وجد الشاب محمد الأغبري نفسه في رصيف البطالة بعد أن تخلت عنه الشركة التي كان يعمل لديها جراء العدوان على اليمن، والذي أجبر الكثير من شركات القطاع الخاص على تسريح الكثير من موظفيها. لم يستسلم المهندس الأغبري الذي يحمل بكالوريوس هندسة حاسوب، وبدأ يفكر في مشروعه الخاص، ولجأ إلى أحد المصارف اليمنية للتمويل الأصغر بعد أن أسس محلاً لبيع وصيانة الحاسوب، وأدخل على مشروعه قسماً لبيع وصيانة الجوالات الذكية وأوكل المهمة لأحد أقاربه الذي يعمل مهندساً في هذا المجال، وبعد أشهر من بدء العمل وجد الأغبري نفسه بحاجة إلى 3 موظفين، وأصبح هذا المشروع الصغير يوفر 5 فرص عمل. هذه التجربة يحكيها المهندس محمد الأغبري ل»26 سبتمبر» ويقول: «أتمنى من كل الشباب أن يكون لديهم الطموح بامتلاك مشاريعهم الخاصة، فهي وسيلة مناسبة للحد من البطالة والفقر، وسيلة مُدرة للدخل، ويجب على كل شاب ألاّ يستسلم لتحديات الواقع ويظل ينتظر فرصة عمل سواءً لدى القطاع الخاص أو القطاع العام، فمن يمتلك مهارات يتوجب عليه أن يمارس مهاراته ليخدم نفسه والمجتمع ويكون منتجاً ليسهم بفاعلية في تنمية البلد الذي ينتظر منا الكثير»..دعوة يطلقها الأغبري فحواها عدم الاستسلام، وأن يكون الواقع بتحدياته فرصة مناسبة للشباب بأن يصنعوا التغيير ويكونوا أدوات بناء لهذا الوطن الغالي.تبرز المشاريع الصغيرة والأصغر بأنها الوسيلة المناسبة والأداة الفعالة للحد من كوارث الحروب التي تخلف تأثيرات سلبية على المجتمعات التي تعيش حالة الحرب، خاصة أن الحرب تزيد من اتساع ظاهرتي الفقر والبطالة، لذا فإن زيادة نشاط المشاريع الصغيرة والأصغر تكون الوسيلة المناسبة للحد من الفقر والبطالة في زمن الحرب والسلم أيضاً. يتسع في ظل الحصار في اليمن أخذ نشاط المشاريع الصغيرة والأصغر يتسع بشكل ملحوظ في ظل العدوان والحصار، حيث ارتفعت نشاطات التمويل الأصغر، ونمت أصول بنوك التمويل الأصغر بحوالي 401.9% عام 2017 مقارنة بما كانت عليه عام 2014، وبالتالي ارتفعت نسبة مساهمتها في هيكل أصول البنوك بحوالي 3.6 نقطة مئوية خلال نفس الفترة، الأمر الذي يحسن فرص تمويل الأنشطة الصغيرة والأصغر، ويساهم في الحد من البطالة والتخفيف من الفقر، بحسب أحدث بيانات وزارة التخطيط والتعاون الدولي التي حصلت «26 سبتمبر» على نسخة منها. تحويل الإنسان إلى طاقة إنتاجية بدوره الباحث الاقتصادي عبدالعزيز فؤاد يقول ل»26 سبتمبر» إن اليمن بحاجة إلى زيادة واتساع نشاط مؤسسات التمويل الأصغر، خاصة أنه يقوم عليها دوراً حيوياً هاماً في الحد من أبرز المعضلات الاقتصادية «البطالة، الفقر»، كما أن توافر المشاريع الصغيرة والأصغر يضمن توفير سبل العيش الكريم كون ذلك يسهم في التخفيف من الفقر والبطالة. ويُشير الباحث فؤاد إلى أن أي بلد يشهد زيادة في نشاط مؤسسات التمويل الصغير والأصغر يكون لديه القدرة على تحقيق النهوض الاقتصادي والتنموي، خاصة أن مؤسسات التمويل الصغير والأصغر تُسهم في تحويل الإنسان إلى طاقة إنتاجية من خلال تقديم الخدمات المالية الملائمة التي تشجع على الادخار وتمنح القروض اللازمة لذوي الدخل المحدود من الشباب والرجال والنساء لمساعدتهم على إقامة المشاريع الصغيرة وامتلاك الأصول الإنتاجية المُدّرة للدخل وتمكينهم من الحصول على تمويل ذاتي قابل للاستدامة. بدورها وزارة التخطيط والتعاون الدولي تقول بياناتها الصادرة حديثاً بتمويل من منظمة اليونيسيف، إن عدد المقترضين النشطين من مؤسسات التمويل الأصغر بلغ 85,863 شخصاً في يونيو 2018، ونظراً لارتفاع معدل الإعالة في الأسرة اليمنية، يُقدّر عدد المستفيدين بمئات الآلاف من السكان. وبحسب نتائج الدراسة التي نفذتها شبكة اليمن للتمويل الأصغر خلال أغسطس 2017 - يناير 2018، كانت المشاريع الصغيرة هي مصدر الدخل الوحيد لحوالي نصف عينة الدراسة (48,3%) من عملاء التمويل الأصغر، مما يؤكد الدور الرائد لمؤسسات التمويل الأصغر في توفير مصدر دخل لشريحة واسعة في المجتمع، وبالتالي مساعدتهم وأطفالهم على تغطية تكاليف المعيشة. توفر بيئة داعمة للاستقرار وصناعة السلام وعن أهمية التمويل الأصغر لليمن في هذه المرحلة تقول الوزارة إن أهمية التمويل الأصغر تتزايد في اليمن، خاصة في ظل اشتعال نيران الحرب، وتفاقم الأزمة الإنسانية، واستمرار أزمة انقطاع مرتبات موظفي الدولة في أكثر المحافظاتاليمنية الذين يتوقون للحصول على مصادر دخل بديلة.وتُضيف وزارة التخطيط في أحدث نشرة للمستجدات الاقتصادية: «إن انتشار المشاريع الصغيرة والأصغر يوفر بيئة داعمة للاستقرار وصناعة السلام، فالشباب العاطلون عن العمل يكونون أكثر عرضة للإحباط والتحول إلى وقود للمعارك الطاحنة بينما انشغالهم بمشاريعهم الخاصة يثبط لديهم حوافز العنف ويقوي أنزيمات السلام، ومن هذا المنبر، ندعو مجتمع المانحين إلى تقديم مزيدا من الدعم لقطاع التمويل الأصغر في إطار برامج الاستجابة الإنسانية لبلادنا لتمكين الفئات الأشد فقراً وتضرراً من تأمين سبل العيش المستدام تجسيداً للمثل الصيني علمني الصيد خيراً من أن تعطيني سمكة». ارتفاع عدد المدخرين في 2017 وتقول وزارة التخطيط إن مؤشرات التمويل الأصغر اليوم أفضل حالاً نسبياً مما كانت عليه خلال عامي 2015 - 2016، اللذين شهدا انخفاضاً في عدد المدخرين النشطين في مؤسسات التمويل الأصغر من 622 ألف مدخر عام 2014 إلى 510 آلاف مدخر عام 2015، أي بحوالي (-18%)، متأثرين بالصدمة الأولى للحرب الجارية على دخل المواطن ونفسيته، حيث تم استئناف 20% من مشاريع عملاء التمويل الأصغر التي سبق أن توقفت أثناء فترة الحرب، ثم تزايد عدد المدخرين تدريجياًبعد ذلك حتى تجاوز عددهم عام 2017 ما كانوا عليه عام 2014، وشكل عدد المدخرين أكثر من 8 أضعاف المقترضين في العام 2017 نتيجة ارتفاع المخاطر الاستثمارية أثناء الحرب وعدم اليقين بالاتجاهات المستقبلية، وميل الأفراد لإدخار أموالهم من أجل مواجهة الاحتياجات المعيشية وتحسباً لتحسن مناخ الاستثمار بعد الحرب. مخاطر تواجه مؤسسات التمويل الأصغر ومع ذلك واجهت مؤسسات التمويل الأصغر ومشاريع عملاءها الكثير من المخاطر بما فيها التعرض للأضرار واستمرار إغلاق 17,3% من إجمالي المشاريع، وكذلك التأثر بأزمات حادة في الطاقة والسيولة النقدية وتدهور العملة الوطنية، وبالنتيجة، ارتفعت نسبة القروض المتعثرة إلى حدود غير آمنة، متجاوزة 40% في يونيو 2018، وتدهور الأداء المالي لمؤسسات التمويل الأصغر وتقلصت فرص الإقراض، حسب ما أورده قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي. النساء الأقل حظاً في التمويلات الصغيرة والأصغر تراجع عدد المقترضين النشطين تدريجياً من 120 ألف مقترض عام 2014 إلى حوالي 85,9 ألف مقترض في يونيو 2018، وبحوالي 28,4%، لأسباب أهمها توقف التمويلات الاستهلاكية لموظفي الدولة الذين انقطعت مرتبات الجزء الأكبر منهم، وتعقيد ضمانات القروض. إضافة إلى نزوح بعض العملاء من مناطقهم وتعرض بعض الأعمال للخسائر والتدمير، وصعوبة استئناف عمليات التمويل في عدد من المناطق الأكثر تأثراً بالصراع والحرب، فضلاً عن تدني متوسط قيمة القرض وعدم كفايته للوفاء باحتياجات العميل لإقامة مشروعه خاصة في ظل تصاعد التضخم. وحسب النوع الاجتماعي، انخفضت حصة النساء المستفيدات من التمويلات الصغيرة والأصغر من حوالي 54% من إجمالي المقترضين النشطين في ديسمبر 2014 إلى حوالي 41% في يونيو 2018، وهذا يعكس تراجع دور مؤسسات التمويل الأصغر في التمكين الاقتصادي للمرأة أثناء فترة الحرب، مما يؤثر سلبياً على قضايا حيوية في الأسر التي تعولها المرأة مثل الأمن الغذائي وسوء التغذية وعمالة الأطفال والوصول إلى التعليم والصحة.