الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع تحسناً طفيفاً وتدريجياً في درجات الحرارة    4 كوارث تنتظر برشلونة    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    الدولار الأمريكي يترنح في أسوأ أداء أسبوعي منذ شهور    قرقاش يدعو إلى تغليب الحوار والحلول المتزنة كأساس للاستقرار الإقليمي    إنجاز 5 آلاف معاملة في أسبوع.. كيف سهلت شرطة المرور إجراءات المواطنين؟    خبير طقس يتوقع ارتفاع الرطوبة ويستبعد حدوث الصقيع    ترميم عدد من الشوارع المحيطة بشركة ( يو)    قمة أفريقية..تونس ضد نيجيريا اليوم    من يحرك أدوات الامارات في حضرموت والفاشر    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الولايات المتحدة تعرب عن قلقها إزاء التطورات في جنوب شرق اليمن دون توجيه أي موقف عدائي للجنوب    ناطق التحالف: سنتعامل مع أي تحركات عسكرية للانتقالي تهدد خفض التصعيد    موقع إيطالي: اندلاع حرب غير مباشرة بين السعودية والإمارات في اليمن    ترامب يلتقي زيلينسكي غدا في فلوريدا    المغرب يتعثر أمام مالي في كأس أمم إفريقيا 2025    موقف صنعاء من تفاقم الصراع في حضرموت    لمن يريد تحرير صنعاء: الجنوب أتخذ قراره ولا تراجع عنه.. فدعوه وشأنه لتضمنوا دعمه    لماذا يفشل خطاب الوصاية أمام التاريخ الجنوبي؟    خطورة التحريض على القوات الأمنية في حضرموت    تجدد المعارك الطاحنة بين ادوات العدوان في حضرموت    الكيان يكشف سر الاعتراف بأرض الصومال    جُمعة رجب.. حين أشرق فجر اليمن الإيماني    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    العليمي يقدّم طلبًا للتحالف بشأن الأوضاع في حضرموت    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    الذهب يقفز لمستوى قياسي جديد    شاهد / حضور كبير لاحياء جمعة رجب في جامع الجند بتعز    السيّد القائد يحذر من تحركات "طاغوت العصر"    الرئيس المشاط يعزي عضو مجلس النواب علي الزنم في وفاة عمه    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    ندبة في الهواء    سوريا.. قتلى وجرحى في تفجير داخل مسجد في حمص    خلال يومين.. جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإعادة ووقف التعامل مع ثلاثة كيانات مصرفية    الصحفية والمذيعة الإعلامية القديرة زهور ناصر    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انهيار «الردع» الأمريكي.. كيف أسقط الابتكار اليمني أوهام الهيمنة التكنولوجية؟
نشر في 26 سبتمبر يوم 05 - 11 - 2025

منذ اندلاع المواجهة في البحر الأحمر، اتضح أن الكيان الإسرائيلي وداعمته الأساسية الولايات المتحدة الأمريكية، لا يواجهان فقط قوة عسكرية على الأرض، بل يواجهان منظومة متكاملة من الثبات والتحصين الفكري، تنطلق من الثقافة القرآنية؛ إذ أن الردع الأمريكي، الذي طالما رُوّج له بالتهويل والموازنات المهولة، قد انهار فعلياً، مما كشف عن الفشل الذريع في القدرة على تحقيق الهيمنة، الأمر الذي يسرّع من تآكل نظام القطب الأحادي عالمياً.
وفي هذا السياق، لم يعد الإخفاق الأمريكي يقتصر على تكبد الخسائر المادية، التي تجلت في استنزاف صواريخ الملايين أمام المُسيَّرات اليمنية زهيدة الكلفة، بل امتد ليصبح هزيمة استراتيجية سمحت لقوى مثل الصين وروسيا باستغلال الفراغ الجيوسياسي الذي خلقته واشنطن بقرارها المنفلت بدعم العدوان على غزة. ومن هنا، يدرك اليمن أن المعركة لا تُحسم بالتفوق التكنولوجي الباهظ وحده، بل بالإرادة القوية والابتكار المتجدد الذي أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي أنه مستمر لتجاوز كل التعقيدات والتقنيات التي يمتلكها العدو.
ولمواجهة الحرب النفسية والإعلامية التي تسعى لتفكيك المجتمع المقاوم، فإن الاستراتيجية المعتمَدة ترتكز على تثبيت مركزية القضية الفلسطينية كواجب وجودي وإيماني لا يقبل المساومة، ومن ثم لا ترى المقاومة في عملياتها مغامرة عسكرية، بل تجسيداً ل «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ»، وهذا الربط العقائدي يعزز الوعي النقدي لدى الجمهور، الذي بات قادراً على تفكيك زيف الرواية الغربية وفقاً لمبدأ التبيّن القرآني، مما يجعله محصّناً ضد محاولات ضرب الثقة أو تجريد العمل المقاوم من دوافعه الأخلاقية.
وهذا التحصين الداخلي يمنح المقاومة القوة المعنوية اللازمة لتحويل أي تهديد خارجي إلى عامل ثبات؛ إذ أن اليقين الإيماني لدى المقاومين يؤكد أن الهيمنة الأمريكية، رغم ضخامتها، ليست أبدية وهي مجرد «قشة» أمام الإرادة المستمدة من الحق، خاصة وأن العدوان الغربي لم يضف لنفسه شيئاً سوى السقوط في الدونيّة باستمراره في استهداف المدنيين ودعمه لحرب الإبادة في غزة.
اعتراف أمريكي صامت.. «كوبرا بول» وثيقة الإقرار بالفشل
لم تكن «استراتيجيات الردع» الأمريكية مجرد تكتيك عسكري، بل كانت منهجية للتهويل والتضخيم ترمي إلى تحقيق الهيمنة قبل الدخول في عمل عسكري مباشر. وقد اعتمدت واشنطن في ذلك على استعراض متناوب، يكشف أحياناً عن أسلحة تزعم أنها استثنائية وخارقة، ويعلن أحياناً أخرى عن تخصيص موازنة مهولة للجانب العسكري، بغرض إرهاب أي دولة تطمح لرفع رأسها أو تحدي الهيمنة. ولكن، شاء من سحرتهم هذه البهرجة الزائفة أم أبوا، فإن جولة استعراض القوة واختبارها خلال العامين الماضيين، وبشكل خاص في المواجهة مع اليمن، قد كشفت حقيقة هذه المنهجية، وأثبتت أن النظريات والدعايات وحدها لا تكفي للصمود أمام الإرادة المبتكرة.
في تحول دراماتيكي يُعد دليلاً دامغاً على عجز استراتيجيتها السابقة، أقدمت واشنطن مؤخراً على نشر طائرات استطلاع وتجسس متطورة من طراز «RC-135S»كوبرا بول" في منطقة الخليج العربي. وهي طائرات، حسب التعريف الأمريكي، تعمل بأنظمة استشعار عالية الدقة لرصد وتتبع المقذوفات الباليستية وتحليل بياناتها لحظة الإطلاق، وتُستخدم عادة في مهام الإنذار المبكر ومراقبة التجارب الصاروخية.
لقد حملت هذه الخطوة الأمريكية، ومن حيث لا تدري، مدلول الإقرار بأن نظام عملها السابق في مواجهة القوات اليمنية كان فاشلاً وعاجزاً عن تحقيق الردع. كما تعكس هذه الخطوة تنامي المخاوف من القدرات الصاروخية اليمنية، خاصة بعدما ظهر منها خلال عمليات الدعم والإسناد لغزة من قدرة على تسجيل نقاط وانتزاع شهادات من عُقر الدار الأمريكي، تؤكد أن ضخامة الرقم "الدولاري" لقيمة السلاح لا تعني امتلاك الورقة الرابحة لحسم المعركة.
معركة الابتكار المتجدد
في سياق التصعيد المستمر ضد اليمن، تُثبت أمريكا تفاقم حالة السذاجة المزمنة التي تعيشها، إذ تتصور أن هذا التحرك – الذي رافقه تسويق إعلامي لافت من قبل التائهين في الفَلَك الأمريكي- يمكن أن يرهب اليمنيين فيدفعهم لرفع راية الاستسلام. بيد أن الواقع الميداني يُجيب بتحدٍ، فاليمن، انطلاقاً من المبدأ القرآني "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل"، ووعياً منه بحاجة مواجهة غطرسة الأعداء، ذهب منذ العام 2015م للإعداد لحروب حديثة.
وقد ترجمت هذه القناعة عملياً بصواريخ متطورة وطائرات مُسيَّرة لم تفلح التقنية الأمريكية -بتاريخها الطويل- في رصدها واعتراضها، سواء وهي تضرب سفن سلطات الاحتلال والمتعاونين معها والأساطيل الأمريكية الغازية، أو تستهدف المواقع الحيوية في عمق الكيان الإسرائيلي. وفي هذا الصدد، يؤكد قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أن مسار المواجهة مع الأعداء "حوّل التحديات إلى فرص، وكان مساراً قائماً على الابتكار"، مشدداً على أن جزءاً من المعركة هو "معركة الابتكار المتجدد في تجاوز ما بحوزتهم من تقنيات وإمكانات".
ووفق هذا المنطق، فإن استقدام واشنطن لأي من أسلحتها الصدئة لن يغير من الأمر شيئاً، بل قد يزيد من سقوط أوراق التوت عن قدراتها. فرغم امتلاكها لأنواع من الأسلحة المتطورة جداً، ظهرت هذه الأسلحة في المعركة مع اليمن عبئاً ثقيلاً، لارتفاع ثمنها وفشلها في اعتراض السلاح اليمني. فالتصنيع العسكري اليمني نجح -بشكل ملحوظ أقرّ به كل العالم- في إيقاف مسيَّرات الأسطورة الأمريكية في التجسس عن استباحة الأجواء، والأسطورة البحرية حاملات الطائرات عن استباحة المياه العربية والهيمنة على البحر الأحمر.
براعة الابتكار وشواهد تراجع الاستكبار
لقد أظهرت المواجهة المباشرة في اليمن أن القدرات التجسسية والهجومية الأمريكية، التي كانت تُعد أساطير لا تُقهر، ليست سوى أوهام هشة أمام الإرادة والإبداع، لاسيما حيث تتضافر المؤشرات لتؤكد أن الدولة المارقة أمريكا تعيش حالة من التراجع في سياقات متعددة، لاسيما الجانب العسكري. وقد كشفت اعترافات قيادات عسكرية أمريكية سابقة وحالية الاهتراء الذي أصاب كثيراً من أسلحة البنتاجون، ناهيك عن فشلها الذريع في الابتكار، بدليل عجزها -حتى اليوم- عن صناعة الصاروخ الفرط صوتي.
ويشهد على هذا التدهور استمرار تساقط الطائرات التابعة للأسطول الأمريكي. إذ تناقلت المصادر الإعلامية مؤخراً حادثتي سقوط لطائرتين تابعتين لحاملة الطائرات الأمريكية "نيميتز" في بحر الصين الجنوبي، بفاصل زمني لا يتجاوز 30 دقيقة. وقبل ذلك، وفي مايو الماضي، تسببت الهجمات اليمنية في البحر الأحمر في إرباك حاملة الطائرات "هاري ترومان" التي فقدت بوْصلة حركتها، فتسببت بسقوط طائرتين من طراز F/A-18 تبلغ قيمة الواحدة منها 60 مليون دولار، في حادثتين منفصلتين خلال أسبوع. هذه الحوادث المُحرجة تزيد من القناعة بحاجة أمريكا لأن تغادر لعب دور العسكري المتعجرف.
تُعد الميزانية العسكرية الأمريكية الأضخم عالمياً، ويُوجّه جزء كبير منها نحو محاولات الابتكار لنوعيات جديدة من الأسلحة. ومع ذلك، تشير المؤشرات إلى أن هذا الاستثمار الضخم لم يُنتج قفزات نوعية حقيقية قادرة على حسم المعارك غير المتكافئة.
أبرز مثال على فشل الابتكار هو استخدام صواريخ (إس إم-2، و6) – وهي صواريخ دفاعية متطورة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات – في مواجهة سرب من الطائرات المُسيَّرة اليمنية رخيصة الكلفة. هذا التبادل غير المتكافئ ليس دليلاً على الكفاءة، بل على العجز التكتيكي والتقني، حيث يتم استنزاف المخزون الأمريكي الباهظ الثمن بفاعلية منخفضة التكلفة، وهو ما يُثبت أن السلاح الأمريكي قد تحول إلى عبء ثقيل على صاحبه.
وفي هذا الصدد، أشار موقع "ذا استراتيجيست" التابع ل "المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية" إلى أنه من المكلف للغاية نشر هذه الصواريخ الاعتراضية ضد سرب من طائرات الجيش اليمني المُسيَّرة رخيصة الكلفة والمُنتَجة بكميات كبيرة. وأفاد الموقع بأن البحرية الأمريكية قد أطلقت بالفعل أكثر من 100 صاروخ من هذا النوع في البحر الأحمر، مؤكداً أن طلبات ميزانية البنتاغون لإعادة ملء هذه المخزونات تُظهر ضغوطاً مالية هائلة، مما يؤكد أن المنطق الاقتصادي للمعركة يخدم المقاومة بامتياز.
وفي الوقت الذي يصر فيه الأمريكي على لعب دور المقاتل بالوكالة نيابة عن كيان الاحتلال، يستمر تأثير الإجراءات اليمنية ضده. وقد خلق الحصار البحري حالة من الفوضى والعجز داخل الأروقة المالية والسياسية في الكيان الإسرائيلي لإنهاء الوضع القائم. وخلال جلسة عقدتها لجنة المالية في "الكنيست الإسرائيلية" لمناقشة وضع ميناء أم الرشراش "إيلات" المغلق، عبّر رئيس بلدية "إيلات" صراحة عن مخاوفه قائلاً: "عندما أسمع عن مسار النقاش، يبدو وكأننا سنُكرّس صورة إغلاق الميناء من قِبل الحوثيين.. ويجب ألا نُكرّس هذا الوضع. هذا غير منطقي... يدين الميناء حاليًا بأكثر من 10 ملايين شيكل...".
قوة تتجاوز السذاجة المزمنة
إن الفشل الذريع للولايات المتحدة في مواجهة العمليات اليمنية غير المتكافئة في البحر الأحمر لا يُعد مجرد إخفاق عملياتي، بل هو نقطة تحول دراماتيكية تعصف بأسس الهيمنة الأمريكية وتُسرّع من وتيرة التحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب. فعلى مدى عقود، حاولت أمريكا – بدعمها المطلق لكيان الاحتلال في حرب الإبادة على غزة – إرسال رسالة ردع واضحة إلى قوى كبرى مثل الصين وروسيا مفادها أنها لا تزال تمسك بخيوط العالم وتتحكم بمساراته. ولكن ما سعت له واشنطن من هذا التحدي والدعم المنفلت انتهى إلى حصاد مُخزٍ لا يحمل ما يمكن أن يؤثر في حسابات بكين وموسكو، بل يزيد من قناعتهما ب "تآكل القدرة الأمريكية" على الردع والحسم.
وبالتالي، فإن الإصرار الأمريكي على إرهاب اليمنيين بنشر سلاح ما هنا أو هناك، كما حدث مع طائرات "كوبرا بول" التجسسية، لا يمثل سوى سذاجة مزمنة، فهو يتجاهل حقيقة أن اليمن، كما أكد قائد الثورة، يتبنى "مساراً قائماً على الابتكار" القادر على تجاوز التعقيدات وتحويل التحديات إلى فرص.
ما تحتاجه أمريكا اليوم ليس المحاولات العبثية في الإرهاب، التي لا تضيف لها إلا مستوى أعمق من السقوط في الدونيّة نظراً لتعمدها استهداف التجمعات السكانية والمنشآت المدنية دون أي وازع أخلاقي، وإنما البحث في واقع حالها الذي يتأكد فيه أنها لم تعد تملك إلا السُمعة في نفوس من خارت قواهم.
لقد أكدت هذه الجولة أن الرهان على التكنولوجيا المُنَمّقة وحدها قد خسر أمام الإرادة القوية والابتكار المتجدد الذي ينبع من إيمان بقضية عادلة. هذا الانهيار في التفوق التكنولوجي يمثل هزيمة لا تقل خطورة عن أي خسارة ميدانية، لكونه يقوض الأساس الذي بنت عليه واشنطن هيمنتها العالمية لعقود.
إن أمريكا معنية بالامتثال لمقتضيات السلام إن كانت تريد الحفاظ على ما بقي لها من سمعة، أما اليمن، فمنطلقاته ثوابت لا يمكنه التنازل عنها، وهذه الثوابت تدفعه لأن يكون في مستوى القدرة على حمايتها بلا أدنى اعتبار لمن يقف في المواجهة، فالكل أمام الإيمان والإرادة مجرد "قش".
ثغرة بحرية تستغلها القوى المنافسة
لقد كشفت أزمة البحر الأحمر عنصرين حيويين للقوى المنافسة (روسيا والصين) تستغلهما ببراعة لتقويض النفوذ الأمريكي. لطالما اعتمدت نظرية الردع الأمريكية على حسابات الحرب الباردة، وبات واضحاً أنها عديمة الفائدة تماماً في ردع الهجمات التي تشنها قوى غير نووية أو قوى فاعلة هنا او هناك، كما أكدت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية. إن اضطرار واشنطن إلى "ربط النزاع بدلاً من الإخضاع" – كما وصفه بعض المحللين – أو القبول بشروط المقاومة (وقف الهجمات على السفن الأمريكية مقابل استمرار استهداف السفن المرتبطة ب سلطات الاحتلال)، قد نقل اليمن من مجرد ساحة صراع داخلي إلى شريك قسري له شروطه، وهو ما يمثل تراجعاً مهيناً لقوة كانت تدّعي السيطرة المطلقة على الممرات الحيوية.
وأدى العجز الغربي عن تطوير استجابة متماسكة لسيطرة المقاومة على ممرات الشحن إلى خلق فراغ استراتيجي سارعت الصين وروسيا إلى استغلاله لتعزيز مشروع التعددية القطبية، دون الحاجة إلى هياكل تحالف رسمية، وفقاً لما ورد في تحليل نشره "يمن مونيتور". إذ أدركت هذه القوى أن الارتباك وغياب التماسك في صنع السياسات الأمريكية، والتركيز على التهديدات الدعائية، يخلق بيئة مواتية لتعزيز مصالحها الاقتصادية والأمنية دون الحاجة للرضوخ لضغوط الغرب.
بكين وموسكو.. دروس مجانية
شاهدت القوى العالمية الكبرى بأعينها كيف تحولت القدرات الأمريكية، التي كان يُروج لها بأنها عصية على الاختراق، إلى عبء ثقيل يُستنزَف مالياً وينهزم أمام الابتكار اليمني المتجدد ورخص ثمن وسائله.
إن حصيلة الدعم الأمريكي المنفلت ل الكيان الإسرائيلي لم تقتصر على نفاد مخزونها من الصواريخ الاعتراضية، بل أدت إلى تراجع تأثير قدراتها على الردع والحسم. وهذا السلوك المنحرف في التعامل مع القضايا الدولية، بات يقلق السلم العالمي ويُرسل رسائل سلبية:
للصين: أظهرت الأزمة أن الولايات المتحدة غير قادرة على تأمين الملاحة الدولية في ممر حيوي، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول قدرة واشنطن على الدفاع عن حلفائها في بحر الصين الجنوبي أو منع أي تحرك صيني في المنطقة. تدرك بكين أن هذا الفشل يُعزز من احتمالية اعتماد الدول الإقليمية على خيارات أمنية بديلة، وقد وجدت في هذه التطورات فرصة استراتيجية ل تقويض النفوذ الأمريكي.
ولروسيا: يُشكل انهيار "الردع" الأمريكي أمام المقاومة نموذجاً حياً يؤكد الضعف النسبي للهيمنة الأمريكية، ويدعم جهود موسكو لإنشاء نظام إقليمي متعدد الأقطاب بمشاركة قوى مثل الصين والهند، وفقاً لتحليلات نشرتها "ويبانقاه". هذا الفشل يُسهم في تعزيز وجهات النظر العالمية المتعددة الأطراف ويدعم السيادة الوطنية للدول.
البنتاجون والقلق المزمن
يُعزز هذا الانهيار الجيوسياسي من القلق المزمن الذي يعيشه البنتاجون حول واقع قدراته العسكرية. إن استمرار تساقط الطائرات التابعة لحاملات الطائرات الأمريكية، مثل حادثتي سقوط طائرات "نيميتز" و"هاري ترومان" المربكة، يُعد مؤشراً إضافياً على الوضعية المتردية للآليات العسكرية الأمريكية، وهو ما يضيف إلى سجل فشلها في الابتكار.
لقد دفعت واشنطن المليارات وحصدت هزيمة استراتيجية سمحت للقوى المنافسة بتحقيق توافق استراتيجي يستغل الفراغ الذي خلقه الأمريكيون بأنفسهم. هذا التحول ليس مجرد تغير في موازين القوة المادية، بل هو تآكل للهيبة المعنوية التي كانت واشنطن تتمتع بها في السابق، وهو ما يُحفز المزيد من دول العالم على البحث عن مصالحها المتجددة باللجوء إلى تحالفات وتبادل منافع مع القوى الصاعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.