بدأ الناخبون المصريون والذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات ويقدر عددهم بأكثر من 35 مليون في التوجه إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء على تعديل 34 مادة في الدستور، اقترح الرئيس المصري حسني مبارك إدخالها في شهر ديسمبر الماضي، ولا تصبح التعديلات الدستورية نهائية إلا إذا وافق عليها الناخبون في استفتاء عام. وتأتي التعديلات المثيرة للجدل وسط احتجاجات واسعة للمعارضة بمختلف أطيافها. وقبيل ساعات من افتتاح مراكز الاقتراع أبوابها كثفت الحكومة المصرية من دعوتها للمواطنين إلى تجاهل دعوات المقاطعة للاستفتاء على التعديلات الدستورية، وشددت على أهمية المشاركة الشعبية في عملية الإصلاح السياسي الجارية والتي اعتبرت التعديلات جزءاً منها. ولم تقتصر دعوة المصريين إلى المشاركة على السلطات الحكومية فقط، بل امتدت إلى المؤسسات الدينية الرسمية، حيث دعا شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، المصريين إلى المشاركة في الاستفتاء، وقال الناطق باسمه الشيخ عبدالله مغاور «طالب الدكتور طنطاوي المواطنين بالإدلاء بأصواتهم حول التعديلات الدستورية». وتتضمن التعديلات إلغاء الإشراف القضائي المباشر على الانتخابات وحظر أي نشاط سياسي على أساس ديني ومنح صلاحيات واسعة لأجهزة الأمن، وترى الحكومة أنها نقلة دستورية حضارية، فيما تعتبر المعارضة أنها تفتح الطريق أمام الدولة البوليسية. في هذه الأثناء، أوقفت الشرطة المصرية أمس عشرات المتظاهرين ضد الاستفتاء والذي بدأ صباح اليوم ، حيث تحول ميدان التحرير في وسط القاهرة إلى ثكنة عسكرية، وفرضت قوات كثيفة من الأمن المركزي ورجال الشرطة بالزي المدني، طوقاً أمنياً حول مداخل ومخارج وسط القاهرة وميدان طلعت حرب، ومنعت سير مظاهرة وحاصرت واعتقلت مشاركين فيها. وشهدت محافظات مصرية المزيد من مظاهرات الاحتجاج أمس، ومنها في الإسماعيلية على قناة السويس والعريش في شمال سيناء، بالإضافة إلى تظاهرات في جامعات مصرية. ومن المتوقع أن تشتد المظاهرات والاعتصامات اليوم، وخصوصا من الحركة المصرية للتغيير “كفاية” وجماعة الإخوان المسلمين. من ناحية أخرى، أعلن وزير العدل المصري المستشار ممدوح مرعي أن ألفاً من رجال الهيئات القضائية سيتولون الاشراف على جميع مراحل الاستفتاء، مشيراً إلى تكليف عدد من القضاة بالمرور على اللجان الفرعية. واجتمع وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي بمساعديه وقيادات وزارته لمتابعة الاعداد للاستفتاء في غضون ذلك، دعا الرئيس حسنى مبارك الشعب المصري إلى المشاركة فى الاستفتاء على تعديل 34 مادة من الدستور اليوم مؤكدا أن هذا الاستفتاء هو استفتاء على مستقبل الوطن ، وسوف تنعكس نتيجته على مسيرته لعقود مقبلة . وقال مبارك ، فى كلمة وجهها الى شعب مصر بمناسبة الاستفتاء على التعديلات الدستورية "إن التحولات المصيرية فى تاريخ الأوطان . انما تصنعها الشعوب بارادتها الحرة . واننى كرئيس للجمهورية وابن من أبناء هذا الشعب . اتوجه اليكم اليوم بنداء للتعبير عن هذه الارادة ، والمشاركة فى صنع هذا المستقبل . فلقد باتت لكم الكلمة الأولى والأخيرة فى استفتاء الغد . وصار الشعب هو الفيصل والحكم ." وأكد مبارك " أن هذه التعديلات تخطو بنا خطوة تاريخية ، تغير من وجه الحياة السياسية على أرض مصر ، وتفتح أمام الديمقراطية أبوابا جديدة ، وتتيح لحياتنا الحزبية والبرلمانية آفاقا رحبة ، وتحفظ استقرار الوطن وتماسك مجتمعه ووحدة أبنائه" . وشدد على " أن هذه التعديلات تعكس واقع مجتمعنا بما شهده من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية ، وتعزز سيادة الشعب باعتباره مصدر الشرعية والسلطات ، وترسخ مفهوم المواطنة وقيمها ومبادئها ، وتؤكد مساواة جميع المصريين أمام القانون فى الحقوق والواجبات ، وفى المشاركة بحركة المجتمع" . من جهته، أكد جمال مبارك أمين السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، أن الإستفتاء على التعديلات الدستورية يعتبر خطوة هامة على طريق الإصلاحات السياسية والديمقراطية وفقا للبرنامج الإنتخابي للرئيس مبارك والذى أعلن عنه فى يوليو 2005. وقال جمال مبارك خلال لقائه مساء امس الاحد مع مجموعة من المراسلين الأجانب فى مصر إن المناقشات حول التعديلات بدأت منذ أن دعا الرئيس حسنى مبارك فى خطابه عقب فوزه بالإنتخابات الرئاسية أمام مجلسي الشعب والشورى الى بدء حوار حول المبادىء التى تضمنها برنامجه الإنتخابي خاصة فى مجال الإصلاح السياسي. ونقل موقع "الحزب الوطني" على الانترنت عن جمال قوله، ان الحزب الوطني الديمقراطي بدأ أيضا إعتبارا من نهاية عام 2005 بإصلاحات سياسية وتوسيع المناقشات داخل الحزب على مختلف المستويات وتعميقها وصولا الى الرؤية المكتملة التى تم التوصل إليها، نافيا خلال لقائه مع المراسلين الاجانب وجود إستعجال فى تحديد يوم الإستفتاء على التعديلات، مشيرا الى أن الدعوة لتنظيم الإستفتاء تدخل فى إطار صلاحيات الرئيس الدستورية والتى تخوله الحق فى الدعوة للإستفتاء خلال فترة زمنية تتراوح من أسبوع الى عشرة أيام من تاريخ إقرار التعديلات الدستورية داخل البرلمان. على صعيد آخر، واصلت وسائل إعلام غربية انتقاداتها للتعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء، حيث قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن مبارك تراجع عن وعوده الإصلاحية التي أطلقها إرضاء لإدارة بوش وخوفاً من اعتراض واشنطن علي تجديد رئاسته لمصر. وأضافت الصحيفة أن التعديلات الدستورية المطروحة ستحقق عكس ما تعهد به مبارك، واعتبرت أنه لا يوجد من يؤمن بأن عملية التصويت عليها خلال الاستفتاء ستكون حرة ونزيهة، مشيرة إلي أن التعديلات ستجعل من قانون الطوارئ جزءاً دائماً من النظام السياسي المصري. ونقلت جريدة "المصري اليوم" عن الصحيفة وصفها لموقف الإدارة الأمريكية من التعديلات بالمخزي، مؤكدة أن المصريين الذين يحتقرون حكومتهم لن ينسوا هذا الموقف بسهولة. وانتهت مجلة "نيوزويك" الأمريكية واسعة الانتشار إلي نتيجة دراسية في تقرير نشرته حول التعديلات الدستورية في عدد الأسبوع الحالي، مشيرة إلي أن قوي المعارضة في مصر لم تجد خياراً آخر سوي مقاطعة الاستفتاء في ظل غياب الوعي السياسي لدي المواطنين، لكن هذا الموقف لن يكون مؤثراً في ظل حاجة التعديلات إلي موافقة أغلبية بسيطة خلال الاستفتاء لتمريرها. وقالت "نيوزويك" إن التعديلات المطروحة ترسخ عدم وجود نائب للرئيس وتحجم من المنافسة السياسية، مشيرة إلي أن البعض يعتقد أنها تهدف إلي نقل الحكم إلي جمال مبارك نجل الرئيس. *محيط