المتابع للمشهد السياسي السوداني ومستجداته منذ عقود خلت يجد أن السودان يعيش في دوامة الانقلابات العسكرية المتكررة وكل هذه المفارقات المتداخلة، والسيناريوهات المتشابكة تصب في بوتقة الصراع السياسي على السلطة بين العسكر والمدنيين.. وهذا ما انعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية والحياتية والمعيشية لحياة الناس، بل والأوضاع السياسية والأمنية.. السودان ذاك البلد النابض بالثقافات والتراث المتنوع جسر الوجدان والهجرات اليمنية القادمة من جنوب الجزيرة العربية تأريخاً وحضارة وتراثاً ومصاهرة شهد أعظم وأعرق الحضارات على ضفاف نيله العظيم شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً ويرى بعض الباحثين في شؤون التاريخ القديم أن القبائل اليمنية التي هاجرت من جنوب الجزيرة العربية إلى أفريقيا عن طريق ميناء مصوع استقرت على ضفاف النيل وتصاهروا وتمازجوا معاً ويشير الدكتور عبدالله الشيبه المؤرخ اليمني الكبير: أن هناك نقشاً يشير أن السودان واليمن معاً خضعا لحكم حبشي في فترة من الزمان ويشير إلى أنه منذ زمن بعيد هاجرت قبائل حميرية من اليمن واستقرت على ضفاف نهر النيل الأزرق في السودان.. فحضارة السودان جذورها من اليمن تاريخاً وحضارة وثقافة وتراثاً، عندما نال السودان استقلاله عام 1956م من الحكم البريطاني، عاش حياة سياسية حافلة بالأحداث والمستجدات والمتغيرات المحلية والعربية والإقليمية والدولية ولم يحظ بالأمن والاستقرار السياسي، بل عاصر الكثير من الانقلابات العسكرية والصراعات السياسية بسبب الاستحواذ على السلطة والحكم وهذا ما أدى إلى الركود الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، والصراعات السياسية والفكرية بين أبناء النيل الواحد شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً فالصراع على السلطة هو محور الأزمة السودانية، والأحزاب السياسية والمكونات الفكرية والوطنية والنخب المثقفة هي من تتحمل تبعات ذلك والذي يدفع الثمن غالباً هو الشعب المغلوب على أمره.. فالمتأمل اليوم في أحداث السودان يجد أنها عبارة عن سيناريوهات خيوطها بيد قوى خارجية تريد أن تفرض سياسة الأمر الواقع لتركيع أنظمة دول المنطقة تحت وصاية الارتهان والتبعية والتطبيع مع الكيان الصهيوني وهذا ما تسعى إليه القوى الكبرى بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وأزلامها ولنأخذ الدروس والعبر مما يدور من تشظي وصراعات وتقسيم مناطقي، ومذهبي، وعرقي وفكري وعقدي في دول المنطقة.. وخير دليل وبرهان على ذلك ما يحدث في العراق، ولبنان وسوريا وليبيا واليمن وتونس في الطريق.. فالسودان يعتبر همزة الوصل بين الوطن العربي، وقارة أفريقيا، ويلعب دوراً محورياً في السياسة العربية والإقليمية والدولية ولذلك لابد من إدخاله في اللعبة الإقليمية والدولية حتى يتسنى لتلك القوى تنفيذ أجندتها الجيوسياسية، والجيواستراتيجية والجيو اقتصادية في المنطقة.. من هذا المنطلق يرى الكثير من المحللين السياسيين أن موقع السودان الاستراتيجي والجيوسياسي مهيأ للعب دور فاعل ومفصلي في دول المنطقة بل هو الطريق الأمثل لفتح الأبواب على مصراعيها لتنفيذ سيناريوهات وخطط استعمارية لمشاريع مستقبلية في العالم العربي قاطبة في ظل هكذا مشهد سياسي خانق وضغوط دولية وأممية وغليان جماهيري، وتعنت واستبداد عسكري مستفز .. هل يا ترى: في ظل هكذا أحداث أن يتنازل العسكر أم أن القادم هو الأسوأ؟! أخشى ما أخشاه أن يتحول السودان إلى أفغنة أو بلقنة جديدة، وهذا بسبب العرقيات والطوائف المتعددة والأحزاب المتصارعة على السلطة وهذا ما تسعى إليه القوى الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا ودولة الكيان الصهيوني الكل يريد أن يلعب دوراً جيوسياسياً لتغيير بوصلة السودان نحو أجندة وسيناريوهات مرسومة بدقة فائقة وصولاً إلى منابع النفط في جنوب السودان، والبحر الأحمر قريباً لهذا وذاك لابد لكل القوى الوطنية، والمكونات السياسية والفكرية والأيديولوجية والمنظمات المدنية الرجوع إلى تحكيم العقل والمنطق والجلوس إلى طاولة المفاوضات قبل فوات الأوان، وتفويت الفرصة على العملاء والمرتزقة، والقوى الخارجية التي تسعى إلى تقسيم السودان.. فلابد من توحيد الصف الوطني، والخروج برؤية توافقية ترضي جميع الأطراف، والدعوة إلى انتخابات عاجلة حرة ونزيهة وصناديق الاقتراع هي المحك الحقيقي والفيصل، وليس رصاص البنادق لتفويت الفرصة على أعداء السودان أياً كانوا عرباً أم عجماً!! كلمات مضيئة: على كافة القوى السياسية والوطنية والفكرية والحزبية في السودان أن يدركوا آثار انفصال الجنوب عن الشمال، هناك سيناريوهات خارجية خطيرة تشكل خطراً على النسيج الاجتماعي، إضافة إلى الآثار الاجتماعية والنفسية المترتبة عن ذلك وهناك نخب وتحالفات مع دوائر أفريقية وغربية، وربما صهيونية قد تهدد الوحدة الوطنية، والهوية السودانية وهذا ما تسعى إليه دويلة الكيان الإسرائيلي حتى يصبح جنوب السودان خصماً وعدواً لدوداً لأمن واستقرار شمال السودان بل المنطقة برمتها .. وهذا ما تهدف إليه كذلك القوى الإقليمية والدولية رسم خارطة شرق أوسطية جديدة في المنطقة أفيقوا يا أهل السودان الشقيق من سباتكم العميق، السودان لم ولن يكون إلا بتحقيق وحدته الوطنية الكاملة والمستدامة دون تحقيق اندماج شامل وكامل بين شعب الشمال، وشعب الجنوب سيظل السودان مقصوص الجناح، لا يستطيع الطيران نحو الأمام، وهذا ما تهدف إليه القوى الاستعمارية الكبرى بقيادة الشيطان الأكبر الولاياتالمتحدةالأمريكية وأزلامها، رسم خارطة جديدة للمنطقة من الفرات إلى النيل!!