الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
14 أكتوبر
26 سبتمبر
الاتجاه
الاشتراكي نت
الأضواء
الأهالي نت
البيضاء برس
التغيير
الجمهور
الجمهورية
الجنوب ميديا
الخبر
الرأي الثالث
الرياضي
الصحوة نت
العصرية
العين أون لاين
المساء
المشهد اليمني
المصدر
المكلا تايمز
المنتصف
المؤتمر نت
الناشر
الوحدوي
الوسط
الوطن
اليمن السعيد
اليمن اليوم
إخبارية
أخبار الساعة
أخبار اليوم
أنصار الثورة
أوراق برس
براقش نت
حشد
حضرموت أون لاين
حياة عدن
رأي
سبأنت
سما
سيئون برس
شبكة البيضاء الإخبارية
شبوة الحدث
شبوه برس
شهارة نت
صعدة برس
صوت الحرية
عدن الغد
عدن أون لاين
عدن بوست
عمران برس
لحج نيوز
مأرب برس
نبأ نيوز
نجم المكلا
نشوان نيوز
هنا حضرموت
يافع نيوز
يمن برس
يمن فويس
يمن لايف
يمنات
يمنكم
يمني سبورت
موضوع
كاتب
منطقة
صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة
عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة
العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي
حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية
فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025
انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية
الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014
وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي
"خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي
حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..
رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين
عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل
هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟
عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا
وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي
لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن
هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة
الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو
عن الصور والناس
حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم
أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت
الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم
إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"
النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا
اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش
الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب
درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية
رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!
غريم الشعب اليمني
مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة
جازم العريقي .. قدوة ومثال
دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام
العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن
إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي
مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين
معسرون خارج اهتمامات الزكاة
الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة
نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي
الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية
الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي
اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي
صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني
صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني
النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين
برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد
الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل
أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية
غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا
علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!
حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى
القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !
عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب
حضرموت والناقة.! "قصيدة "
حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة
الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة
ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل
يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!
دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
حيفا والتّهجيرُ بعيونِ المُسنّةِ حلوة!
آمال عواد رضوان
نشر في
شهارة نت
يوم 27 - 07 - 2013
المُسنّةُ حلوة إلياس من قرية المغار، والدة البروفيسور الموسيقار الفنان تيسير إلياس، مِن مواليد عام 1920، التقيتُها قبلَ أشهرٍ قليلةٍ مِن وفاتِها، وقدْ تعدّتِ التّسعينَ مِنْ عُمرِها، ولا زالتْ بكاملِ أناقتِها وهيبتِها وذاكرتِها المُتيقّظةِ، فلاقتْني بترحابٍ وبوجهِها الأبيضِ البَشوشِ الباسمِ، تُغطّي رأسَها وضفيرتَها الطّويلةِ بمنديلٍ أبيضَ يُضفي عليها مسحةً من وقارٍ، وبكاملِ تركيزِها وحَواسِّها السمعيّةِ والبَصريّةِ، أمْضيْنا معًا في حوارٍ شيّقٍ، وحديثٍ مُوثَّقٍ بالصوتِ والصورة، بعضُه سردَتْهُ باللغةِ العربيّةِ، وبعضُه بلغةٍ إنجليزيّةٍ تُتقنِها بطلاقةٍ وتمَيُّزٍ. ولم تتوانَ أن تُؤدّي أغنيةَ عبدِ الوهاب "خيّي خيّي حبيبي يا خيّي"، أداءً جميلًا.
قالت: لي أربعة إخوة، وأنا أكبرُ إخوتي كنتُ أتحمّلُ مَسؤوليّتَهم، وحين مضتْ أمّي لتُسمِدَ لنا البرغل وتطحن، كنّا ننام على سطح البيت، وأختي كانت أصغرَنا، مَشتْ بسرعةٍ ووقعتْ عن السّطح أمامَ ناظريّ، فرأيتُها تغرقُ بدمِها، وأسرعتُ أنادي أمّي وأصرخُ، وحينَ حضرْتْ أمّي، كانتْ أختي قد فارقتْ الحياة!
ولأنّي البكرُ، صرتُ رفيقةَ والدي في كلّ مشاويرِهِ، فكنّا فلّاحين نعيشُ حياةَ الفلاحةِ والزراعةِ، وفي أحدِ الأيّامِ ركّبَني أبي على الجَمل، وأخذني معَهُ إلى حيفا، حيثُ كانَ إخوتي يتعلّمون، وكانَ لنا أقرباء هناك، فأحببتُ حيفا، وأخبرتُ والدي أنّي سأبقى عندَ إخوتي، وأتعلّمُ حيثُ يَتعلّمونَ.
بعدَ العودةِ إلى المغار، قرّرَ والدي الانتقالَ للسّكنِ في حيفا تلبيةً لرغبتي، فاستأجرَ بيتًا في حيفا، وصرتُ أتعلّمُ في مدرسةِ الراهباتِ باللغةِ الفرنسيّةِ، لكنّني كنتُ أعشقُ اللغةَ الإنجليزيّةَ. بدأتُ أتعلّمُ دروسًا إنجليزيّةً ليليّةً في مدرسةٍ ليليّةٍ خاصّةٍ، ودروسًا إنجليزيّةً خاصّةً في البيتِ، فقد أحضرَ لي أبي المعلّم موريس الطبراني، الذي كان يعلّمُ اللّغةَ الإنجليزيّةَ لإخوتي في مدرستِهم، وبسببِ الحربِ بينَ العربِ واليهودِ، وحوادثِ قتلِ الشبابِ العرب الذين يُدحدِلونهُم بالشّوارع، خِربتِ الحالة بينَ اليهودِ والعرب، وتوقّفتُ عن دراستي في مدرسةِ الراهباتِ بسببِ الأحداثِ الّتي طالتْها، وتوقّفَ الأستاذ الطبرانيّ عنِ المَجيءِ إلى بيتِنا، خوفًا مِن طلقةٍ ليليّةٍ تُصيبُهُ، فكانَ أخي البكرُ مُتمكّنًا مِنَ اللّغةِ الإنجليزيّةِ، وأصرّ أن يُعلّمَني هو الإنجليزيّةَ في البيتِ، مِن خلالِ المُخالطةِ، وصارَ لا يتكلّمُ معي إلّا باللغةِ الإنجليزيّةِ فقط، ممّا كان يتسبّبُ في غضبِ أبي وأمّي أحيانًا، لأنّهم لا يَفهمونَ ما نقولُهُ.
كنتُ أقومُ بخدمةِ إخوتي في حيفا، حينَ يعودُ أهلي إلى قريةِ المغار لفلاحةِ الأرض وزراعتِها، وأيضًا في مواسِمِ قطافِها. وكانَ الانتقالُ والسّفرُ إلى حيفا يحتاجُ إلى تصاريحَ مِن دائرةِ الشرطة، أو إلى تصاريحَ للإقامةِ لشهريْنِ وما فوق، وفي مرّةٍ دعتْني صديقتي إلى شاطئ البحر (بيت جاليم- بيت الأمواج)، ففرحتُ بدعوتِها، وحين مَضيْنا إلى البحر، تحلّقَ الجنودُ الإنجليزُ مِن حولِنا يَتحركشونَ بنا، فهربتُ منهم، وفقدتُ ثقتي بتلكَ الصديقةِ، وأخبرتُ أخي الكبيرَ، فأمرَني بقطعِ العلاقةِ بها، وبدأ يُفكّرُ بإعادتي إلى أهلي في القرية!
وعندما بدأتِ الحربُ بينَ الإنجليز والألمان، حاولَ أبي إرجاعَنا إلى المغار، خوفًا علينا مِنَ الحربِ، ولأنّ وسائلَ الاتّصالِ كانتْ مُنقطعةً، وأثناءَ الحربِ كانتِ البيوتُ تظلُّ مُعتمةً. لكنّ الغاراتِ الجوّيّةَ الّتي تقصدُ المَراكزَ الحكوميّةَ وليسَ المَدنيّينَ، كانتْ تضربُ عندما يَظهرُ القمرُ، ويَكشفُ معالمَ حيفا، فكانتْ تدعونا جارتُنا مؤجِّرةُ البيتِ إلى عَقدِها الصّغيرِ لنختبئَ معها، لأنّهُ قويٌّ ومتينٌ وسميكٌ، لا تقوى عليه الغاراتُ، فكنّا أطفالًا نرتجفُ خوفًا، فتَحضنُنا، وتدعو محمّدَ ونصرَتَهُ، ونحنُ ندعو مَريمَ العذراءِ وحِمايتَها، إلى أنْ تمّتِ الغلبةُ للإنجليز.
في سنّ الخامسة عشر مِن عمري، بدأ الشبابُ مِن حيفا يتقدّمونَ لخِطبتي، وكانَ لكلِّ منهم مَركزُهُ ووظيفتُهُ، لكنّي كنتُ أرفضُ فكرةَ الزّواج، كي أُتابعَ عِلمي، وكنتُ أتحجّجُ وأبْدي رغبتي بالزّواجِ مِن إنكليزيٍّ وليسَ من عربيٍّ، فيضحكُ أبي، ويَعدِلُ عن النيّةِ بتزويجي.
وفي يومٍ، تمّ الاتّفاقُ على تحديدِ موعدِ خطبتي بأحدِ المُوظّفينَ، وكانَ يَتيمًا لهُ ثلاثُ عمّاتٍ، وكلٌّ منهنَّ تطمعُ بهِ زوجًا لابنتِها، فأخبرَ والدي في اللحظاتِ الأخيرةِ، أنّ عمّاتِهِ لن يَحضرْنَ للخطبةِ، بسببِ رفضهِنّ العروس، فألغى والدي الخطبةَ ولم تتمّ، لكنّ النصيبَ ثبتَ على زوجي مِنَ البعنة، جارة دير الأسد في الجليل.
وقد تحدّثتْ أمّ راسم عن الانتدابِ البريطانيّ، وعن ثورةِ البراق في أوائلِ الثلاثينات، حينَ أُعدِمَ 26 مناضلًا فلسطينيًّا في سجن قلعة مدينة عكّا، وحَكمتْ بالسجنِ المُؤبّدِ على 23 فلسطينيًّا آخرين، وقد أعدَمَت عطا الزير، ومحمّد جمجوم، وفؤاد حجازي، وقبلَ إعدامِهم كانوا يَلبسونَ ثيابَ الإعدام الحمراء، ودون خوفٍ يُنشدونَ بفرحٍ قصيدةَ الشاعر السوري نجيب الريّس، وصارَ الثوّارُ يُغنّونَها في سجن عكّا، ووصلتْنا وصرنا نُردّدُها ونُغنّيها. وكقائدةٍ محاربةٍ، أنشدَتْها بإلقاءٍ خطابيٍّ قويٍّ، تبثُّ العزمَ في سامعيها:
يا ظلامَ السجنِ خيِّمْ/ إنّنا نهوى الظّلاما/ ليسَ بعدَ اللّيلِ إلّا/ فجرُ مَجدٍ يَتسامى/
إيهِ يا دارَ الفخارِ/ يا مقرَّ المُخلصينا/ قد هبَطْناكِ شبابًا/ لا يهابونَ المَنونا/
وتعاهدْنا جميعًا/ يومَ أقسمْنا اليمينا/ لن نخونَ العهدَ يومًا/ واتّخذْنا الصِّدقَ دينا/
أيّها الحُرّاسُ رِفقًا/ واسْمَعوا منّا الكلاما/ مَتِّعونا بهواءٍ/ كان مَنْعُهُ حَراما/
لستُ واللهِ نسيًّا/ ما تقاسيهِ بلادي/ فاشْهَدَنَّ يا نجمُ إنّي/ ذو وفاءٍ وودادِ/
يا رنينَ القيدِ زِدْني/ نغمةً تُشجي فؤادي/ إنّ في صوتِكَ معنًى/ للأسى والاضطهادِ/
لم أكنْ يومًا أثيمًا/ لم أَخُنْ يومًا نظاما/ إنّما حُبُّ بلادي/ في فؤادي قد أقاما
ثمّ تابعتْ تقولُ:
ولدتُ ابني البكرَ وابنتيْنِ في الزمنِ الإنجليزي في عكّا، ثمّ احتلّ الجيشُ اليهوديُّ بلادَنا، فهربنا الى البعنة، ولما وصل الجيش إلى البعنة، أرسلَ المُختارُ الناطورَ، يَطلبُ مِنَ الأهالي أن يُعلّقوا مَلاحفَ وشراشفَ بيضاءَ على سطوح البيوتِ، كإشارةٍ وعلامةٍ أنّنا مُسالمونَ، وأنّ البلدَ مُسالمةً لا تريدُ الدمَ!
حينَ دخلَ الجيشُ اليهوديُّ إلى البلدِ، طلبَ المختارُ مِنْ قطروزِهِ أنْ يُخرجَ الأهالي؛ أطفالًا ونساءً وكبارًا وصغارًا وشبابًا وشيوخًا مِن بيوتِهم، فتجمّعَ الأهلُ بينَ دير الأسدِ والبعنة، واختارَ الضّابطُ اليهوديُّ رَجُليْنِ؛ مسلمًا ومسيحيًّا، يَلبسان حطّة (كوفية)، رَموهُما بالرصاص على مَرأى الأطفالِ وأهلِ البلدَيْنِ، ودَحدَلوهُما مِن أعلى الشارع إلى أسفلِهِ، لترهيبِ وتخويفِ وترويعِ الأهل.
ثمّ قامَ الجيشُ اليهوديُّ يَلمّونَ الرجالَ والشبابَ للسّجون، وليَخدُموا في الجيشِ وفي الأعمالِ الشاقّةِ بالسُّخْرةِ، وصرَخوا في الشيوخِ والنساءِ كي نُغادرَ البلدَ، فأخذتُ دابّتي الحمارةَ وأطفالي، وقليلًا مِن الطحينِ والسكّرِ والحبوبِ، ولكن دونَ ثيابٍ، ومَضيتُ معَ النازحينَ في البَردِ، نُهرولُ ونولولُ ونبكي، ومَضيْنا صوْبَ
لبنانَ
وتحتَ المطر.
في طريقِنا، مرَرْنا بقريةِ نحَف الجليليّةِ، وإذا بالقتلى مُحمّلين على البقر، يَسوقُهُم الجيشُ في اتّجاهٍ واحدٍ، فخِفنا وصِرنا نُسرعُ الخطى للهروبِ، قبلَ أنْ يُصيبَنا ما أصابَ قتلانا، لكنّ دابّتي المُنهكةَ لم تَكُنْ تُعينُني، فأنزلتُ ابنتي عن ظهرِها وحمَلتُها، وبَقيَ طفلانِ على ظهرِ الدابّةِ، وحينَ مرّ بي رجُلٌ على فرسٍ، طلبتُ منهُ أنْ يُساعدَني، ويَأخذَ ابنتي معَهُ، فأخذَها ومَشيْنا ومَشيْنا، وطالتِ المَسافاتُ بيْنَنا، وغطّى عتمُ اللّيلِ المَساربَ والدّروبَ، ولمْ أعُدْ أرى أحدًا، فخفتُ وصِرتُ أبكي وأصرخُ وأنادي: يا الّلي أخدت بنتي على الفرررررس، دخيلَكْ رجِّع لي بنتي!
وعادَ لي صوْتُهُ مِن بعيدٍ: يا أختي، لا تخافي.. بنتك بأمان!
وظلَّ ينتظرُني، إلى أنْ سلّمَني إيّاها.
حين مَررْنا بقريةِ ساجور الجليلةِ بلدِ الدروز، لحِقنا بمَجموعتِنا ومَن لجَؤوا إليها، إذ كانَ الوضعُ هادئًا فيها، لأنّهم أصدقاءٌ لليهودِ، وظللتُ وحيدةً بعيدةً عنِ المَجموعةِ، أضُمُّ أطفال. وحينَ جلستُ أرتاحُ، "راحتِ السّكرة وجاءت الفكرة"، فأخذت أبكي وأحضن أطفالي!
حضرَ رجُلُ البيتِ يَطلُبُ منّي الانضمامَ إلى مجموعةِ بلدي، فأخبرتُهُ أنّي لا أعرفُ أحدًا منهم، وأنّي غريبةٌ عن البلد ومقطوعةٌ، وأنّي مِن قريةِ المغار، فعرفَ أهلي وعائلتي، وندَهَ زوجَتَهُ كي تفتحَ لي المَضافةَ قائلًا: هؤلاء أهلها ياما أكلتُ مِن خبزِهِم وخيْرِهِم!
وبرمشةِ عينٍ، دَشَعَتِ النّساءُ وأطفالُهُنَّ للمَضافةِ، وأكلَ الجميعُ وأكلتُ معَ أطفالي، بعدَما استشعرتُ قليلًا مِنَ الأمانِ، وبعدَما أطعَموا دابّتي واطمأنّ قلبي.
في الصباحِ قرّرنا أنْ نُغادرَ ونتابعَ المَسيرَ، لكن أحد الرجالِ طلبَ منّا التمهُّلَ والتصويت، هل نُشَمِّلُ
للبنانَ
، أم نعودُ إلى بلدِنا ونختارُ الموتَ فيه؟!
كانَ الصوتُ الأرجحُ يُنادي بالعودةِ والموْتِ، فعُدْنا للبلدِ على وجهِ اللهِ وبرَكتِهِ!
لكن بعدَ يومَيْن، عادَ 130 جنديًّا مِن الجيشِ اليهوديِّ للبلدِ، حينَ رأوا القناديلَ المُضاءةَ في اللّيل، وطلبوا مِنَ المُختارِ تفريغَ البلدِ مِنْ أهلِها اللّيلة، فوعدَهُمُ المُختارُ أنْ يكونَ في الغدِ ما يُريدونَهُ، وبسرعةٍ، أرسلَ النّاطورَ إلى البيوتِ، ليَجمَعَ مِن كلِّ بيتٍ ليرتيْن، ليُحضِّرَ وليمةً للجيشِ اليهوديّ، وأحضرَ المَشروباتِ الروحيّةَ لهُم، وعشّاهم، وحينَ سَكِرَ الضابطُ وجنودُهُ، طلبَ منهُ المُختارُ أنْ يُوَقِّعَ على وثيقةِ إبقاءِ الأهلِ في البلدِ، وهكذا نجا الأهلُ مِنَ التّشريدِ والتّغريبِ، وبقوْا في بلدِهِم!
بعدَ خمسةِ شهور، أخرَجوا الرّجالَ العربَ مِنَ السّجونِ، ولكن أعادوا إلى البلدِ فقط، مَنْ بَقِيتْ زوجَتُهُ وأطفالُهُ في البلدِ، ومَنْ رَحَلتْ نِساؤُهُم إلى
لبنان
، أخذوهُم بسيّاراتِ الجيشِ، وألْحَقوهُم بنِسائِهم إلى
لبنان
، وكبّوهُمْ على الحدود!
بعدَ الاحتلالِ، صارتْ هناكَ دكاكينُ إعاشةٍ في كلّ بلدٍ وبلدٍ، تُوزّعُ مُؤنًا أساسيّةً على أهلِ البلدِ، وبكمّيّاتٍ مُحدّدةٍ، بحسبِ عددِ أنفارِ الأسرة، وكانَ النّاسُ يَقفونَ في صفٍّ طويلٍ، وينتظرونَ دوْرَهُم، ليأخذوا نصيبَهُم مِنْ سُكّرٍ وزيْتٍ وطحينٍ وقهوة.
بمشوارِ حياتِنا يا ما عانينا وشفنا وذقنا، فلمّا كنّا في البعنة، كانتِ الحياةُ مُرّة وبدون ماء، وزوْجي كانَ يعملُ خارجَ البعنةِ ويعودُ ليلًا، فكنتُ أنتظرُ حتّى الظهر بعدما يَنام أولادي، وأمضي مِن البعنة إلى عين الماء في دير الأسد، وأمشي مسافةً طويلةً حتّى أُؤَمّنَ الماءَ في البيتِ للشّربِ والغسيلِ، وبسببِ الظروفِ الصعبة، انتقلناعام 1962 للسكن في مدينة شفاعمرو، ومكثنا في بيتِنا المُستأجَرِ أربعةَ شهورٍ بدون ماءٍ، ولكن كان لدينا جيران طيّبون، أخذنا مِن عندهم الماء، إلى أن أتمَمْنا مُعاملاتِ البلديّة، وصارَ في بيتِنا خطّ ماء!
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
النّاصرةُ تُكَرِّمُ الشّاعرَ الزّجّالَ سُعودَ الأسدي
آمال عوّاد رضوان تُحاورُ القاصّةَ والرّوائيّة فاطمة يوسف ذياب!
الواقع اللغويّ وأزمة الهُويّة!
درب المعاناة بين طولكرم والجليل! حوار ومتابعة/ آمال عوّاد رضوان
حيفا تحتفي بالكاتب د. سميح مسعود
أبلغ عن إشهار غير لائق