في ظل الأزمات السياسية والتحديات الاقتصادية والتدخلات الخارجية التي تواجهها الكثير من دول المنطقة جعلتها جاثمة على قنابل موقوتة قد تنفجر بين عشية أو ضحاها في أية لحظة, وتقود المنطقة إلى حرب إقليمية عارمة ودامية حيث لوحظ أن ثمة تراجعاً كبيراً على كافة المستويات عن واقع ومستقبل الحكم الرشيد الذي أصبح غائباً في تلك الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج, وهذا ما أدى إلى دخول الحياة السياسية في نفق مظلم وقاتم.. هناك سؤال يطرح ويفرض نفسه: أين موقع الحكم الرشيد الضائع في ظل الصراعات السياسية والحزبية والأيديولوجية وفي غياب نخبة من أعلام الفكر والسياسة والباحثين المختصين في هذا الشأن..؟! المتأمل في المشهد السياسي العربي اليوم يجد أن الحكم الرشيد مازال غائباً كلياً في كثير من الدول العربية والكل يقف على مفترق الطرق نتيجة التعنت والتعصب الأيديولوجي والمذهبي الذي قاد تلك الدول والشعوب إلى حافة التمزق والاحتراب والاقتتال.. لذا لابد أن نعترف أن هناك أزمة عامة على مستوى الأنظمة العربية كافة بل على مستوى العلاقة بين الحاكم والمحكوم, وهذا ما أدى إلى خلل في التوازن الاجتماعي والثقافي, وإلى تمزيق أواصر الوحدة الوطنية, وشيوع ثقافة التحكمية المتسلطة.. لذا ينبغي علينا أن ننظر إلى تلك الأزمات بعين ثاقبة, وفكر حصيف دون مهادنة أو مداهنة وصولاً إلى السيادة والاعتراف الدولي والأممي، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية, ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية.. فإن معظم الأزمات التي تمر بها دول المنطقة هي إفرازات لواقع متأزم لم تترسخ فيه بعد ثقافة التبادل السلمي للسلطة, وتبادل الحوار الجاد المسؤول بين الأطراف المتصارعة لهذا كان لابد من إيجاد تشريعات دستورية وقانونية لتنظيم الممارسات والدورات الانتخابية الرئاسية والنيابية والمحلية, واتساع دائرة بنية نشاط منظمات المجتمع المدني, والتي تمثل حالة المخاض العسير بولادة الحكم الرشيد وهنا يكون المولود بمثابة الحل الأمثل والأفضل لصياغة رؤية سياسية موحدة تتباين فيها رؤى النخب السياسية مهما تباينت أنماطها ورؤاها في نظم ملكية أو جمهورية المهم أن تكون النخب المرشحة مؤهلة ونزيهة وقادرة على العطاء والإبداع وليس على قاعدة الولاء أو القرابة وفي ضوء ذلك لابد من إجراء حوار جاد ومسؤول يشمل كافة أطراف المعارضة والمثقفين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني لإعادة صياغة بنود الحكم الرشيد بصورة تكفل توسيع أطر المشاركة السياسية فلا الطريق يغني عن العربة ولا معنى للعربة بغير الطريق.. صفوة القول: لذا لابد من توحيد الرؤى وإجراء الحوار الوطني المسؤول مع كافة الأطراف ذات العلاقة بعيداً عن الولاءات الضيقة والتقليدية فوجودها يشير إلى خلل ما في شرعية الدولة العربية المعاصرة, ومن هنا ندرك أن أزمة الدولة العربية تتعدى نظامها السياسي إلى نمط علاقاتها الاجتماعية القائمة على ثقافة تسلطية أبوية عتيقة, فالمصير الذي آلت إليه الكثير من دول المنطقة كما جرى في لبنان والسودان وليبيا والعراق وسوريا هي بسبب الخلافات والصراعات العرقية والمذهبية والجهوية والطائفية, وقس على ذلك وهذا ما أدى إلى فتح الباب على مصراعيه للتدخل الإقليمي والدولي في شؤون دول المنطقة. خلاصة الخلاصة: الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لعبت دوراً كبيراً في انهيار منظومة القيم والمبادئ والأخلاق لدى تلك الشعوب والمجتمعات وهذا يعني أن كثيراً من شباب تلك الدول عاطلون ولديهم تصورات متشائمة حول مستقبل حياتهم وهذا ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى حرب إقليمية دامية تهلك الحرث والنسل. لهذا أو ذاك لابد من وضع معايير تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم, وتتمتع بمنظومة قيم ومبادئ وأخلاق دينية وثقافية تحدد سلوك وأنماط الدولة داخلياً وخارجياً تتمثل في تحقيق المشاريع التنموية المستدامة والعدالة في توزيع الثروة والسلطة وعدم تجاهل الحقوق الشرعية للفقراء والضعفاء, وعدم الاكتراث بمآسيهم وآلامهم وإعطاء كل ذي حق حقه، بقدر العطاء يكون الوفاء..!! ما تخشاه أمريكا وحلفاؤها اليوم هو ظهور الإسلام السياسي على سدة الحكم, ولذلك تعمل بكل قواها وإمكاناتها للحيلولة دون وصول هذه الحركات إلى سدة الحكم وهذا ما تهدف إليه أمريكا وحلفاؤها فالكيان الصهيوني يلعب الآن في الوقت الضائع وثمة قناعة أخرى لدى النخبة السياسية الصهيونية بأنه لا سبيل إلى العودة للخيارات القديمة ولا تنازل عن القدس ولا لمشروع الكونفدرالية بين الفلسطينيين والأردن آخر المطاف لا يبدو في الأفق بصيص أمل في تحقيق حل عادل للقضية وسيظل التوتر والعنف سيد الموقف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ويبقى صمود الشعب الفلسطيني البطولي أزلياً سرمدياً حتى يرجع الحق إلى أصحابه رغم ضخامة وكلفة الفاتورة الباهظة التي يدفعها الفلسطينيون!!