مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    العميد أحمد علي ينعي الضابط الذي ''نذر روحه للدفاع عن الوطن والوحدة ضد الخارجين عن الثوابت الوطنية''    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    الإطاحة بوافد وثلاثة سعوديين وبحوزتهم 200 مليون ريال.. كيف اكتسبوها؟    - عاجل امر قهري لاحضار تاجر المبيدات المثير للراي العام دغسان غدا لمحكمة الاموال بصنعاء واغلاق شركته ومحالاته في حال لم يحضر    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    الهجري يترأس اجتماعاً للمجلس الأعلى للتحالف الوطني بعدن لمناقشة عدد من القضايا    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطان بدر بن عبد الله الكثيري ‘‘ابو طويرق‘‘سنة 902ه 977ه (حضرموت الزيدية الأباضية)
نشر في شبوه برس يوم 25 - 05 - 2016


(الحلقة الاولى)
لقد كان لأزمة كتابة التاريخ الحضرمي الوسيط ، من حيث الشحة الشديدة في المصادر وندرتها ، ان فرضت نفسها بشدة وقوة على المؤرخين الحضارمة المتأخرين ، فقد فرضت عليهم فيما فرضت الاسراف في صناعة التراجم الشخصية ، أي كتابة التاريخ الحضرمي كتابة فردية ، وفرضت عليهم الاستمرار في تلك الصناعة حتى ايامنا هذه ، لعلهم بذلك يسدون بعضا من الفجوات الكبيرة والواسعة في المسارات التاريخية ، ويرسمون صورة لطبيعة الاوضاع السياسية والفكرية والاجتماعية لتلك الفترة التاريخية . ولكن ما كان لذلك الجهد الكبير الذي بذلوه في هذا المجال إلا ان يعاني من ذاك المأزق الوثائقي العنيد وغياب المصادر وندرتها ، فكانت ان جاءت تلك التراجم على الاعم الأغلب منها ، مجرد اقوال لا يسندها سند من وثيقة او مصدر معاصر محلي او اسلامي ، واصدرت أحكاما تفتقر إلى شروط الكتابة التاريخية .
ولما كانت الكتابة التاريخية مسألة وثائقية ولها منطقها من حيث محاكمة الزمان والمكان ، بما يؤدي إلى ( تطويق ) المكان التاريخي وتحقيق هوامش واحتمالات وشروط ظهور الحالة المعنية بالبحث ، فاني ارى ان اعتماد تلك التراجم كما هي مقدمة لنا والادعاء بصحتها واحيانا عصمتها ، مسألة ليست علمية . ولا موضوعية ، بل ان اعتمادها يلعب بالضرورة دورا خادعا وبالتالي معيقا في الوصول إلى الحقيقة التاريخية ، التي هي هدف وغاية علم التاريخ .
وتكون العلمية والموضوعية بذلك القدر من الأهمية ، خاصة عندما نتناول بالدراسة شخصية سياسية بحجم السلطان بدر ابي طويرق وعصره وسياساته وصراعاته العاصفة التي امتدت على مدى سني حكمه الذي طوى نصف قرن من الزمان ، علينا في مثل هذه الحالة ان نضع مبررا وتعليلا علمياً ومنطقيا لتلك الاحداث ووقوعها على صورتها تلك في ذلك العصر بالذات دون غيره ، وفي ذلك المكان دون غيره ، وبتلك الشخوص دون غيرها ، وعلينا ان نتساءل لماذا سارت تلك الاحداث ذلك المسار دون غيره ، وبذلك نكون اكثر قربا من الحقيقة التاريخية، لعلنا بذلك نضع لبنات قد تكون اولية ، ولكنها تتمتع بقدر معقول من التماسك لابحاث قادمة تحاول سبر غور ذلك الماضي بأدوات اكثر علمية وموضوعية .
وتأتي أهمية دراسة الحياة السياسية لهذا السلطان وعصره ، ليس لدوره المحوري والأساسي في احداث عصره فحسب ، بل وأيضاً من ذلك التباين والاختلاف في نظرة المؤرخين الحضارمة إليه ، وفي هذا يقول الأستاذ بامطرف : ( ان شخصية ابي طويرق سوف تظل جدلية اليوم ، كما كانت قبل عدة قرون مضت ، ولقد كان المؤرخ الطيب بن عبد الله بامخرمة (ت 947ه بعدن ) صاحب كتاب ( قلادة النحر ) الشهير ، غير محبذ لسياساته ، في حين ان المؤرخ محمد بن عمر بافقيه ( صاحب كتاب تاريخ الشحر في القرن العاشر ، من رجالات القرن الحادي عشر ) يرى عكس ما يراه بامخرمة )(38) .
وعلى ما تقدم ، فإننا سوف ندرس السيرة السياسية لهذا السلطان من خلال ما تقدم من هذه الدراسة التي تقترب من نهايتها ، أي ان دراسة هذا السلطان يجب ان تتوائم وتتوافق مع ما توصلت إليه هذه الدراسة ، من ان الاوضاع المذهبية والسياسية في حضرموت لم تكن سنية الاعتقاد حتى القرن العاشر على الاقل ، أي اننا نأخذ دراسة هذا السلطان بما يمكن ان تكون دراسة ( تطبيقية ) على واقع احداث عصره .
ان القضية المحورية التي سوف تتحكم في مسار احداث عهد هذا السلطان، هي القضية المذهبية العقائدية ، ممثلة في زيدية الدولة الكثيرية التي يمثلها أخوه الإمام محمد بن عبد الله الكثيري المتولي سنة 910ه ، وزيدية الاوضاع في وادي دوعن تحت قيادة آل العمودي ، وأباضية امارة آل يماني في تريم والمسفلة وكذا أباضية قبيلة نهد في منطقة الكسر وأباضية قبائل المهرة والمشقاص تحت قيادة آل ابي دجانة ، وتمثل هذه القوى الثلاث الحلف الاباضي وقواه الأساسية .
توفى الامام عبد الله بن جعفر الكثيري سنة 910ه ، وتولى بعده إبنه الإمام محمد بن عبد الله ، وكان مقر امامته الزيدية اقليم ظفار ، كان الإمام محمد كأسلافه خصما عنيدا للقوى الأباضية وأحلافها الواسعة ، فقد كانت المعارك بينه وبينهم لا تهدأ ولا تكف طوال فترة تفرده بالسلطة حتى سنة 920ه (39).
وفي سنة 925ه ، طلب السلطان بدر بن عبد الله من أخيه الإمام محمد المقاسمة في الحكم ، كان عمره حينها اثنين وعشرين عاما ، فكتب محمد إلى خطيب المسجد الجامع بالشحر باسقاط اسمه من الخطبة وابداله باسم أخيه بدر .
كان الوجود الاباضي خنجرا مغروزا في خاصرة الحكم الكثيري منذ نشأته، فقد كان عامل ضعف مزمن في قيام الدولة الكثيرية الزيدية المذهب ، فقد كانت الدولة الكثيرية ومنذ نشأتها ، عبارة عن جزيرة في بحر متلاطم من القوى الأباضية ، ولقد بينا فيما سبق مدى قوة الأحلاف الأباضية التي كانت تقاوم وتصارع الوجود الكثيري الزيدي .
كان ذلك الوضع يحز في نفوس كل المتولين من آل جعفر الكثيري ، خاصة وان الحلف الاباضي كان يضم فرعا من آل كثير ، ظلت الاوضاع والصراع بين الطرفين على حاله السابق ، حتى إذا جاء السلطان بدر إلى الحكم وهو في تلك السن المبكرة وطموحاتها الفوارة ، كان طموحه طافحا في القضاء على الوجود الاباضي ومد الحكم الكثيري على كامل التراب الحضرمي ، مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات .
غير ان ذلك مطلب عسير وخطب جلل ، فقد عجزت الدولة الكثيرية في عهود قادتها الافذاد من السلف عن تحقيقه ، وهذا أخوه الإمام محمد بكل خبراته وحنكته يصارعهم ويقاتلهم في حروب لا تهدأ ولا تكف ، فكيف به وهو الجديد على شئون الحكم وفي هذه السن المبكرة . غير ان السلطان بدر لم يكن يجهل عواقب الامور ومترتباتها ، فقد كان يرى أنّ تحقيق ذلك الهدف من خلال الاعتماد على قوى حضرمية خالصة ، ، أمر غير عملي وجهد ضائع ، ذلك ان جيشا من أبناء البادية الحضرمية لا بد ان يكون اباضي المذهب ، وبالتالي فإنّ محاربة الأباضية بهذا الجيش انما يعني فشل المشروع كله .
لهذا يقول الأستاذ أبن هاشم ان بدرا رأى : ( أنّ القوى التي لديه غير كافية لمكافحة المشاكل السياسية المحيطة به ، وان الثقة بينه وبين عسكره من الحضارم غير وطيدة ، والروح العسكرية بين عسكره ، خامدة هامدة ، يشتم منها زفرة العصيان وزهومة التكاسل )(40) . وما كان انعدام الثقة وزفرة العصيان التي لاحظها المؤرخ أبن هاشم ، الا نتيجة لانعدام التوافق بين مذهبهم الاباضي ومرامي السلطان بدر في الزج بهم في مقاتلة أهلهم قبائل حضرموت الأباضية .
في تلك الفترة كان العثمانيون الأتراك يجوبون مياه المحيط الهندي وبحر العرب لمحاربة البرتغاليين ، وكانوا كثيرا ما يترددون على الشحر للتزود بما يحتاجونه من ماء وغذاء وغير ذلك ، ولقد استطاع السلطان بدر ان يخلق معهم علاقات جيدة من خلال تسهيل مهامهم في الشحر ، ولا بد انه وهو يرسم تلك العلاقات معهم ، كان يرى فيهم القوة الضاربة المنشودة التي يستطيع بها تحقيق حلمه وحلم الاسلاف في انهاء الوجود الاباضي المزمن في البلاد واقامة الدولة الكثيرية على كامل التراب الحضرمي ، اما وقد كسبهم إلى جانبه واصبح صديقا حميما لهم ، فلابد انه افصح لهم عما يجول بخاطره من هموم وطموحات يقف على رأسها ضرورة القضاء على الهم الاباضي الذي يؤرقه كما ارق الاسلاف من قبل ، ولا بد انه قد حرك في العثمانيين النزعة المذهبية العقائدية السنية التي كانت أساسية في سلوكهم السياسي ، فهم دولة الخلافة السنية المكافحة للفرق والاحزاب غير السنية .
لهذا فان السلطان بدر قد خطط وعمل ( على ان يكون اكثر جيشه مؤلفا من عناصر غير حضرمية ، فكونه من الاتراك ويافع والموالي و الأفريقيين وقبائل اليمن الزيود وغيرهم، كي يطمئن إلى ولائهم وعدم ثورتهم وانتفاضهم(41).
وإذا كان محاربة قبائل حضرموت الأباضية أمراً لم يقبله عسكره وجنده من الحضارمة ، فكيف يقبل به اولو الشأن من اعيان البلاد ووجهائها ، ثم كيف يقبلون محاربتهم بجيش اجنبي لا تربطه بالارض والتراب الحضري رابطة . كل ذلك يعطي مبررا لسلوكيات السلطان بدر من عزل وسجن ونفي للاعيان منذ اولي سنوات حكمه . و يقول الصوفي الشاعر عمر عبد الله بامخرمة في امر هذا السلطان :
فان خصمي و راسك خصم جوار مبطل غير تياه في طمخه يولي و يعزل
قلت له راقب الله في ولايتك و اعدل ماهو الا غشوم احمق يقيد و يقتل
قال ذا سالفي فان اعجبك يا عمر حل و ان كان ما اعجبك قرب ركابك و حمّل (1)
( جوار مبطل ) تعني انه ظالم كافر.
في سنة 926ه ، وبعد ان استكمل تكوين جيشه او كاد على تلك الصورة ( تحرك بالترك إلى منطقة الوادي ، مقدمهم رجب التركي ، مسلحين بالبنادق التي دخلت حضرموت لأول مرة ، وهاجم بهم تريم آل يماني ، وبعد قتال استمر عشرين يوما ، ابلى فيه آل يماني واحلافهم أهل المسفلة ( آل حمد والصبرات وغيرهم ) بلاء حسنا ، تدل عليه مقاومتهم التي استمرت تلك الفترة ، رغم عدم التكافئ بين الطرفين في العدة على الأقل ، سقطت بعدها تريم في يد الاتراك والسلطان بدر ، ثم توجه بعدها إلى شبام حيث امامة أبناء عمه آل محمد الكثيري ، واستولى على شبام وقبض عليهم ثم افرج عنهم ، فخرجوا إلى مدينة ( هينن ) عند حلفائهم حكامها الظلفان الأباضية ، غير ان هينن لم تكن لتغيب عن مخطط السلطان بدر ، فقد كان الظلفان الد أعداء بني جعفر الكثيري ، وبينهم دخول وضغائن مذهبية قديمة ، فتوجه إليها وحصرها حتى إذعنت له في نفس السنة ، كما اخذ ( الاحروم ) من وادي عمد وما والاها من اصحابها آل عبد الله (42) . وهكذا استطاع بدر ان يحقق ما لم يستطعه الاوائل من اسلافه ، ولكن هل يستطيع ان يحقق له الاتراك وعناصر جيشه غير الحضارمه استقرار الاوضاع ودوام تلك المكاسب ؟ . لا شك ان هزيمة تلك القبائل الأباضية من قبل تلك العناصر ما كان له الا ان يزيد النار اشتعالا ، ويزيد التحالفات الأباضية عزيمة ومضاء وقوة وتلاحما ، وعلى ذلك يكون السلطان قد حقق نصرا لا يملك صفة الدوام والاستقرار ، وهذا ما حدث بالفعل ، ففي سنة 927ه في شهر صفر كانت وقعة ( المحرقة ) بين قوات السلطان وأهل المسفلة بقيادة آل يماني التي هزم فيها أهل المسفلة ، وبعدها يبدأ مسلسل الثورات والانتفاضات من قبل القوى الأباضية ضد السلطان واحلافه .
لقد كان ابو طويرق سياسيا ذكيا حين بدأ اولا بمحاربة القوى الأباضية ، فهو بذلك قد ضمن تأييد القوى المعتزلية والزيدية في البلاد ، خاصة وأنه في تلك الفترة المبكرة من حكمه لم تتضح بعد مراميه السنية العقائدية ، لقد كان يقف على رأس تلك القوى المعتزلية والزيدية أخوه الإمام محمد الذي كان يراقب نشاط اخيه السياسي والعسكري بعين حنكته وخبرته السياسية ، فلا بد أنه كان يرى في تزايد قوة اخيه بدر واستمرار اعتماده على القوات التركية خاصة ، كان يرى في ذلك تهديدا او على الأقل اضعافا لهيبته وسمعته كامام مذهبي قبل ان يكون حاكماً سياسياً ، كان السلطان بدر كما يبدو قد انغمس في تحالفات مذهبية سنية وازداد تحالفه مع الاتراك قوة ، ولكي يبعد الشكوك المذهبية عنه ، فلا بد ان يقدم دليلا على انه لا زال على طريقة الاسلاف الزيدية ومدافعا عن مصالحهم ضد الأباضية ، لهذا نجده في سنة 935ه في شهر رمضان اخذ علي بن فارس ( النهدي ) قرية ( تولبة ) في دوعن من اصحابها آل بايحى ، وفي نفس السنة في شوال عزم بدر من الشحر إلى حضرموت ثم إلى دوعن ، حيث حصر تولبة بمساعدة الشيخ العمودي ، وتسلمها السلطان ، وابقى آل بايحيى على اموالهم بشفاعة الشيخ العمودي . وفي الحجة من نفس السنة ، اخذ السلطان بدر المخارم في وادي رخية من آل فارس بن عبد الله النهدي ، وردها لأهلها آل شحبل حلفاء العمودي . ومن مجمل احداث تلك السنة، نعلم ان العلاقات بين السلطان بدر والجانب الزيدي الذي يمثله اخوه الإمام محمد وآل العمودي لا زالت بخير ، وانه لم يحدث ما يعكر صفوها .
غير انه في السنة التي تليها ، أي في سنة 936ه حدث ما كان متوقعاً حيث استولى بدر على منطقة غيل بن يمين وأخرج آل يمين منها ، فاغتاظ الإمام محمد من ذلك ، وراجع أخاه بدر في اعادتها إلى أهلها ، غير ان بدرا رفض ذلك ، وزاد الطين بلة ان الامام مُنع من دخول الحصون العسكرية التي رتبها بدر في هينن وتريس وتريم . وهكذا يمكن القول ان السلطان بدر في تلك السنة قد رأى في نفسه القوة الكافية للتمرد على اخيه محمد وحلفائه . غير ان هناك أمراً يدل على ان الإمام محمد نفسه قد رتب اموره لذلك الامر ، فمن ذلك الخبر وجدنا الإمام محمد يغتاظ من تصرف اخيه بدر تجاه آل يمين ومنطقتهم ، ذلك ان آل يمين لم يكونوا الا حلفاء لآل يماني واعداء آل كثير ، فلماذا يغتاظ الإمام محمد من أجلهم ان لم يكن قد اعاد ترتيب اوراقه من جديد ، وتحالف مع اعداء الامس أباضية حضرموت ، بعد ان اتضحت له الاهداف العقائدية السنية لأخيه السلطان بدر ، كما ان الإمام محمد ما كان له ان يقدم على تلك الخطوة التحالفية مع اعداء الامس الأباضية الا في حالة مواجهة خطر سني داهم ، وهو الامر الذي يعني انه في ذلك الوقت قد احاط علما بمرامي اخيه بدر العقائدية السنية . يبدو ان الجانب العمودي هو الآخر كان يراقب الموقف عن كثب ، وكانت تساورهم الشكوك حول تصرفات بدر وتحالفه مع الاتراك العثمانيين ، حتى إذا كان الخلاف بين السلطان وأخيه محمد حول منطقة غيل بن يمين ، ومنع الإمام محمد من الدخول إلى حصون تريم وتريس وهينن ، تحققت تلك الشكوك لدى بعضهم ، وكان الامر موضع درس ومراجعة داخل الدائرة العمودية ، فقد كان هناك من يرى ضرورة فك عرى التفاهم مع بدر ، وهناك من يرى ضرورة التريث والاستمرار في مراقبة الموقف ، ولقد كان من نتيجة ذلك الجدل والدرس والمراجعة ان تنازل الإمام عمر بن احمد العمودي عن الولاية لأخيه الإمام عثمان بن احمد، وبذلك بدأت مرحلة جديدة ، هي مرحلة صراع آل العمودي مع السلطان بدر الذي قاده الامام عثمان العمودي، وبدأت بذلك تحالفات جديدة ولكنها تكاد تكون صورة طبق الاصل من التحالف الاباضي المعتزلي الذي قاوم الغزو الايوبي في القرن السادس الهجري .
ففي سنة 938ه تحالف الإمام عثمان مع قبيلة نهد الأباضية المذهب والتي قاومت وافشلت محاولة الإمام عبد الله بن محمد العمودي سنة 838ه من القرن التاسع الهجري ، في الاستقلال بدوعن واقامة امامته الزيدية فيه ، ولقد كان تحالف الإمام عثمان مع قبيلة نهد في منطقة الكسر ، خطوة ما كان لها ان تتم لو لا مواجهة الخطر السني الداهم الذي يقوده بدر وحلفاؤه الاتراك العثمانيون ، ولقد كان من ثمرة ذلك التحالف في تلك السنة بين العمودي ونهد ، ان عدلت (تقاسمت) نهد مدينة الهجرين مع الإمام العمودي ، ثم استولى العمودي على منطقة الجبل من نواحي دوعن وهو من جملة المناطق التي وضع فيها بدر حاميات عسكرية ، وفي نفس السنة وصل سليمان باهبري وهو من اتباع العمودي، في جمع من انصاره ، نحو مائة وخمسين رجل من البدو ، وصل إلى ( تباله ) من أعمال الشحر لغرض الاغارة ، ثم استولى العمودي على القرين وحصر الحصن التابع للسلطان بدر ، كما هاجم ( الخريبة ) في دوعن بمساعدة أهلها ، وكانت فيها قوة عسكرية لبدر ، وحصر الامير عطيف قائد القوة البدرية في حصن الخريبة ، كما اخذ ( الدوفة ) من دوعن ، وفي نفس السنة عدل العمودي ( بضة ) في دوعن لقبيلة نهد حلفائه ، على النصرة والمساعدة ، وفي هذه المدة ، اجتهد باهبري ومن معه من قبيلة سيبان في حصر اصحاب السلطان في وادي دوعن ، بحيث لا يقدر احد ان يصل إليهم بطعام و لا غيره ، ودخل السلطان وادي دوعن على قصد محاصرة الإمام العمودي ، فلم يكن المحصور لا هو .
وفي سنة 940ه ظهر ان الإمام محمد قد اعاد الحياة إلى احلاف ابيه السابقة ، ففيها حشد ثلثمائة من مهرة بيت زياد وزحف بهم على الشحر ، وتقاتل مع قوات أخيه بدر ، وفي نفس السنة تحالف مع قبائل الحموم وآل يمين ضد أخيه بدر ، وفيها تخوف آل احمد اصحاب اللسك أهل المسفلة حلفاء آل يماني، تخوفوا من السلطان بدر ، فانتقلوا إلى المشقاص عند الإمام محمد .
*- يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.