) وغيرهم , بالإضافة إلى اهتمام الكاتب بالمكان والزمان في كل مشهد من مشاهد المسرحية , ففي المنظر الأول من الفصل الأول نراه يثبت الأتي : « بادية بجنوب العراق على مقربة من كربلاء تتناثر فيها التلال .. الحسين ورجاله وفتيانه يتفرقون في المكان على المرتفعات والمنخفضات .. سعيد يقف على أعلى المرتفعات وهو يتأمل الأفق البعيد تحت الشمس المتوهجة التي تغمر المكان كله « وأود التنويه إلى ما ذكره ( محمد جواد مغنية ) في كتابه الموسوم ( الحسين وبطلة كربلاء ) عن مسرحية الشرقاوي هذه عندما قدمت لأول مرة وبخطوة جريئة على المسرح القومي المصري ومن إخراج ( كرم مطاوع ) عام 1972 م , وبعد الموافقات الرسمية للمسرحية من قبل علماء الأزهر واستشارتهم عن الطريقة التي سوف تظهر بها شخصيتا ( الحسين و زينب عليهما السلام ) بمثابة رواة لما تقوله الشخصية , ولكن وبعد إكمال العمل وصرف المبالغ فوجئ الجميع بان الأزهر له وجهة نظر أخرى فيما يخص الجمع بين الجزأين للمسرحية , وتبدو هذه حجة لا أكثر الغرض منها منع عرض المسرحية في حينها بعد أن اكتملت في شكلها النهائي الجاهز للعرض والذي شاهده حينها عدد من المسرحيين والنقاد , ومنهم الكاتب أمير اسكندر الذي كتب عن هذه التفصيلات في مقالة له بعنوان ( ثأر الله) والمنشورة في جريدة الجمهورية المصرية في 18 / 2 / 1972م , كل هذا إنما يؤكد محاربة الرقيب لاستثمار الواقعة في مجالات إعلامية وفنية إبداعية بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة ومن قبل بعض السلطات العربية التي لا تريد الاعتراف بجورها وظلمها إزاء شعوبها , ولذلك فهي تخاف الاقتراب من قضية الإمام الحسين ( ع ) أو التعرض لذكر واقعته في أي محفل إعلامي أو فني يمثلها أو يرزح تحت تسلطها وهذا ما يفعله الأزهر إلى اليوم !!،، ويختار الحسين أن يُقاوم هذا الشر المستطير، وينطلق إلى مصيره الذي ينتظره، وهو الاستشهاد بعد صراع طويل مع النفس:الحسين: بان الرشدُ من الغيّْ.