مع انطلاق الشرارة الأولى لمعارك المواجهات العسكرية الدامية التي شهدتها مدينة السويداء السورية منذ مطلع الأسبوع المنصرم دخل المخطط الأمريكي الصهيوني الغربي الهادف إلى تمزيق سوريا وفق أسس طائفية حيز التنفيذ الفعلي على أرض الميدان وبغض النظر عن تفاصيل الوقائع والأحداث وما آلت إليه يبقى السؤال المهم .. ماذا بعد .. وإلى أين يمكن أن يمضي المخطط خلال الأيام والأشهر القادمة؟! المزيد من تفاصيل مضمون المخطط وأهدافه ووجهة العدو القادمة واستراتيجيته والأدوار التي يمكن أن تلعبها أدواته في سياق هذه القراءة الاستشرافية والمقاربة التحليلية: محمد الزعكري منذ ما قبل إسقاط نظام بشار الأسد والهدف الأمريكي الصهيوني الغربي واضح وهو هدف إسقاط سوريا بين أنياب الأطماع الصهيونية وفتح أبوابها حرفيا لتمزيقها طولا وعرضا وإخضاع الشعب السوري بالإرهاب لتمرير واحتضان تلك الأطماع والأجندة الصهيونية. وفي هذا السياق لم يكن الجولاني وعصاباته سوى أدوات لتنفيذ المخطط ولعل استهداف الاحتلال الإسرائيلي للقدرات العسكرية السورية خلال المرحلة الأولى من مراحل تنفيذ المخطط والمتمثلة بإسقاط نظام بشار الأسد خير دليل على ذلك . كما أن الاستهدافات الإسرائيلية لقوى وشخصيات عسكرية بعينها منذ تنصيبه يأتي في سياق إعادة الهيكلة وإزاحة وإخضاع كل القوى للجولاني ومليشياته المسعورة التي أبدت منذ اللحظة الأولى لفرض سيطرتها واستلامها لمقاليد الحكم الالتزام والانضباط المثالي وعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها الاحتلال الصهيوني بالحديد والنار والتسليح المباشر للكيانات التي يرعاها من السويداء إلى المناطق الكردية . ومنذ ظهوره وظهور عصاباته عمل الجولاني ولا يزال يعمل على تنفيذ المخطط الأمريكي الصهيوني الهادف إلى تمزيق سوريا وتهيئة البيئة المواتية لاحتلالها من قبل العدو الصهيوني وفي هذا السياق تأتي شماعة المعارك التي تخوضها عصابات الجولاني لاجتثاث الفصائل المعارضة تحت مبرر ارتمائها في حضن الصهيوني وطلبها لدعمه ومساندته .. في صورة ساخرة وهزلية وفاضحة لحقيقة صفقات ومقايضات الجولاني المهينة مع الصهيوني مقابل التخادم وتسليم سوريا للأخير . وفي محاولة تغطية وذر للرماد على العيون تأتي تصريحات الجولاني وتحركات عصاباته العسكرية الأخيرة بالتوازي مع مشهد تصريحات وتحركات الكيان الصهيوني العسكرية تحت مبرر الدعم والمساندة للدروز الذي تجلت أبرز مظاهر الدعم الصهيوني المظلل والمستخف بالعقل العربي في قصف وتدمير واستهداف ما تبقى من قدرات وقيادات الجيش السوري على مرأى ومسمع الجولاني وحكومة أردوغان. والحقيقة أن الوديعة الصهيونية المتمثلة بالجولاني الذي تم تنصيبه رئيسا لسوريا وتلميعه كمنقذ لها لم يأت بجديد غير تكريس سياسته المعتاده في إقصاء الخصوم بعد إسقاط الدولة السورية وتشكيل نظام يتربع على أهم مفاصله الأمنية والعسكرية عناصر إرهابية من الأجانب لضمان سيطرته وتحييد أي توازنات أو قوى أو شخصيات سورية قد يدفعها التوجه المستفز لو وبوقاحة في التخادم وتمرير الأجندة الصهيونية إلى تحريك شيئا من الوطنية فيها بما يهدد خروج الوضع عن سيطرته أو يهدد حياته وسلطته ويعيق مهمته. ومنذ لحظة تنصيبه وحتى اليوم كانت ولا تزال تصرفات وتصريحات وسياسات ومواقف الجولاني تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه صنيعة استخباراتية صهيونية بامتياز تم تنشئتها في حضن تركي بدعم وتمويل سعودي وتضخيم إعلامي قطري حتى على حساب الفصائل الكبرى التي تصدرت المشهد كقوى تحمل مشروع تغيير ودولة وانتهى بها الأمر خارج اللعبة والسلطة والحضور بشكل كامل وغير مسموح لها بالوجود خارج دور كتائب مرتزقة ضمن النطاق المسموح به إسرائيليا لعمليات الجيش التركي كمجاملة ترضية لأردوغان للعب بها في سياق دراما دموية لا تتجاوز سقف التسلية والإلهاء والاستحمار للداخل التركي حتى يأتي دور تركيا التي أسقطت الدولة السورية وتشاهد الصهيوني يمزقها طولا وعرضا ويرسم حدود وحركة ومصالح تركيا فيها دون أدنى مقاومة أو اعتراض وهو يعلم أن تمزيق سوريا هو الزلزال الذي سيمزق تركيا المفخخة بأزمات دمار ذاتي وابتزاز مذل ويكشف ظهرها لتهديدات وجودية. بالمقابل يرى متابعون أن الساحة السورية قد شهدت فصلًا جديدًا من استراتيجية المناطق العازلة الإسرائيلية إثر الانهيار المفاجئ لنظام بشار الأسد أواخر عام 2024 وصعود جماعات مسلحة إلى سدة الحكم في دمشق بقيادة أحمد الشرع (المعروف بخلفيته الجهادية). فمنذ الساعات الأولى لسقوط النظام في ديسمبر، لم تهدأ الماكينة العسكرية الإسرائيلية؛ إذ شنّت مقاتلات الاحتلال عشرات الغارات في عمق الأراضي السورية خاصة في الجنوب ومحيط دمشق، مستهدفة مواقع عسكرية حساسة بدعوى الخشية من وقوعها في أيدي "جهات معادية". وبالتوازي، نفذت قوات الاحتلال عمليات توغل بري عديدة عبر خط وقف إطلاق النار في الجولان. تجاوزت دبابات وجرافات العدو السياج الشائك لتتوغل في الشريط المحرّم (المنطقة العازلة المنصوص عليها باتفاق فض الاشتباك لعام 1974) وصولًا إلى تخوم القنيطرة وجبل الشيخ، حيث باشرت إنشاء تحصينات وسواتر جديدة بذريعة إقامة منطقة عازلة تفصل بين الأراضي السورية وهضبة الجولان المحتلة. بهذه التحركات أحادية الجانب، ألغى الاحتلال فعليًا اتفاق فصل القوات لعام 1974 الذي كرّس تلك المنطقة منزوعة السلاح تحت رقابة قوات الأممالمتحدة لمدة نصف قرن تقريبًا. وبرّر قادة الاحتلال خطواتهم التصعيدية بأن النظام السوري الجديد غير موثوق كونه مكوّن من جماعات "إرهابية". فقد وصف وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف غالانت في حكومة نتنياهو حينها) الرئيسَ السوري المؤقت أحمد الشرع بأنه "إرهابي جهادي من مدرسة القاعدة" متهمًا إياه بارتكاب فظائع ضد المدنيين، في إشارة واضحة إلى نوايا تل أبيب التعامل مع السلطة الناشئة في دمشق بمنطق أمني بحت لا مكان فيه للتواصل الدبلوماسي. ومضى مسؤولون إسرائيليون إلى التحريض دوليًا على الحكومة السورية الجديدة، مدعين أنها تفتح أراضيها لإيران ووكلائها، ومطالبين بضمانات صارمة قبل أي حديث عن تطبيع أو تهدئة على الجبهة السورية. في غضون ذلك، استغل الكيان الصهيوني حالة الفراغ والارتباك في سوريا ليوسّع ضرباته النوعية. فخلال ربيع 2025 وحده، دمرت غارات جوية إسرائيلية بطاريات دفاع جوي ومستودعات صواريخ أرض-جو في ريف دمشق ودرعا وحماة، ضمن استراتيجية أوسع – وصفها مراقبون بأنها "سلام بالقوة" – هدفها إخضاع القيادة الجديدة في دمشق وفرض واقع أمني سياسي يتناسب مع مصالح الاحتلال. وتبدو النتيجة اليوم أن الاحتلال نجح في اقتطاع منطقة نفوذ عازلة في جنوبسوريا أيضًا، مستفيدًا من هشاشة الوضع الداخلي هناك. فبينما تنشغل الإدارة السورية الانتقالية بتثبيت حكمها ومواجهة الفصائل المناوئة، يكرس جيش الاحتلال قواعد اشتباك جديدة على حدود الجولان وغيرها : لا تواجد لقوات معادية قرب الحدود، سماح ضمني لفصائل محلية غير معادية لإسرائيل بالسيطرة، واستباحة مطلقة للأجواء السورية لضرب أي هدف مشبوه من دمشق حتى الحدود الأردنية. هذا الواقع يضع سوريا أمام معضلة أمنية وسيادية خطيرة؛ فإما الرضوخ للإملاءات الإسرائيلية وتجرّع التطبيع القسري، أو المخاطرة بمواجهة عسكرية غير متكافئة في ظرف بالغ الصعوبة.