تسع سنوات ومازال الجدل قائماً- وسيبقى- حول ثورة 11 فبراير 2011م الشعبية السلمية، ولعل أكثره سخونة هو توصيف تلك الثورة من خصومها الذين دوماً ما يصفونها ب"النكبة"، وأنها إنتاج مؤامرة دولية فيما يسمونه بالربيع العربي لاستهداف أنظمة بعينها- وهذا صحيح الى حدٍ ما- لكن أكثر تلك التوصيفات غرابة حين ينسبونها الى "حزب الإصلاح" والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بهدف إفراغها أي محتوى شعبي، وبالتالي إسقاط مشروعيتها الوطنية وهي محاولة بائسة، أثبتت السنون أنها بعيدة عن الحقيقة.. في حين أن الحقيقة الدافعة: أن ثورة فبراير السلمية ثورة شعبية شاركت فيها كل فئات الشعب اليمني من أقصاه الى أقصاه مما أكسبها مشروعيتها الوطنية والقومية، إضافة الى انتهاجها التغيير السلمي أسلوباً لإقامة الدولة المدنية العادلة هدفاً.. ولا يخفى على أحد أن تلك الثورة إنما جاءت بعد أن وصل النظام الحاكم الى أفقٍ مسدود على مستوى النظام نفسه وعلى مستوى الوطن، إذ كانت البلاد قد غدت مخطوفة بيد غلمان النظام واذرعته العسكرية والأمنية والاقتصادية، وتحت إشرافه يتسابقون على نهب الوطن ومقدراته، ويغرقونه في مستنقع الفساد والحروب الداخلية، حيث يهربون من الأزمات التي أحدثوها الى أزمات جديدة، فأصبحت "مظلومية صعدة" تتكرر في عديد من المحافظات مثل الضالع ولحج وعدنوأبين وحضرموت، حيث سياسة "الأرض المحروقة" و"كسر العظم" بتهمة الإرهاب هنا وتهمة التمرد الانفصالي هناك، بينما كان الواقع يشير الى أن ما يحدث إنما اكان لعبة النظام التي يفاخر أنه من يجيدها، ويمسك بخيوطها.. ونحن لسنا بصدد سرد كل الأسباب والبواعث- على كثرتها- والتي يستوجب كل واحد منها ألف ثورة، فمن الحروب الداخلية الى الفساد في كل مناحي الحياة، الى الاستئثار بالسلطة والثروة الى التوريث.. الى سقوط آخر ورقة توت كانت تستر سوءته، والمتمثلة بدعم "فلسطين" حين امتنع عن حضور قمة "غزة" بناءً على اتصال هاتفي من ملك السعودية بعد منتصف ليلة القمة، وهو ما كشف عن أن السعودية لا تتدخل فقط في حكم اليمن وإنما حاكم اليمن موظف لديها، وأن مشاركة السعودية في حرب صعدة السادسة، إنما هو تدخل الأصيل بعد أن عجز الوكيل ثم هزيمتهما معاً والتي أفقدت النظام هيبته السياسية وسلبت الجيش شرفه العسكري، في حين تربعت حركة أنصار الله وسيدها كحركة مقاومة وطنية وقائد وطني ضد الوصاية الأجنبية لتتوالى فضائح النظام تباعاً حين أقدم على إبرام صفقة مع عصابات القاعدة في أبين من أجل تأمين إقامة "خليجي عشرين" في عدن لنكتشف أن القاعدة صنيعته وأدواته في البلاد يستخدمها فزاعة لإخضاع الداخل، وابتزاز الخارج.. وقد يسأل البعض: ولماذا لم تحدث تلك الثورة إلا بعد ثورتي "تونس ومصر"، والإجابة ببساطة أننا شعب عربي واحد لقد اندلعت ثورات التحرر العربي بعد ثورة يوليو بإذاعة "صوت العرب" فكيف وقد أصبح الفضاء مفتوحاً وبتلك الصورة إبان تلك الثورتين؟!.. لذا شكلت تلك الثورتان دافعاً قوياً بعد انتصارهما، علماً بأن اليمنيين كانوا قد سبقوا الجميع حين خرجت أول مسيرة شعبية يوم 15 يناير 2011م ثم توالت في جمعة الانتصار لثورة يناير المصرية، وتلك المسيرة التي شهدتها صنعاء مساء تنحي "مبارك" وليلتها بسط النظام بخيامه على ميدان التحرير.. أما الإدعاء بأن الأحزاب وفي مقدمتها "الإصلاح" هم من أشعل ثورة 11 فبراير وافتراش ساحة الجامعة فهو مجافٍ للحقيقة، لسبب بسيط أن تلك الأحزاب كانت أجبن من أن تقدم على القيام بذلك، لأنهم كانوا يوقنون أن النظام سوف يسحقها دون رحمة، ولن تتدخل القوى العظمى فاليمن ليست "مصر" ناهيك عن أن رئيس النظام في اليمن قد يحرق البلد كله حفاظاً على سلطته، ولذا كانت المعارضة تحسب حساب ماذا لو فشلت الثورة؟!.. هل ستقدر على دفع الثمن؟!.. طبعاً لا، لذا كانت ترى أن الخروج بثورة ضد النظام انتحار!! على أن ما يجب الاعتراف به أن من تزعموا الشباب في ساحة الجامعة كانوا ينتمون لأحزاب، فكانوا الأكثر قدرة على التنظيم، فبادروا الى تشكيل اللجنة التنظيمية التي أشرفت على أنشطة الثوار في الساحة على أساس حزبي لكنها مثلت كل القوى السياسية بما فيها حركة أنصار الله، لكن تلك كانت أولى حلقات المؤامرة على الثورة، فقد تحولت فيما بعد الى أداة بيد الإصلاح وحلفائه والتي من خلالها هيمن على الساحة.. واجه النظام تلك الثورة منذ لحظاتها الأولى بأعلى درجات البطش وبكل صنوف الإرهاب مستخدماً كل الوسائل التي كانت قد أتاحت له أكذوبة مكافحة الإرهاب الحصول عليها من شتى الدول وأجهزة مخابراتها، ومن يشكك فمازالت موثقة بالصوت والصورة، ولن ندخل في جدل مع من يريدون إقناعنا أن أجهزة الأمن وما اقترفته من قتل وسحل وحرق واختطاف وسجن وترويع ونهب و...الخ.. أن تلك الأجهزة الى جانب مجاميع البلاطجة كانوا "طيور الجنة".. ذلك التوحش منذ البداية كان ثمنه شهداء وجرحى ومفقودون ومخطوفون و...الخ.. لكنه كان من جهة أخرى وقوداً حول الثورة من آلاف الشباب الى ملايين من كل فئات الوطن وعلى امتداد ساحاته في كل مدينة وقرية.. وعلى امتداد شهر وأيام نفذت عشرات الزحوفات لاقتحام الساحة وغطت سحب الدخان المسيل للدموع المنطقة.. ولكن دون جدوى.. كانت الجموع تزداد والثورة تنتشر كالنار في الهشيم.. وهكذا وبعد كل ذلك العجز للنظام أقدم على جريمته النكراء مذبحة "جمعة الكرامة" التي كانت نقطة فاصلة في تاريخ ثورة فبراير، ما قبل جمعة الكرامة وما بعدها. * عضو مجلس الشورى