( تدين له الأمم بالطاعة والانقياد لأنه يخلص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له ويراف بالضعفاء والمساكين وأنه يعطى من ذهب بلاد سبأ ويصلى عليه في كل وقت ويبارك عليه في كل يوم ويدوم ذكره إلى الأبد ) من بشائر نبي الله داوود بكتابه الزبور مبشرا برسول الله صلى الله عليه وسلم . كان أنبياء الله تعالى معانين على تأسيس النبوة بما تقدمه من بشائرها وتبديه من أعلامها وشعائرها ليكون السابق مبشرا ونذيرا واللاحق مصدقا وظهيرا فتدوم بهم طاعة الخلق وينتظم بهم استمرار الحق وقد تقدمت بشائر من سلف من الأنبياء بنبوّته محمد مما هو حجة على اممهم ومعجزة تدل على صدقه عند غيرهم بما أطلعه الله تعالى على غيبه فمن ذلك . جبال فاران بشائر موسى عليه السلام في التوراة في الفصل الحادي عشر من السفر الخامس عن موسى عليه السلام ( إن الرب إلهكم قال إني أقيم لهم نبيا مثلك من بين إخوانهم أجعل كلامي على فمه فأيما رجل لم يسمع كلماتي التي يؤديها عني ذلك الرجل باسمي فأنا أنتقم منه ) ومعلوم أن اخا بني إسرائيل هم بنو إسماعيل وليس منهم من ظهر كلام الله تعالى على فمه غير محمد صلى الله عليه وسلم . وفي الفصل التاسع من السفر الأول لما هربت هاجر من سارة تراءى لها ملك واخبرها بانها ستلد ابنا وتسميه إسماعيل وتكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة اليه بالخضوع وهذا لم يكن في ولد اسماعيل إلا رسول الله صلى الله عليه السلام . وفي نفس السفر لإبراهيم حين دعاه في اسماعيل ( وباركت عليه وكثرته وعظمته جدا جدا وسيلد اثنى عشر عظيما وأجعله لأمة عظيمة) وليس في ولد اسماعيل من جعله لأمة عظيمة غير محمد الصلاة والسلام عليه. ومنها في الفصل العشرين من هذا السفر ( أن الرب جاء من طور سيناء وأشرق من ساعير واستعلى من جبال فاران ... ) فمجيء الله تعالى من طور سيناء هو إنزاله التوراة على موسى وإشراقه من ساعير إنزاله الإنجيل على عيسى لأنه كان في ساعير أرض الخليل في قرية ناصره واستعلاؤه من جبال فاران إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وفاران هي جبال في مكة في قول الجميع فإن ناكروا كان دفعاً لما في التوراة !. أغصان مشرقة كان بين موسى وعيسى من الأنبياء الذين أوتوا الكتاب باتفاق أهل الكتابين عليهم ستة عشر نبيا ظهرت كتبهم في اسرائيل فبشر كثير منهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم . فمنهم شعيا بن أموص قال في الفصل الثاني والعشرين ( قومي فأزهري مصباحك ) يعني مكة ( فقد دنا وقتك وكرامة الله طالعة عليك فقد تجلل الأرض الظلام وغطى على الأمم الضباب والرب يشرق عليك إشراقا ويظهر كرامته عليك فتسير الأمم إلى نورك والملوك إلى ضوء طلوعك ..... ويحج إليك عساكر الأمم حتى تعمرك الإبل المؤبلة وتضيق أرضك عن القطرات التي تجمع إليك ويساق اليك أكباش مدين ويأتيك أهل سبأ يحدثون بنعم الله ويمجدونه وتسير اليك غنام قاذار) يعني غنم العرب لأنهم من ولد قاذار بن إسماعيل . كذلك من الأنبياء من بني إسرائيل من بشر بنبوة الرسول نوال بن نوتال والنبي عويديا والنبي ميخاء ذكر في كتابه ( وبكرامة اسم الله ربه ويقبلون بهم إلى من سيعظم إلى أقطار الأرض ويكون على عهده الإسلام ) . ومن بشائر حبقوق من انبياء بني إسرائيل ( جاء الله من طور سيناء واستعلن القدوس من جبال فاران وانكسفت لبهاء محمد وانخسفت من شعاع المحمود وامتلأت الأرض من محامد لأن شعاع منظره مثل النور يحفظ بلده .... ) . كذلك بشائر حزقيال من انبياء بني إسرائيل في كتابه : ( إن الذي يظهر من البادية فيكون فيه حتف اليهود كالكرمة أخرجت ثمارها وأغصانها عن مياه كثيرة وتفرعت منها أغصان مشرقة .... ) كذلك بشارة النبي يرصفينا والنبي زكريا بن يوحنا والنبي دانيال والنبي أرميا بن برخنا من أنبياء بني إسرائيل. أكليلا محمودا ومن تباشير نبي الله داوود في كتابه الزبور قال : ( أن الله اصطفى له أمته وأعطاه النصر وسدد الصالحين منه بالكرامة يسبحونه على مضاجعهم ويكبرون الله بأصوات مرتفعة بأيديهم سيوف ذوات شفرتين لينتقموا من الأمم الذين لا يعبدونه يوثقون ملوكهم بالقيود وأشرافهم بالأغلال ) ومعلوم ان سيوف العرب هي ذوات الشفرتين ومحمد صلى الله عليه وسلم هو المنتقم بها من الأمم . وفيه : ( أن الله أظهر من صيفون أكليلا محمودا ) وصيفون : العرب , والاكليل : النبوة , ومحمود هو محمد صلى الله عليه وسلم . وفي مزمور آخر منه : ( ... تدين له الأمم بالطاعة والانقياد لأنه يخلص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له ويراف بالضعفاء والمساكين وأنه يعطى من ذهب بلاد سبأ ويصلى عليه في كل وقت ويبارك عليه في كل يوم ويدوم ذكره إلى الأبد ) . ومعلوم انه لم يكن هذا إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم . بشائر الانجيل قال المسيح عليه السلام للحواريين : ( ... وهو يشهد عليّ وانتم تشهدون لأنكم معي من قبل الناس وكل شيء أعده الله لكم يخبركم به ) . وفي موضع آخر قال : (... وهو يشهد لي كما شهدت له فإني جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل ) . فهذه من بشائر الأنبياء عن الكتب السماوية بصحة نبوته المتواترة الأخبار بانتشار دعوته وتأييد شريعته ولعل مالم يصل الينا منها اكثر فمنهم من عيّنه باسمه ومنهم من ذكره بصفته ومنهم من ارجعه إلى قومه ومنهم من أضافه إلى بلده ومنهم من خصه بأفعاله ومنهم من ميزه بظهوره وانتشاره وقد حقق الله تعالى جميعها فيه حتى صار جليا بعد الاحتمال ويقينا بعد الارتياب .فلا يوجد حادث أعظم مما جدده الله تعالى بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم فاقتضى ان تكون بشائر نبوته أشهر وشواهد آياته أظهر .