ثقافة العنف والتطرف الفكري أو الأثني من الظواهر الاجتماعية التي نخرت عالمنا العربي والإسلامي منذ أمد بعيد.. مرد كل هذا إلى الثورات والتغيرات الاجتماعية والفكرية والثقافية, والمشاحنات السياسية التي عمت بقاع الأرض.. فالعالم منذ القرن السادس عشر سادته عدة تغيرات فكرية وثقافية.. وأثنية وعصبوية بالغة النشاط والديناميكية.. وكل هذا نتيجة التحولات العلمية والثورة التكنولوجية الهائلة التي غزت العالم من أقصاه إلى أقصاه..فالاسلامفوبيا الذي شاع في دول الغرب, بالعقود والسنوات الأخيرة مرده الفهم الخاطئ والمقلوب لمفهوم جوهر الإسلام ونصوص شريعته الغراء بسبب الجماعات التي ترفع شعار الإسلام هو الحل غير مراعين لمشاعر أصحاب الأديان السماوية الأخرى في تلك الدول.. فالذين أساءوا إلى الإسلام بهذا الغلو الديني.. والتطرف الفكري, والتعصب الأعمى لرأي أو فكر أو نظرية هو ما أدى إلى نشوء هذه الفتن.. فالخلاف أو الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.. طالما مقصده تصحيح الرؤى المنحرفة.. والأفكار المضللة.. فالإسلام علمنا أدب الخلاف في الرأي فلا يصر أحد منا على فرض رأيه على الآخر.. على أنه صواب وغيره على خطأ.. بل عليه أن يدرك ويعي بأن كلاً منا يخطئ ويصيب.. فمسألة الخطأ وارد على كل إنسان مهما علت منزلته أو درجته العلمية أو الدينية.. كما جاء في الحديث النبوي الشريف:» كل ابن آدم خطّا وخير الخطائين التوابون».. لذا على علماء الأمة وفقهائها وحكمائها وعقلائها أن يردوا الأمور إلى نصابها الشرعي والقرآني كما جاء في قوله تعالى:» فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وذلك خير وأحسن تأويلا».. سورة النساء (59).. فالرجوع إلى الحق فضيلة.. ومشاورة أهل العلم والتقوى والصلاح من أعظم الفضائل.. ولنأخذ العبرة والدروس من الأمم السابقة التي ابتلاها الله بالهلاك والدمار والفناء كما جاء في قوله تبارك وتعالى: «وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين».. سورة القصص (58).. هكذا هي مصائر الشر وحصائد المعاصي والذنوب تجلب للبشر الدمار والهلاك وتبعد الإنسان عن دائرة الرضوان والإحسان.. فالإسلام يدعو دوماً إلى اليسر والاعتدال والوسطية في حل الخلافات والقضايا بين الناس.. فالغلو والتطرف والتعصب آفة الشعوب لا يعود على صاحبه إلا بالفناء والدمار..لذا علينا أن نربأ بأنفسنا عن الظن السيء بالناس سواء أكان في العقيدة أو الفكر أو المذهب.. كلنا مطالبون بالوقوف في وجه التطرف أياً كان مذهبه أو فكره أو معتقده.. وعلى وسائل الإعلام المختلفة ومراكز البحوث والدراسات القيام بالتوعية اللازمة بآثار التطرف الفكري والديني.. وعلى علمائنا الأجلاء تقع المسؤولية تجاه التنوير برسالة الإسلام الخالدة التي تدعو إلى نشر المحبة والسلام لكل بني البشر على اختلاف مشاربهم وألوانهم واطيافهم الفكرية والثقافية والعقائدية والمذهبية.. وأن تلك الجماعات المتطرفة لا تمثل الإسلام لا من قريب.. ولا من بعيد.. بل أفرزتها أنظمة حاكمة مستبدة لترويج أفكارها المضللة.. وإلهاء شعوبها عن الخوض في السياسة وما يدور وراء دهاليز قصورها.. لذا لابد من العودة إلى ينابيع الإسلام الصافية.. ومبادئه السامية لننتصر على أعدائنا.. إذا كنا فعلاً جادين في الوصول إلى بناء مجتمعات إسلامية راقية.. وشعوب حضارية متحضرة تُدرك قيمة وسمو التعايش مع الآخر..