هُناك الكثير من اللغط والجدل الكبير المُثار على نطاق واسع، حول طبيعة وتأثير الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال سلوكها المشبوه في إثارة الأزمات والقلاقل والإضرابات في العديد من دول العالم المختلفة خلال المائة السنة المنصرمة تحديداً، ومنها بلا شك دول عربية وإسلامية كانت ولا تزال أمريكا سببًا رئيسيًا لزعزعة أمنها واستقرارها، وهذا ما أوضحه اجمالاً الكاتب والباحث سعد شاكر شبلي في موضوع له بهذا الخصوص نُشِر مُؤخراً تحت عنوان (نظرة على السلوك الأمريكي في إثارة الأزمات في العالم)، يقول شبلي: "يُثار الجدل حول دور الولاياتالمتحدةالأمريكية في إثارة الأزمات العالمية، منذ منتصف القرن العشرين وبنهاية الحرب العالمية الثانية 1945م، أصبحت قوة عالمية تتمتع بثروة وازدهار لم تعرفها دولة أخرى، ووصلت إلى أعلى مراتب القوة ، ووسعت من مصالحها وتأثيرها إلى ما هو أبعد كثيراً من حدودها"، ويبين شبلي أكثر طبيعة وشكل الدور والسلوك الأمريكي في العالم وتجاذباته وتأثيراته العديدة المتداخلة والمتواصلة قائلاً: "فالتجارة الأمريكية بالسفن والطائرات كانت تصل إلى أبعد المدن، والدولار الأمريكي أصبح مقياس العملات العالمية، والبنوك والاستثمارات الأمريكية أصبحت في كل مكان، والأغذية والملابس والأفلام السينمائية والآلات الأمريكية أصبحت مُنتشرة في العالم، والمساعدات الاقتصادية والقواعد العسكرية الأمريكية أصبحت في أماكن كثيرة من العالم وبشكل غير مسبوق، من قوة عالمية أخرى" . وتأسيسًا على ما تقدم ذكره فأن (خروج الولاياتالمتحدةالأمريكية) بحسب شبلي: "ارتبط من الحرب العالمية الثانية، كقوة عظمى باختلال توزيع القوة عالميًا، أو بإعادة هيكلة توزيع القوة، حيث أصبحت أمريكا مُسيطرة على القوة الأسيوية الأكبر (اليابان)، بينما كان الإتحاد السوفياتي السابق في مرحلة بناء القوة الاقتصادية ودخلت الدول المُستَعمَرة (بفتح الميم الثانية) في مرحلة فراغ قوة"، وهذا يعني وفقًا لنفس الكاتب المذكور "إن قوة الولاياتالمتحدةالأمريكية ارتبطت بضعف القوى الخارجية، غير أن ذلك الضعف لا يخلق وحده قوة عظمى، فعناصر القوة الأمريكية عناصر داخلية بالأساس، ثم جاء انهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991م، أو ما عُرف بالمعسكر الشرقي الشيوعي الذي كان يضم دول شرق أوروبا وغيرها من دول العالم الأخرى التي اعتمدت النظام الاشتراكي حينها، ليسمح للولايات المتحدةالأمريكية لتصبح القوة العظمى الوحيدة في العالم وآخر الإمبراطوريات، ثم باتت بنهاية القرن العشرين (الذي جرى تسميته اصطلاحًا ب"القرن الأمريكي، في إشارة إلى تفرد أمريكا بالسيطرة على العالم وفرض هيمنتها عليه في ظل نظام أحادي القطب)، وفي ظل هكذا أجواء وأوضاع كانت سائدة، ولا تزال، تمكنت أمريكا وبسهولة من أن تستحوذ منفردة على قوة عسكرية واقتصادية وثقافية لا تُدانيها قوة أخرى في العالم، وبصورة غير مسبوقة في التاريخ السياسي والإنساني للبشرية، وتتحكم في ظل نظام أحادي القطب بمصير العالم شرقه وغربه، وتسرح وتمرح فيه كما تشاء، وتغزو هذه الدولة وتسقط نظامها، وتتدخل في شؤون ذلك البلد بحجج واهية تروج لها مسبقًا وتسوقها لتقنع بها الرأي العام في الداخل والخارج من أجل خدمة أجندتها ومصالحها الخاصة . وطبقًا لما ذكره شبلي في اطروحته الخاصة بالسلوك الأمريكي في العالم والجدل المُثار حوله، فإن من المُلاحظ: "من خلال تتبع السياسة الخارجية الأمريكية بصورة عامة، بأنها سياسة تهدف إلى زعزعة استقرار العديد من دول العالم الأخرى، خاصة تلك التي لا تدور في فلكها، على الرغم من الرأي القائل: بأن تدخل أمريكا في بعض الأزمات ضروري لحفظ السلام والأمن الدوليين"، وهذا برأيي زعم لا أساس له من الصحة والأهم ليس له ما يدعمه ويُؤيده من الواقع المعاش، فأمريكا ما كانت ولن تكون حريصة على أمن واستقرار بلد من البلدان، ولا يمكن أن تكون مصدر خير ورخاء لأي شعب، ولا يهمها أحد في هذا العالم إلا مصالحها أولاً وأخيراً . كذلك فبحسب ما تناوله الكاتب شبلي أيضًا بشأن سلوك أمريكا الشاذ والمشبوه في زعزعة أمن واستقرار العالم، وجاء متطابقًا مع تناولات مماثلة لكتاب وآراء من محللين سياسيين، فإنه يمكن تأكيد السياسة الخارجية التي انتهجتها أمريكا كقوة عظمى وإمبراطورية استعمارية غربية كاسحة وغاشمة في نفس الوقت، من خلال مجموعة من الأبعاد، لعل من أهمها: "التاريخ"، حيث لعبت الولاياتالمتحدةالأمريكية دوراً مباشراً أو غير مباشر في العديد من الأزمات العالمية خلال تاريخها الممتد على مدى 250 عامًا منذ انشائها، مثل حرب فيتنام، وحرب الخليج الأولى والثانية، واحتلال الصومال وافغانستان والعراق والأزمة الأوكرانية . وحول النقطة المتعلقة بسياستها الخارجية، سنلاحظ أن أمريكا تدعي بأنها تتبع سياسة خارجية قائمة على مبادئ "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" وما تُسميه واشنطن دومًا "مكافحة الإرهاب"، وهذه المزاعم تنسجم مع طبيعة السلوك الأمريكي الغير سوي في استهداف أمن واستقرار بلدان ودول ذات سيادة متى قررت واشنطن ذلك، ورأت أن بعض من تلك الدول والبلدان بدأت تتمرد عليها وتشكل خطراً على مصالحها وتهديداً مباشراً لها، وقد عاني العالم ولا يزال الكثير جراء سياسة أمريكا الرعناء المرتكزة على الإستكبار وحب النفوذ والسيطرة، واستهداف المناوئين لهم وتصنيفهم ضمن قائمتها الخاصة ب" الإرهاب والإرهابيين" وفرض عقوبات عليهم سواء كانوا دول أو أفراد أو جماعات أو حتى شركات، بمعنى أن أمريكا تتعامل مع أي دولة في العالم لا تكون معها وتدور في فلكها بإعتبارها عدو وتشكل خطراً وتهديداً لمصالحها، وهذا ما يحتم عليها القيام ضدها بعملية استباقية، وهو ما فعلته مع عدة دول وبلدان ضمن استراتيجيتها المعروفة "من لم يكن معنا فهو ضدنا" . ...... يتبع ......