منذ انتخابها -عام 2022- مقررةً أمميةً معنيةً بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة أثبتت المحامية الدولية والباحثة الأكاديمية الإيطالية (فرانشيسكا ألبانيز) تسلحها بمبدئية خيالية وجدارتها المطلقة بالثقة، ولم تألُ جهدًا -منذ بداية معركة «الطوفان» وحتى الآن- عن التصدي بجدية لما يرتكب في «قطاع غزة» من مجازر إبادية، مستخفةً بكل ما تتعرض له من ممارسات تهديدية. مواقف حازمة ضد الحرب الظالمة لا شكٍّ أنَّ اتسام (ألبانيز) بضميرٍ حي وكفاءةٍ في الاضطلاع بالعمل ذي الطابع الأممي قد مكناها -بشكلٍ دائم وبإتقانٍ أذهل العالم- من متابعة ورصد وتوثيق كل ما يرتكبه الصهاينة في عموم الأرض المحتلة من جرائم، وقد تجسد هذا المعنى في ختام تقرير وكالة «الأناضول» الإخباري المعنون [ألبانيز تعليقًا على استهدافها بعقوبات أمريكية: ترهيب مافياوي] الذي نشرته في ال10 من يوليو الفائت بما يلي: (ومنذ أكتوبر 2023 أصدرت «ألبانيز» عدة تقارير وثقت فيها الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة، واعتبرت في أكثر من مناسبة الهجمات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية "إبادة جماعية". وفي أحدث تقاريرها الصادر الشهر الجاري، اتهمت أكثر من 60 شركة عالمية -بينها شركات أسلحة وتكنولوجيا معروفة- بدعم الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة والمستوطنات في الضفة الغربية). ولم تفتها الإشارة إلى تعرض الفلسطينيين -منذ عقود- لانتهاكات ليس لها حدود، وليس أدل على ذلك من ردِّها على سؤال ضمن حوار لها مع «المصري اليوم» نشر في ال24 من يوليو قائلةً: (غزة لم تكن يومًا مكانًا طبيعيًا للعيش منذ عام 1948، وهي «جيتو» للاجئين الفلسطينيين، واليوم تحوّلت بالكامل إلى معسكر اعتقال بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فالناس هناك يُبادون، ويُجوَّعون، ويُقصفون، ويُحرقون أحياء، ويُعذّبون بكل الوسائل الممكنة). عدم الاكتراث بإرهاب مافيا «ترامب» الحقيقة أنَّ «فرانشيسكا» -في ضوء ما صدر عنها من تقارير- تتمتع بشجاعة منقطعة النظير، وما من شكٍّ أنَّ تلك الشجاعة النادرة وراء وقوفها أمام العقوبات الترامبية بكل جسارة، بل إنَّ استخفافها بهذه الإجراءات البالغة الحقارة حملها على اعتبارها -بنبرةٍ قوية- ممارسات مافياوية، وذلك ما سوَّغ ل«الأناضول» استهلال تقريرها الاستهلال التالي: (وصفت مقررة الأممالمتحدة المعنية بحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينيةالمحتلة «فرانشيسكا ألبانيز» -الخميس- ما فرض عليها من عقوبات أمريكية بأنه "ترهيب مافياوي". ففي أول ردٍّ لها على العقوبات الأمريكية بحقها، بدا أنَّ «ألبانيز» استخفت بالقرار، واصفةً إياه ب"ترهيب مافياوي". وكتبت في منشور على حساباتها في منصتي «إنستغرام» و«إكس»: "لا تعليق على أساليب الترهيب المافياوية، أنا منشغلة بتذكير الدول الأعضاء بالتزاماتها بوقف ومعاقبة الإبادة الجماعية، ومن يستفيد منها"). إنكار لل«أنا» جدير بالثناء من أكثر ما يلفت النظر في شخصية «فرانشيسكا ألبانيز» زهدها التام في ما يسعى إليه الخواص والعوام من الظهور عبر وسائل الإعلام، فقد اتسمت -في الحوار الذي أجراه معها موقع «المصري اليوم»- بإنكارٍ لل«أنا» جدير بالثناء، فكلما كان الصحفي يلقي عليها سؤالًا يتعلق بذاتها رفضت الحديث عن نفسها، مسلطة الضوء في كل حين على معاناة الفلسطينيين، وليس أدلّ على ذلك من ردِّها على سؤال يتعلق بدعمها لنيل جائزة نوبل بالقول: (أشعر بالحرج الشديد من أن ينصبّ هذا القدر من الاهتمام عليَّ بدلًا من أن يُسلّط على الفلسطينيين الذين يُقصفون ويُحاصرون ويُجوعون. لا يجب أن يكون التركيز عليَّ، ولا أن تُطلق الحملات للدفاع عني. بل يجب أن تُوجَّه هذه الجهود لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون، من الغرب ومن بقية العالم). وكذا ردّها على سؤال يتعلق بما تتعرض له من تهديدات بما هو آت: (لا أرغب في الحديث عن التهديدات التي أتعرض لها، لأنَّ تحويل الانتباه نحوي أمر غير عادل في ظل ما يواجهه الفلسطينيون. هناك أكثر من 60 ألف فلسطيني قُتلوا، بينهم 20 ألف طفل، والآلاف يعانون الجوع والدمار، فلا ينبغي أن ينصبّ التركيز عليَّ). مطالبة أنظمة النفط ببعض الضغط من الواضح أنَّ «فرانشيسكا ألبانيز» طالبت -في معرض دفاعها عن ضحايا العدوان الصهيوني المجرم- كافة الأنظمة الحاكمة في العالم بالاضطلاع بأدوار فردية وأدوار جماعية للحيلولة دون استمرار ما يرتكب في حقِّ أطفال وحرائر فلسطين -منذ حوالي سنتين- من «إبادة جماعية»، لكنها أشارت إلى إمكانية اضطلاع الدول الكبرى لا سيما العربية النفطية بلعب دور كبير من شأنه إحداث ما تتطلبه الأوضاع الكارثية في «قطاع غزة» وفي «الضفة الغربية» من تغيير، فقد قالت -في سياق ردِّها على السؤال المتعلق بخيارات دول الجوار لكسر ما هو مفروض على سكان «القطاع» من حصار-: (لكن ما هو مطلوب فعلًا، وسط استحالة كل الافتراضات، هو أن تستخدم الدول الأكثر نفوذًا في المنطقة، مثل السعودية والإمارات، سلطتها لتقول لإسرائيل بوضوح: «توقفوا فورًا عن القصف، أو سنقطع كل أشكال التعامل معكم ومع الولاياتالمتحدة»، هذا هو الموقف القادر على إحداث الكثير من التغيير).