الله أكبر.. ما كبر المؤمن وصلى لله وصام وزكى وحج واعتمر، الله أكبر.. ما انتصر الحق وظهر، وأندحر الباطل وتبخر، الله أكبر.. ما اعتصم المؤمن بحبل مولاه وذكر ورضي بما قضى الله، وقدر الحمد لله الذي جعل بيته العتيق قبلة للطائعين، ومأوى لأفئدة الموحدين ففي هذا اليوم يوم عرفة الذي هو من الأيام التي أقسم الله بها والعظيم لا يقسم إلا بعظيم- فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) ... عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة) رواه الترمذي. ويوم عرفة هو الوتر الذي أقسم الله به في قوله: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة.. أما صيام هذا اليوم فإنه يكفّر عن سنتين، فقد ورد عن أبي قتادة -رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والسنة القابلة) رواه مسلم. وهذا إنما يستحب لغير الحاج، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة فعليه التفرغ للدعاء والعبادة وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.. أما يوم عيد الأضحى فانه يوم بركة وإحسان وزيارة الأرحام ويوم تواصل ومودة وهوأفضل أيام العام، فقد أقسم الله تعالى بفجره فقال سبحانه: (وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ) وفيه قال عليه وآله الصلاة والسلام: ((أفضل الأيام عند الله يوم النحر)) وهو آخر أيام العشر التي أقسم الله بها، وهو يوم الحج الأكبر ويوم عيد الأضحى المبارك أنه يوم للتضحية والإيمان، يوم الفداء والقربان.. أيام الأعياد في الإسلام شرعت لتأليف القلوب وللتراحم والتكافل، ولصلة الأرحام، فنبينا عليه وآله الصلاة والسلام كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة، ثم يخطب، وقد ينبه إلى الإحسان قائلاً: (تصدقوا، تصدقوا، تصدقوا)، ونحن نعلم أن التطوعات منها ما هو مقصور النفع على فاعله، كنوافل الصلاة والصيام والحج والعمرة. ومنها ما يتعدى نفعه إلى الغير، كسائر الأعمال الخيرية. والعمل الذي فيه نفع للغير هو أفضل وأنفع وأزكى وأطهر. أخي المسلم ونحن في الأيام الأخيرة من أحب الأيام إلى الله سبحانه وتعالى وأفضل أيام الدنيا التي أخرها خيار الخيار وثمرة العشر اليانعة وهو يوم عرفة ثم يوم النحر. ويوم الحج الأكبر. والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام من توفرت لديه القدرة من المال الكافي لذهابه وإيابه وحاجته وكفاية أهله من ذهابه عنهم إلى أن يعود إليهم وصافي من الديون فهذا يستطيع لا يجوز له تأخير الحج أما من لم يتوفر له ذلك فليس عليه شيء لأن الله تعالى يقول في سورة آل عمران ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (97) ,والحج من أفضل الأعمال عند الله بعد الإيمان والجهاد، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( إيمان بالله ورسوله) قيل ثم ماذا؟ قال ( الجهاد في سبيل الله) وقيل ثم ماذا؟ قال: ( حج مبرور)متفق عليه، والإنسان في حياته يقترف ذنوباً فتكون هذه الذنوب بمثابة سوراً وحاجزاً تمنع وصوله إلى رضوان الله ، وتحجبه عن طريق الخير والحج يهدم هذا السور السيئ ويجعل العبد يتخطاه فيسلك طريق الخير ويصل إلى رضوان الله تعالى الذي نهايته وغايته جنات عدنٍ بإذن الله تعالى. حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص (أما علمت يا عمرو إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وان الحج يهدم ما كان قبله) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم (من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه البخاري ومسلم. بالحج تحل البركة وينزل الخير ويستجلب الإنسان رحمة الله وفضله الواسع في الدنيا قبل الآخرة. قال صلى الله عليه وسلم (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكبر خبث الحديد والذهب والفضة) رواه النسائي ومن خرج من بيته إلى الحج فركب سيارة فما تتحرك إطارات تلك المركبة التي عليها الحاج إلا كتب له بكل حركة حسنة ورفع له درجة وحطت عنه خطيئة هذا قياساً على قوله صلى الله عليه وسلم : ( من جاء يؤم البيت الحرام فركب بعيره فما يرفع البعير خفاً ولا يضع خفاً إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة) أخرجه البيهقي عن أبي هريرة، وما لبى الملبي من الميقات ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك- إن الحمد والنعمة لك والملك – لا شريك لك) إلا لبى معه كل جماد وحي ما عدا الثقلان وكل جماد يلبي يسمعه من وراءه فيلبي فيسمعه من وراءه فيلبي وهكذا حتى يصل صوته فيتردد إلى طرف الأرض شرقاً والى طرف الأرض غرباً- ثم تأتي هذه الجمادات فتشهد له يوم القيامة بأنه لبى الله تعالى وحج بيته. قال صلى الله عليه وسلم ( ما من ملبٍ يلبي إلا لبي ما عن يمنيه وشماله من حجر أو شجر ومدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا عن يمنيه وشماله) أخرجه الترمذي.. فإذا أستلم الحاج الركنين حطت عنه خطاياه لقوله صلى الله عليه وسلم (إن استلامهما يحط الخطايا) رواه أحمد والترمذي عن ابن عمر، والركنين (الحجر الأسود والركن اليماني- قال صلى الله عليه وسلم (يبعث الله الحجر الأسود، والركن اليماني) يوم القيامة ولهما عينان ولسانان وشفتان يشهدان لمن استلمهما بالوفاء) وفي رواية (لمن استلمهما بحق) عن ابن عباس الحجاج والمعتمرون هم وفُد الله وضيوفه ,ولكنهم ضيوف نزلوا عند أكرم الأكرمين وأجود الأجودين, من خزائنه لا تنفذ أبداً, انه الغني الكريم جل جلاله, وليست ضيافة مفاجئة ,بل هي دعوة من الله أجابوها ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27) ,وقال صلى الله عليه وسلم(الحجاج والعمار وفدا لله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم) رواه البزار عن جابر بن عبد الله بإسناد جيد, والنفقة في الحج تُضاعف، جاء في الحديث عن بريده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله الدرهم بسبعمائة ضعف)رواه أحمد. ويشترط في النفقة أن تكون من مالٍ حلالٍ طيب ومن كسب حلال لأن الله طيبُ لا يقبل إلا طيباً جاء في الحديث (من حج من مالٍ حرام فقال لبيك- ناداه منادٍ من السماء لا لبيك ولا سعديك كسبك حرام وزادك حرام) أخرجه البزاز. إذا حججت بمالٍ أصله دنسٍ فما حججت ولكن حجت العير لا يقبل الله إلا كل طيبةٍ ما كل من حج بيت الله مبرور والحج من أداه بكل أركانه، خاشعاً خاضعاً متذللاً داعياً باكياً متحرياً للحلال في كل شيء يطعم الطعام ويطيب الكلام، لا يرفث ولا يفسق، ولا يصخب فإن شاء الله حجه مبرور وعمله مقبول وسعيه مشكور وتجارته مع الله رابحة لا تبور، قال صلى الله عليه وآله وسلم (الحج المبرور ليس له جزاءً إلا الجنة) وأهل الموقف من عرفات ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيطلع عليهم وينادي ملائكته: - فيقول سبحانه جل جلاله أنظروا عبادي شعثاً غبراً، أشهدوا أني قد غفرت لهم. ومن كرم الله تعالى أنه يأجر الحجاج ومن يدعي الحاج له من أقربائه أومن أوصاه بالدعاء، عن أبي رافع قال: كان رسول الله صلى عليه وآله وسلم إذا ضحى أشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما وهو في مصلاه فذبحه ثم قال "اللهم عن أمتي جميعًا، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ" رواه الطبراني عن جابر رضي الله عنه، وعن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وأله وسلم "ان النبي صلى الله عليه واله وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عنه وعن أهل بيته والآخر عنه وعمن لم يضحُ من أمته" رواه ابن ماجه والطبراني. قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج) أخرجه البزاز وأبن خز يمه نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشركنا في صالح دعائهم وأن يبلغنا حج بيته الحرام وأن يوفق من ذهب للحج هذا العام أن يؤدوا جميع المناسك وهم في خير وسلام.