لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    نقابة الصحفيين تدعو إلى سرعة إطلاق الصحفي المياحي وتحمل المليشيا مسؤولية حياته    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    السوبرمان اليهودي الذي ينقذ البشرية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



HRW : بين الطائرة بدون طيار والقاعدة
نشر في سيئون برس يوم 23 - 01 - 2014

المدنيون يدفعون ثمن عمليات القتل المستهدف الأميركية في اليمن(HRW)
ملخص:
في مساء 29 أغسطس/آب 2012،تجمع خمسة رجال في بستان لنخيل البلح خلف المسجد المحلي في قرية خشامر بجنوب اليمن الشرقي. وبعد لحظات قامت طائرة أمريكية تطيّر عن بعد، أو ما يعرف بالطائرات بدون طيار، بإطلاق 3 صواريخ "هيلفاير" على المجموعة.
تسببت الغارة في قتل أربعة من الرجال على الفور، ناثرة أشلاءهم على الأرض، ولحقت هبّة الانفجار الناجم عن صاروخ رابع بالرجل الخامس وهو يزحف مبتعداً، فثبتته إلى جدار بعد أن فارقته الحياة.
وصفت وزارة الدفاع اليمنية ثلاثة من الرجال بأنهم من أعضاء "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، وهي الجماعة المسلحة التي تستوطن اليمن وتحارب الحكومة اليمنية، وتطلق عليها الحكومة الأمريكية صفة أنشط منتسبي القاعدة. قالت الوزارة إن الرجال قتلوا "وهم يقابلون رفاقهم".
غير أن "الرفيقين" اللذين كانوا يقابلونهما لم يكن لهما ارتباط معروف بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية، بل كانا بالأحرى عضوين مرموقين في مجتمعهما، هما سالم بن أحمد بن علي جابر، رجل الدين والوالد لسبعة أطفال، الذي طالما حمل في خطبه على الأساليب العنيفة للقاعدة في شبه الجزيرة العربية. وكان الآخر ابن عمه، وليد عبد الله بن علي جابر، أحد رجال المرور القلائل في القرية. قال أقارب الرجلين إن أعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية الثلاثة المزعومين طلبوا مقابلة رجل الدين لأنه كان في خطبة الجمعة الأسبق قد وجه إدانة شديدة اللهجة للقاعدة في شبه الجزيرة العربية في المسجد المحلي. انضم وليد جابر للاجتماع كاحتياط أمني.
كانت غارة خشامر واحدة من ست هجمات عسكرية أمريكية غير معترف بها على أعضاء مزعومين في القاعدة في شبه الجزيرة العربية باليمن، ويتولى هذا التقرير فحصها. تحمل كل واحدة من الغارات أمارات ما يسمى بالقتل المستهدف، وهو قيام إحدى الحكومات بقتل شخص معروف تحت غطاء قانوني ظاهرياً.
خالفت اثنتان من تلك الغارات القانون الدولي الإنساني قوانين الحرب على نحو واضح، حيث أنهما لم تصيبا سوى مدنيين،أو استخدمتا أسلحة عشوائية عديمة التمييز. أما الحالات الأربع الأخرى فربما تكون قد خالفت قوانين الحرب لأن الشخص الذي تمت مهاجمته لم يكن يمثل هدفاً عسكرياً مشروعاً أو لأن الغارة تسببت في أضرار مدنية غير متناسبة وهما استنتاجان يتطلبان المزيد من التحقيقات. في العديد من تلك الحالات، أخفقت الولايات المتحدة أيضاً في اتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر الواقع على المدنيين كما تشترط قوانين الحرب.
ولعل بعض الذين استهدفتهم القوات الأمريكية باعتبار أنهم إرهابيون مشتبه بهم لم يكونوا في الواقع يمثلون أهدافاً عسكرية مشروعة. فحيثما انطبقت قوانين الحرب، يمكن استهداف المقاتلين بالهجوم على نحو مشروع. أما الأشخاص الذين يرافقون الجماعات المسلحة النظامية أو يدعمونها، إلا أن أنشطتهم لا تتعلق مباشرة بالعمليات العسكرية، كأنشطة التجنيد أو الدعاية، فلا يمثلون أهدافاً عسكرية مشروعة.
حيثما تصرفت الولايات المتحدة كطرف في النزاع المسلح بين الحكومة اليمنية وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فإن تحركاتها العسكرية تقع ضمن نطاق قوانين الحرب. وإذا لم يلب القتال بين الولايات المتحدة والقاعدة في شبه الجزيرة العربية معيار النزاع المسلح فإن أية هجمات يجري تنفيذها في استقلال عن نزاع اليمن والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك بعض الهجمات الوارد تفصيلها هنا، تندرج تحت القانون الدولي لحقوق الإنسان. ولا تسمح قوانين حقوق الإنسان باستخدام القوة المميتة إلا في وجود تهديد داهم لأرواح البشر.
وبغض النظر عن الاعتبارات القانونية الدولية فإن الأدلة توحي بقوة بأن الغارات لم تلتزم بسياسات القتل المستهدف التي أفصح عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطاب في مايو/أيار 2013.
إن تلك السياسات، التي تعكس نموذج أقرب لإنفاذ القانون منه للحرب، تنص على أن الولايات المتحدة لن تشن الغارات إلا على أولئك الأفراد "الذين يشكلون تهديداً داهماً للشعب الأمريكي"؛ وعند توافر "ما يقرب من اليقين بعدم تعرض مدنيين للضرر أو القتل"؛ وفي وجود الهدف. قال الرئيس أوباما أيضاً إن الولايات المتحدة "لا تشن غارات حين تمتلك القدرة على الإمساك بالإرهابيين الأفراد؛ فتفضيلنا دائماً هو الاعتقال والاستجواب والملاحقة القانونية". ورغم أن الهجمات المفصلة في هذا التقرير تسبق خطاب أوباما زمنياً، إلا أن البيت الأبيض قال في يوم الإعلان عن تلك السياسات إنها "إما معمول بها فعلاً أو سيجري العمل بها بمضي الوقت".
اعترفت الحكومة اليمنية بأن اثنتين من الغارات الست الموصوفة في هذا التقرير قد أدتا إلى وفيات وإصابات في صفوف مدنيين. كما دفعت مبالغ مالية لعائلات بعض المدنيين المقتولين، لكنها أخفقت في صرف تعويضات مناسبة لكثيرين غيرهم. ولم تعترف الحكومة الأمريكية علناً بتورطها في أية غارة من الست، وبينما يقول مسؤولون أمريكيون إنهم يتعاونون مع السلطات المحلية لتوفير "تعويضات تعزية" للضحايا المدنيين، إلا أننا لا نعرف أية أدلة على قيامها بهذا في اليمن. وبصرف النظر عن مدى مشروعية غارات بعينها فإن وفاة العديد من المدنيين وغياب التعويض لمعظم العائلات قد أديا إلى تغذية الغضب والإحباط الشعبي في اليمن ضد الولايات المتحدة، على نحو يفيد القاعدة في شبه الجزيرة العربية دون شك.
قال فيصل بن علي جابر، أحد أقارب رجل الدين ورجل المرور المقتولين في خشامر، "إننا نحن اليمنيون من ندفع ثمن‘ الحرب على الإرهاب‘. لقد علقنا بين الطائرة دون طيار من ناحية والقاعدة من الأخرى".
القتل المستهدف
تقدر منظمات بحثية أن القيادة الأمريكية المشتركة للعمليات الخاصة، وهي ذراع عسكرية شبه سرية، ووكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه)، قد قامتا بتنفيذ 81 عملية قتل مستهدف في اليمن، إحداها في عام 2002 والبقية منذ 2009. وتسببت غارات الطائرات بدون طيار أو الطائرات الحربية أو صواريخ "كروز" في قتل ما لا يقل عن 473 مقاتلاً ومدنياً، حسب إحصاءات متباينة. كما أجرت الولايات المتحدة المئات من عمليات القتل المستهدف، باستخدام الطائرات بدون طيار في المقام الأول، في باكستان، وعدداً صغيراً من تلك الغارات في الصومال.
وبعد سنوات من الامتناع عن تأكيد تلك الغارات أو نفيها، بدأ الرئيس أوباما وغيره من كبار المسؤولين الأمريكيين في الاعتراف العلني ببرنامج القتل المستهدف في 2010. إلا أن الإدارة لم توفر سوى النزر اليسير من المعلومات عن الغارات الفردية، متذرعة بمخاوف على الأمن القومي. على سبيل المثال، لم تكشف السلطات الأمريكية عن عدد الغارات، ولا عدد المدنيين والمقاتلين المزعومين الذين قتلوا أو جرحوا فيها، ولا عن أهدافها، اللهم إلا باستثناءات محدودة. علاوة على هذا فإن التكييف القانوني الذي تستخدمه الإدارة لعمليات القتل هذه، والذي عرضت خطوطه العريضة في خطب و"ووريقات حقائق" مختلفة أصدرتها الحكومة في العامين الماضيين، كان يتسم بالقصور.
أشاد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي علناً بحملة الطائرات بدون طيار الأمريكية في اليمن، لكن حكومته التزمت صمتاً يكاد لا يقل عن الصمت الأمريكي فيما يخص التفاصيل.
دراسات الحالة
أجرت(هيومن رايتس ووتش) تحقيقات في الغارات الست أثناء رحلتين إلى اليمن في 2012 و2013. تسببت تلك الغارات، التي تعود إحداها إلى 2009 والبقية إلى 2012 و2013، في قتل ما لا يقل عن 82 شخصاً، بينهم على الأقل 57 مدنياً. وقد تمت أربع من الغارات على الأقل بطائرات دون طيار، والخامسة بطائرات دون طيار أو بطائرات حربية، والسادسة بصواريخ "كروز" تطلق ذخائر عنقودية، وهي أسلحة عشوائية عديمة التمييز تمثل أخطاراً لا يمكن قبولها على المدنيين.
ويقيم هذا التقرير مدى التزام هذه الغارات بقوانين الحرب، كما يدرسها من ناحية الأدلة الإرشادية التي أفصح عنها الرئيس أوباما في مايو/أيار 2013 بشأن عمليات القتل المستهدف. تبدو هذه الأدلة الإرشادية وكأنها تعكس القانون الدولي لحقوق الإنسان،الذي يحظر استخدام القوة المميتة في مواقف إنفاذ القانون إلا عند الضرورة القصوى لحماية الأرواح.
إضافة إلى غارة خشامر، يفصّل هذا التقرير الغارات التالية:
.وصاب العالي، 17 أبريل/نيسان 2013: قامت طائرتان بدون طيار بإطلاق ما لا يقل عن ثلاثة صواريخ من طراز "هيلفاير" على سيارة في وصاب العالي، وهي بلدة بمحافظة ذمار في وسط اليمن. تسببت الصواريخ في قتل رجل يشتبه في أنه من القادة المحليين للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو حميد الردمي، واثنين من حراسه. ويبدو أن الغارة لم تمتثل لخطوط إدارة أوباما الإرشادية لأنه كان بالإمكان على ما يبدو أسر الردمي بدلاً من قتله. كان الردمي من أبرز شخصيات وصاب العالي، فكان يتنقل جهاراً للتوسط في النزاعات بين السكان، ويقابل مسؤولين أمنيين وسياسيين بانتظام. ورغم ارتباطه بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية إلا أنه لا توجد أدلة على قيامه بدور في عمليات عسكرية، كان من شأنها أن تجعله هدفاً عسكرياً مشروعاً.
.المصنعة،23 يناير/كانون الثاني 2013: تسبب صاروخ أو أكثر من طراز "هيلفاير"، تم إطلاقها من طائرة دون طيار، في قتل جميع الأشخاص الأربعة الذين كانوا يستقلون شاحنة في قرية المصنعة مسافرين إلى بلدة سنحان القريبة، على بعد 20 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة صنعاء. كان اثنان من الركاب من أعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية المشتبه بهما، بينما كان الآخران، السائق وابن عمه، مدنيين استأجرهما عضوا القاعدة المشتبه بهما لقيادتهما إلى سنحان. وبحسب الأهمية العسكرية لعضوي القاعدة في شبه الجزيرة العربية المستهدفين، يمكن أن تكون الغارة قد تسببت بموجب قوانين الحرب في ضرر غير متناسب للمدنيين. برأ وزير الداخلية اليمني ابني العم من أي ارتباط بالهدفين في خطاب لعائلتهما، لكن أقاربهما قالوا إنه لا الحكومة اليمنية ولا الأمريكية قد قدمت أي تعويض للعائلة.
.قرية بيت الأحمر، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2012: تسببت غارة طائرة بدون طيار في قتل المقدم عدنان القاضي، وهو ضابط في إحدى الوحدات المتميزة بالجيش اليمني وكان يشتبه في أنه من قادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية المحليين في بيت الأحمر، وهي بلدة عسكرية تبعد 15 كيلومتراً عن صنعاء. أدت الغارة أيضاً إلى قتل أحد حراسه. وفي تناقض مع خطوط إدارة أوباما الإرشادية، توحي الأدلة بأنه كان من الممكن أسر القاضي بدلاً من قتله. كما لم يتضح قيامه بدور عسكري عملياتي لحساب القاعدة في شبه الجزيرة العربية. في أبريل/نيسان 2013 أصدرت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مقطع فيديو "يعترف" فيه صبي عمره 8 سنوات، محتجز مع أبيه الجندي، بأن بعض ضباط الجيش أوعزوا إليه بزرع أداة تعقب في سيارة القاضي.
.قرية حمة صرار،2سبتمبر/أيلول 2012: بينما كانت طائرتان بدون طيار تحلقان، قامت طائرتان حربيتان أو طائرتان بدون طيار بمهاجمة سيارة تتجه شمالاً من مدينة رداع وسط اليمن. تسببت الغارة في قرية حمة صرار في قتل 12 من الركاب، بينهم 3 أطفال وسيدة حامل، في انتهاك للحظر الذي تفرضه قوانين الحرب على الهجمات التي لا تميز بين المدنيين والمحاربين. نجا السائق والراكب الثالث عشر. أما هدف الغارة الظاهري، الزعيم القبلي عبد الرؤوف الذهب، فلم يكن في السيارة، ولم يتضح ما إذا كان من أعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية أصلاً. اعترفت الحكومة اليمنية بأن الغارة كانت خطأ، لكنها لم توفر لعائلات الضحايا سوى تعويضات محدودة طيلة شهور: 100 بندقية هجومية من طراز "كلاشنكوف" ومبالغ نقدية مقابل تكاليف الدفن. وفي يونيو/حزيران 2013 فقط، حين أثارت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى القضية مع الولايات المتحدة، قامت السلطات اليمنية بتعويض العائلات عن الوفيات.
.المعجلة،17 ديسمبر/كانون الأول 2009: ألقت البحرية الأمريكية ما قد يصل إلى خمسة صواريخ "توماهوك" عابرة للقارات ومسلحة بذخائر عنقودية على قرية المعجلة بمحافظة أبين الجنوبية. وصف مسؤولو الحكومة اليمنية الغارة بأنها غارة جوية يمنية قتلت 34 "إرهابيا" في معسكر للتدريب. وبحسب تحقيق الحكومة اليمنية، تسببت الغارة فعلياً في قتل 14 مقاتلاً مشتبهاً به للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، بمن فيهم الهدف الأساسي الظاهري، محمد صالح الكازمي، لكنها قتلت أيضاً 41 مدنياً محلياً من المقيمين في مخيم بدوي، بينهم 9 سيدات و21 طفلاً. كما تسببت مخلفات الذخائر العنقودية فيما بعد في قتل 4 مدنيين إضافيين وجرح 13 آخرين. والأصح أن تعتبر الغارة مخالفة للقانون الدولي لحقوق الإنسان. ولكن حتى بقصر التحليل في نطاق قوانين الحرب فإن الهجمة استخدمت الذخائر العنقودية العشوائية عديمة التمييز، وتسببت في خسائر مدنية عشوائية وقد تكون غير متناسبة. لم تتلق العائلات أية تعويضات عن الوفيات أو الإصابات.
لم يرد المسؤولون الأمريكيون أو اليمنيون على أسئلة مكتوبة من هيومن رايتس ووتش تتعلق بالحالات الست وبسياسات القتل المستهدف. اعترف مسؤول حكومي يمني مطلع على الغارات، وتحدث مع هيومن رايتس ووتش بشرط حجب هويته، بأن وضع الهدف من حيث انتمائه لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية كان في بعض الحالات يقع في منطقة رمادية:
لم يتضح في بعض الحالات ما إذا كانوا قادة عسكريين بالفعل أم مجرد منفذين للهجمات. لكنهم يقومون بعمليات التجنيد جهاراً... وشن الغارات ليس أكثر المواقف أخلاقية [في بعض الحالات]. لكن إذا لم تضربهم، هل سيجندون المزيد؟ هذا هو الجدل الدائر.
قال المسؤول إن الحكومة اليمنية ليس لها أي سيطرة تقريباً على أقسام كبيرة من اليمن، وبالتالي فهي "أضعف" من أن تقبض على الكثير من المشتبه بهم: "إن جهازنا الأمني في حالة من الفوضى... فماذا نفعل؟ الحل الأسهل هو أن نقضي عليهم".
القانون الدولي والسياسة الأمريكية
تتوقف مشروعية "القتل المستهدف" بموجب القانون الدولي على ما إذا كانت الهجمة قد أجريت أثناء نزاع مسلح أو أثناء عملية لإنفاذ القانون. ينطبق القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، أثناء النزاعات المسلحة بين دول أو بين دولة وجماعة مسلحة غير حكومية. وينطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان في كافة الأوقات، باستثناء ما تجبّه قوانين الحرب المحددة.
ولا تسمح قوانين الحرب بشن هجمات إلا على المقاتلين الأعداء وغيرهم من الأهداف العسكرية. ويشمل المقاتلون أفراد الجماعات المسلحة المشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، لكنهم لا يشملون من يؤدون أدواراً غير عسكرية خالصة. ولا تعد كافة الهجمات المؤدية إلى وفيات أو إصابات مدنية منتهكة لقوانين الحرب بل فقط تلك التي تستهدف مدنيين، أو لا تميز بين المدنيين والمقاتلين، أو تسبب خسائر مدنية مفرطة بالقياس إلى المكسب العسكري المتوقع. وعلى أطراف النزاع اتخاذ كافة الخطوات الممكنة لتقليل الضرر الواقع على المدنيين، بما في ذلك عن طريق عدم الانتشار في المناطق كثيفة السكان. ويقع على الدول التزام بالتحقيق في الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب وملاحقة من تثبت مسؤوليتهم عنها جنائياً.
خلفية:اليمن والقاعدة
اليمن بلد يسكنه 25 مليون نسمة ويقع على الطرف الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية. وقد مثل اليمن أرضاً خصبة للمقاتلين الإسلاميين قبل تكوين القاعدة في شبه الجزيرة العربية عام 2009 بوقت طويل. فالكثير من أراضي اليمن الوعرة يخرج عن سيطرة الحكومة المركزية. وباعتباره أحد أفقر بلدان الشرق الأوسط فإن به أعداداً كبيرة ومتزايدة من الشباب العاطلين. كما أن موارده من النفط مصدر الدخل الرئيسي للحكومة والماء آخذة في النضوب.
اكتسب تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وما سبقه من تنظيمات، القوة أثناء رئاسة علي عبد الله صالح التي دامت 33 عاماً، والذي كانت حكومته تكرس اهتماماً أكبر لمحاربة المتمردين المعروفين بالحوثيين في الشمال، وسحق حركة انفصالية في الجنوب، واسترضاء المصالح القبلية، من اهتمامها بمحاربة المتشددين الإسلاميين المسلحين.
وأثناء الفراغ الأمني الناجم عن انتفاضة 2011 في اليمن، أنشأ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية فرعاً محلياً له هو "أنصار الشريعة" احتل عدة بلدات في الجنوب. تنازل صالح عن الرئاسة في فبراير/شباط 2012 لنائبه منذ وقت طويل عبد ربه منصور هادي، الذي تعهد بقيادة البلاد إلى انتخابات عامة في 2014.
أصول الحركات الإسلامية المسلحة في اليمن
في ثمانينيات القرن العشرين كان الكثير من الشباب اليمني يعتبر أن القتال في أفغانستان في صفوف المجاهدين المدعومين من الولايات المتحدة ضد قوات الاحتلال السوفييتي هو طقس من طقوس العبور. واستمر اليمنيون يتدربون في أفغانستان تحت حكم الطالبان خلال التسعينيات، برضا الحكومة اليمنية والقبائل والشيوخ النافذين على السواء.
وكان أسامة بن لادن، الذي كان والده يمنياً، يرى في البلد قاعدة مثالية لعملياته. فقام المقاتلون الذين تدربوا مع بن لادن في أفغانستان بتكوين جماعة متشددة مسلحة تدعى "الجهاد الإسلامي في اليمن" سنة 1990، ثم أخلفها "الجيش الإسلامي في عدن وأبين" سنة 1994، و"القاعدة في اليمن" في 1998.
قام الرئيس صالح بدمج العديد من محاربي الحرب الأفغانية القدامى في قواته الأمنية، مستخدماً إياهم لمحاربة المتمردين الحوثيين في الشمال علاوة على الانفصاليين في الجنوب.
وبدأت زيجة المصلحة هذه تنهار في أكتوبر/تشرين الأول 2000، حين قامت "القاعدة في اليمن" بمهاجمة مدمرة البحرية الأمريكية "كول" قبالة ساحل عدن، الميناء اليمني الجنوبي، فقتلت 17 بحاراً أمريكياً. وتحت ضغط الولايات المتحدة وحلفائها، تعهد صالح بكبح جماح الجماعة. ورداً على هذا بدأ جيل جديد من المتشددين المسلحين اليمنيين ينظرون إلى السلطات اليمنية كهدف إضافي. وكان كثير من هؤلاء المتشددين قد شحذ قدراته القتالية في العراق، حيث انضموا للمعركة ضد قوات الغزو بقيادة الولايات المتحدة في 2003، دون تدخل يذكر من الحكومة اليمنية.
وتلاحم الجيل التالي بعد هروب 23 مشتبها في ارتباطهم بالقاعدة عام 2006 من سجن تابع لجهاز الأمن السياسي في العاصمة اليمنية صنعاء، بمعونة من الداخل على ما يبدو. في 2007 قامت القاعدة في اليمن بقتل ثمانية أسبان ويمنيين في مزار سياحي بمحافظة شبوة الشرقية. وفي 2008 أطلقت الجماعة النار على سائحين بلجيكيين وسائقهما في حضرموت في الجنوب الغربي فأردتهم. وفي نفس العام هجم انتحاريون على السفارة الأمريكية في صنعاء فقتلوا 17 يمنياً ويمني أمريكي واحد. كما أصدرت القاعدة في اليمن في 2008 أيضاً مجلتها "صدى الملاحم". وفي العالم التالي تسبب انتحاري تابع للقاعدة في اليمن في قتل أربعة سائحين من كوريا الجنوبية وسائقهم اليمني في حضرموت.
تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية
في يناير/كانون الثاني 2009، اندمج تنظيما القاعدة السعودي واليمني في تنظيم واحد هو القاعدة في شبه الجزيرة العربية ومقره اليمن. وسرعان ما سلطت هذه الجماعة التي اتخذت من اليمن مقراً لها، أنظارها على أهداف دولية وإقليمية ومحلية أيضاً. وفي ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام أشارت الولايات المتحدة إلى القاعدة في شبه الجزيرة العربية على أنها أنشط فروع القاعدة.
وتتراوح التقديرات لحجم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بين عدة مئات وبضعة آلاف من الأعضاء، يشارك الكثيرون منهم في العمليات العسكرية. وأغلب الظن أن الدائرة الداخلية للجماعة تضم 50 إلى 100 عضو، ويعد 10 إلى 24 منهم شخصيات محورية. وتضم الطبقة العليا قائد الجماعة ناصر الوحيشي. في أغسطس/آب 2013، ترددت تقارير بأن أيمن الظواهري، رئيس القاعدة المركزية، قد عين الوحيشي "مسؤولا عاماً".
وقد انتشر الكثير من مقاتلي القاعدة في شبه الجزيرة العربية بشكل حصري للتمرد على الحكومة اليمنية، بمن فيهم المقاتلون مع أنصار الشريعة، الفرع المحلي الذي أنشأته الجماعة في 2011. وصفت القاعدة في شبه الجزيرة العربية جماعة أنصار الشريعة بأنها أداة لنشر تفسير الجماعة الصارم للشريعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
في أغسطس/آب 2009 في المملكة العربية السعودية، حاول انتحاري قتل محمد بن نايف، الذي كان يترأس جهود المملكة في مكافحة الإرهاب. كما تبنت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مسؤولية محاولة تفجير طائرة ركاب أمريكية في طريقها إلى ديترويت يوم عيد الميلاد المجيد سنة 2009، على يد نيجيري حاول تفجير متفجرات في ثيابه الداخلية دون نجاح. وفي ذلك العام تبنت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مسؤولية مخطط آخر باء بالفشل لوضع عبوات حبر محملة بالمتفجرات على متن طائرتي بضائع متجهتين إلى الولايات المتحدة.
وفي يوليو/تموز 2010 أصدرت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مجلة باللغة الإنجليزية، هي "إنسباير"، يقصد منها تجنيد أعضاء من المتحدثين بالإنجليزية، وتبرير أفعال الجماعة وسط الشعوب المسلمة غير العربية على السواء. ويضم كتّاب "إنسباير" رجل الدين الأمريكي أنور العولقي، الذي قتل في غارة أمريكية بطائرة دون طيار في اليمن في 2011. اجتذب العدد الأول انتباه العالم بفضل وصفة قدر الضغط، "اصنع قنبلة في مطبخ العائلة".
في 2012 أحبطت وكالة المخابرات المركزية مخططاً للقاعدة في شبه الجزيرة العربية لتفجير طائرة ركاب أمريكية عن طريق "ترقية" لفكرة "قنبلة الملابس الداخلية" التي أخفقت في أن تنفجر كما يجب في 2009. وفي جلسة تأكيد تعيين جون برينان كمدير لوكالة المخابرات المركزية في فبراير/شباط 2013، أكد برينان الذي كان وقتها كبير مستشاري الرئيس أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب أنه أبلغ محللي الأخبار بأن المخطط لم يكن يمثل تهديداً جدياً قط لأن الولايات المتحدة تمتلك "سيطرة من الداخل" عليه.
أما داخل اليمن فإن الأهداف الرئيسية للقاعدة في شبه الجزيرة العربية تتمثل في مسؤولي الحكومة اليمنية الأمنيين والأجانب. وقد أدت هجمات الجماعة إلى قتل المئات من الأفراد العسكريين وأفراد المخابرات بالحكومة. وبصفة عامة لم تستهدف القاعدة في شبه الجزيرة العربية المدنيين اليمنيين، إلا أنها قتلت عدة يمنيين كانت قد وصفتهم بأنهم "مرتدون" أو "مثليون" أو "جواسيس" لحكومتي اليمن والولايات المتحدة. [19] في أكتوبر/تشرين الأول 2013 قتلت القاعدة في شبه الجزيرة العربية حارساً ألمانياً يتولى حماية السفير الألماني في اليمن. وحتى توقيت كتابة هذا التقرير كانت القاعدة في شبه الجزيرة العربية تحتجز عدة أجانب لطلب الفدية، بينهم دبلوماسي سعودي.
وفي 2011 استولت أنصار الشريعة المنبثقة عن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على بلدتين رئيسيتين وما يحيط بهما من قرى في محافظة أبين الجنوبية، أثناء الفراغ السياسي الناجم عن انتفاضة اليمن في 2011. فرت القوات الحكومية اليمنية من مواقعها بينما كان مقاتلو الأنصار يزحفون على أبين.
أعلنت أنصار الشريعة دولة الخلافة في المناطق التي تسيطر عليها وفرضت تفسيرها للشريعة الإسلامية على السكان المحليين. وفي نفس الوقت استمالت الجماعة بعض السكان بتوفير المياه والخدمات الأساسية. جندت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مئات المقاتلين، إن لم يكن الآلاف منهم، من صفوف الشباب اليمني العاطل، الذين كان كثيرون منهم قد تسربوا إلى القوات الموالية للحكومة بعد انسحاب أنصار الشريعة من أبين.
تكفلت تشكيلة من القوات اليمنية، والمليشيات الموالية للحكومة، والغارات الجوية الأمريكية وكذلك السعودية حسب بعض المزاعم، بدحر أنصار الشريعة عن أبين في يونيو/حزيران 2012 بعد شهور من القتال الذي بدا فيه أن القوات اليمنية وقوات الأنصار على السواء تنتهك قوانين الحرب. تفرق مقاتلو الأنصار إلى الجهات النائية من أبين ومحافظات أخرى، تخرج عن سيطرة الحكومة في الأغلب الأعم.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2012، رصدت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مكافأة لقتل السفير الأمريكي في اليمن أو أي جندي أمريكي في البلاد. وحتى توقيت كتابة هذا التقرير تواصل القاعدة في شبه الجزيرة العربية الاشتباك المنتظم مع القوات الحكومية اليمنية وقتل كبار المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين في تفجيرات وعمليات إطلاق نار من سيارات، تشمل صنعاء ومدينة عدن الجنوبية. في أغسطس/آب 2013 ظهرت تقارير تفيد باعتراض الوحيشي، قائد القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بينما كان يخطط إلكترونياً لهجمات على أهداف أمريكية مع الظواهري، زعيم القاعدة المركزية، مما حدا بإدارة أوباما إلى إغلاق 22 بعثة دبلوماسية أمريكية في أنحاء العالم بشكل مؤقت.
عمليات القتل المستهدف والنشاط الأمريكي لمكافحة الإرهاب في اليمن
تعد الحكومة الأمريكية أكبر مانح غربي لليمن، إذ تمنح البلاد منذ 2007 أكثر من مليار دولار أمريكي، معظمها مخصص لبرامج مكافحة الإرهاب. ومنذ 2009، اضطلعت عمليات القتل المستهدف، وهي قيام إحدى الحكومات بقتل فرد معروف عمداً تحت غطاء قانوني ظاهري، اضطلعت بدور متزايد الأهمية في الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب في اليمن. كما يتلقى اليمن دعماً أمنياً وتنموياً من "أصدقاء اليمن"، وهي مجموعة من 39 بلداً ومنظمة دولية.
تدريب وحدات مكافحة الإرهاب اليمنية
تم تخصيص أكثر من نصف المليار دولار المقدمة كمعونة أمريكية لتدريب وتجهيز وحدتين لمكافحة الإرهاب كان يرأسهما حتى 2013 أقارب الرئيس السابق صالح، وهذا بحسب تقرير للمكتب الأمريكي العام للمحاسبة. وجد التقرير أن "صانعي القرار يفتقرون إلى المعلومات اللازمة لإجراء تقييم واف" لنتائج هذه المعونة.
نادراً ما شاركت الوحدتان اليمنيتان وهما "قوات العمليات الخاصة" العسكرية و"وحدة مكافحة الإرهاب" شبه العسكرية في عمليات لمكافحة الإرهاب خارج العاصمة، وقد تم نشرهما أثناء انتفاضة 2011 لحراسة الرئيس في ذلك الوقت صالح. كان ابن صالح، أحمد علي صالح، يترأس "قوات العمليات الخاصة" علاوة على رئاسته للحرس الجمهوري. أما "وحدة مكافحة الإرهاب" فكان يديرها ابن شقيق صالح، يحيى صالح، كجزء من قوات الأمن المركزي. ارتكب كل من الحرس الجمهوري وقوات الأمن المركزي انتهاكات لحقوق الإنسان أثناء انتفاضة اليمن في 2011. [33] خضعت كل تلك القوات لإعادة تنظيم في 2013 كجزء من إعادة هيكلة أوسع نطاقاً لقطاع الأمن اليمني تحت إشراف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
أوائل عمليات القتل المستهدف في 2002 واستئنافها في 2009
في 2002 صار اليمن مسرح أول عملية قتل مستهدف أمريكية معروفة عن طريق طائرة يتم تطييرها عن بعد، أو طائرة بدون طيار. شنت طائرة أمريكية من طراز "بريديتور" غارة قتل فيها أبو علي الحارثي، زعيم القاعدة في اليمن. كما قتلت الغارة خمسة آخرين من الأعضاء المزعومين في القاعدة في اليمن، بينهم المواطن الأمريكي أبو أحمد الحجازي.
وطوال أعوام سبعة لم تجر الولايات المتحدة عمليات قتل مستهدف معروفة أخرى في اليمن، بينما تصاعدت أعداد تلك الغارات في باكستان. ثم استأنفت الولايات المتحدة عمليات القتل المستهدف في اليمن في 2009 في غضون أيام من تسمية القاعدة في شبه الجزيرة العربية منظمة إرهابية. ومنذ ذلك الحين تقدر منظمات بحثية أن الولايات المتحدة نفذت ما يقدر ب81 عملية قتل مستهدف في اليمن بطائرات حربية أو طائرات دون طيار أو صواريخ عابرة للقارات منطلقة من البحر. لم تنشر الولايات المتحدة أو اليمن عدد القتلى في هذه العمليات. وتفيد منظمات بحثية بأن ما لا يقل عن 473 شخصاً قد قتلوا في هذه الغارات، معظمهم محاربون لكن كثيرين منهم مدنيون.
كانت الولايات المتحدة تنظر إلى صالح كشريك غير مضمون في مكافحة الإرهاب. إلا أن الرئيس أوباما أشاد بخليفته، الرئيس هادي، كحليف راسخ في الجهد الأمريكي لمحاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وفي ظل هادي تضاعفت عمليات القتل المستهدف أربع مرات في 2012 عن العام السابق. ورغم تباطؤ المعدل في 2013، إلا أن القوات الأمريكية حتى توقيت كتابة هذا التقرير قد نفذت 22 غارة بطائرات دون طيار في اليمن خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، متجاوزة للمرة الأولى عدد غاراتها في باكستان.
قال مسؤول حكومي يمني مطلع على الغارات ل هيومن رايتس ووتش إن الغارات الجوية الأمريكية تسببت في قتل ما لا يقل عن تسعة أهداف "عالية القيمة" مزعومة. ويشمل هؤلاء أربعة من قادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وأجدرهم بالذكر رجل الدين أنور العولقي الذي وصفته إدارة أوباما بأنه مدير العمليات الخارجية في الجماعة، وسعيد الشهري، نائب قائدها الذي نجا من ضربتين أمريكيتين سابقتين على الأقل.ويسود اعتقاد ببقاء العديد من قادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية الآخرين مطلقي السراح، بمن فيهم ثلاثة على الأقل من مؤسسي الجماعة الأربعة: قائد القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الوحيشي، وقائدها العسكري قاسم الريمي، وصانع القنابل إبراهيم العسيري.
سرية عمليات القتل المستهدف
اعترف الرئيس أوباما وغيره من كبار المسؤولين الأمريكيين علناً ببرنامج القتل المستهدف بعبارات عامة منذ 2010، وباستخدام طائرات دون طيار مسلحة في البرنامج منذ 2012. إلا أن الولايات المتحدة، باستثناءات قليلة، ترفض إصدار أي تأكيد أو نفي رسمي لدورها في غارات محددة، سواء في اليمن أو في أماكن أخرى. كما ترفض الإفصاح عن تفاصيل أساسية أخرى من قبيل أرقام الخسائر وسط المحاربين أو المدنيين، أو هوية وأعداد الأفراد الموجودين على قائمة القتل، أو نطاق أية تحقيقات فيما بعد الغارات ونتائجها. وترفض أيضاً نشر مقاطع الفيديو الخاصة بغارات الطائرات بدون طيار.
تقوم القيادة المشتركة للعمليات الخاصة، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، بتنفيذ معظم عمليات القتل المستهدف في اليمن، بالتنسيق مع وكالة المخابرات المركزية. وثمة تقارير تفيد بأن وكالة المخابرات المركزية لها السلطة على كافة عمليات القتل المستهدف في باكستان تقريباً، وهي تفرض تعتيماً معلوماتياً على غاراتها، رغم الضغط المتزايد للكشف عن تفاصيل أساسية. [44] أما القيادة المشتركة للعمليات الخاصة فهي تماثلها تقريباً في السرية. وقد تنبأت تقارير إعلامية في النصف الأول من 2013 بأن الرئيس أوباما سيعلن عن نقل السلطة على الغارات من وكالة المخابرات المركزية إلى الجيش الأمريكي، لكنه لم يفعل هذا حتى توقيت كتابة هذا التقرير.
وقد أدلى بعض مسؤولي الحكومة اليمنية أحياناً بتصريحات كاذبة مفادها أن الغارات الجوية الأمريكية في اليمن من عمل القوات الجوية اليمنية.
ثم أن تعذر الوصول إلى مناطق الغارات، التي يعد معظمها أخطر من أن يزورها محققون ووسائل إعلام عالمية، يجعل التحقق من أرقام الخسائر، وتحديد عدد المدنيين وسط القتلى بشكل قاطع، وتبين ظروف الغارة بالكامل، أمراً شديد الصعوبة.
في خطاب هام حول مكافحة الإرهاب في مايو/أيار 2013، قال الرئيس أوباما إن ثمة "فجوة عريضة" بين تقديرات الخسائر كما تجريها حكومته وكما تجريها المنظمات غير الحكومية، لكنه لم يستفض في الشرح. [48] وقد قال برينان في فبراير/شباط 2013 للجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي إن الخسائر المدنية أثناء عمليات القتل المستهدف "شديدة الندرة". وتشكك هيومن رايتس ووتش في هذه المزاعم في ضوء التقارير العديدة ذات المصداقية التي تفيد بوقوع خسائر مدنية في اليمن وفي باكستان.
قال برينان أيضاً إن على الإدارة أن "تذيع على الجمهور الأعداد الإجمالية للوفيات المدنية الناجمة عن الغارات الأمريكية التي تستهدف القاعدة". وقال، "حين تقتل الولايات المتحدة مدنيين أثناء عمليات القتل المستهدف فإن على حكومة الولايات المتحدة الاعتراف بهذا".
ومع ذلك فإن الإدارة الأمريكية لم تؤكد علناً إلا اثنتين من عمليات القتل المستهدف في اليمن منذ 2009 العمليتين اللتين قتل فيهما 3 مواطنين أمريكيين. ولا يعرف إلا عن واحد منهم فقط أنه كان الهدف المقصود: رجل الدين العولقي، الذي تزعم الولايات المتحدة أنه كان أحد قادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، رغم أنها رفضت الكشف عن مصادر الأدلة ضده عدا واحد. أما المواطنان الأمريكيان الآخران فهما ابن العولقي المراهق، عبد الرحمن أنور العولقي، وسمير خان، رئيس تحرير "إنسباير".
لم تعترف الولايات المتحدة بأي دور عسكري مباشر في اليمن حتى منتصف 2012،حين ساعدت قوات يمنية في تنفيذ غارات جوية ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية وأنصار الشريعة في محافظة أبين. قال الرئيس أوباما في ذلك الوقت إن الولايات المتحدة لا تقتل أشخاصاً لا يمثلون تهديداً مباشراً للولايات المتحدة ومصالحها. إلا أن الولايات المتحدة واصلت حجب كافة تفاصيل غاراتها.
وظهرت في نفس الوقت تقريباً تقارير تفيد بأن إدارة أوباما فوضت المخابرات المركزية والقيادة المشتركة للعمليات الخاصة في تنفيذ ما يعرف ب"ضربات التوقيع"، التي تستهدف الأفراد على أساس نمط سلوكي وليس على أساس معلومات محددة عن أنشطتهم، في اليمن.
"المعاناة الآن أم لاحقاً"
كما نناقش أدناه، كشف الرئيس أوباما في مايو/أيار 2013 عن معيار أعلى لعمليات القتل المستهدف، قائلاً إن أعضاء القاعدة و"القوى المرتبطة بها"، التي لم يحددها، لن يجري استهدافهم إلا إذا شكلوا جزءاً من "تهديد مستمر وداهم" للولايات المتحدة، وأنهم لن يقتلوا إلا إذا تعذر أسرهم.
وبعد شهرين، في أعقاب تقارير ظهرت في يوليو/تموز 2013 وتفيد بوجود مخطط ضد الولايات المتحدة من صنع الوحيشي قائد القاعدة في شبه الجزيرة العربية وأيمن الظواهري، قامت إدارة أوباما بشكل مؤقت بإغلاق 22 بعثة دبلوماسية في أنحاء العالم، وشنت تسع غارات بطائرات دون طيار في اليمن على مدار أسبوعين، فقتلت نحو 36 من أعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية المزعومين.
أنكر الرئيس أوباما تراجعه عن سياسته المعلنة لعمليات القتل المستهدف. ولكن تم الاستشهاد بأحد كبار المسؤولين الأمريكيين في "النيويورك تايمز" في ذلك الشهر وهو يقول إن الولايات المتحدة قد "وسعت من نطاق الأشخاص الذين يمكن أن نطاردهم" في اليمن رداً على المخطط المزعوم.
قال المسؤول، الذي تحدث بشرط حجب هويته، "فيما مضى لم يكن بوسعنا بالضرورة مطاردة سائق يعمل لحساب التنظيم، بل يجب أن يكون مدير عمليات. أما الآن فالسائق فريسة مشروعة لأنه يوفر دعماً مباشراً للمخطط".
كان اثنان من المقتولين على قائمة "الإرهابيين المطلوبين" في اليمن، كما قال مسؤول حكومي يمني ل هيومن رايتس ووتش. [61] إلا أن شبكة "إن بي سي نيوز" أفادت بأن معظم المقتولين في غارات يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013 ليسوا من الأعضاء رفيعي المستوى في القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ولا كان أحد من الأعضاء الثلاثة المزعومين في التنظيم والذين تم استهدافهم في غارة واحدة يتمتع ب"أهمية عملياتية"، مما يثير تساؤلات إضافية عن تطبيق الإدارة لسياستها المعلنة:
تم تسليم قائمة الجيش إلى البيت الأبيض، كما قال مسؤول [أمريكي]، مع رسالة تفيد بأن القضاء على الأهداف الذين كان معظمهم من المستويات الدنيا من المتشددين هو مسألة تتعلق ب"المعاناة الآن أم لاحقا". كان بوسع البيت الأبيض أن يختار بين الانتقاد على الإفراط المزعوم في استخدام الطائرات دون طيار،أو التعامل مع عواقب الإبقاء على المتشددين.
التصديق على الأهداف
تفيد تقارير بأن الرئيس أوباما يحتفظ بالكلمة الأخيرة فيما يتعلق بكل عملية من عمليات القتل المستهدف. وفي اليمن قال الرئيس هادي إنه يصدق شخصياً بدوره على كل غارة.
قال الرئيس هادي إن عمليات مكافحة الإرهاب تخضع لرقابة من مركز عمليات مشترك في اليمن تديره أطقم عسكرية واستخباراتية من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وعمان.
وقد أشاد الرئيس هادي، وهو ضابط عسكري محترف، أشاد علناً بغارات الطائرات بدون طيار، ووصف الطائرات التي تطيّر عن بعد بأنها "أكثر تقدماً من الدماغ البشري". كما اعترف بالغارات التي تخطئ أهدافها في توقيت مبكر من حملة القتل المستهدف، لكنه قال إن اليمن والولايات المتحدة على السواء قد اتخذا "إجراءات متعددة لتجنب أخطاء الماضي".
قال دبلوماسي أجنبي ل هيومن رايتس ووتش، "هادي شديد الانبهار، كرجل عسكري، بالتقنية". لكنه أضاف أن الرئيس اليمني، حتى إذا كان يراجع كل غارة، إلا أنه "يمنح الولايات المتحدة صكاً على بياض" في القرار النهائي.
تنامي القاعدة في شبه الجزيرة العربية وردود أفعالها الغاضبة
أدى السخط الشعبي على الغارات الجوية الأمريكية كما تدل عليه مظاهرات وحواجز منصوبة على الطرق وتؤكده مقابلات مع العشرات من المواطنين اليمنيين إضافة إلى المحللين الأمنيين، والدبلوماسيين، والصحفيين إلى توليد العداء تجاه الولايات المتحدة وزعزعة الثقة الشعبية في الحكومة اليمنية. ويرى محللون أمنيون أن هذا يدعم صفوف القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى حد بعيد.
ويقدر غريغوري جونسن، وهو دارس لليمن وخبير في شؤون القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أن أعداد مقاتلي التنظيم ربما تكون قد تضاعفت 3 مرات منذ استئناف الولايات المتحدة لعمليات القتل المستهدف في 2009، من 300 إلى ما يفوق الألف.
ويقول المحللون المعنيون بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية إن هذا النمو قد ينبع من عدة عوامل، تشمل الفراغ الأمني في اليمن منذ انتفاضة 2011. ويحاجج مسؤولون أمريكيون بأن الأعداد كان يمكن أن تكون أعلى إذا لم تكن الولايات المتحدة تقوم بهجمات نشطة. إلا أن ردود الأفعال الغاضبة من عمليات القتل الأمريكية، فيما وراء القاعدة في شبه الجزيرة العربية ودائرتها الداخلية، هي أكثر ما يتم الاستشهاد به كسبب لمعارضة الهجمات.
وقد أفادت "النيويورك تايمز" في 2012 بأن الولايات المتحدة تركز على قتل أو أسر "نحو 24″ من قادة عمليات القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وليس على تمرد محلي كامل. قال جونسن إن عدد الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة ربما يكون الآن قد انخفض إلى 10 أو 15. في 5 أغسطس/آب 2013، نشرت السلطات اليمنية قائمة ب"الإرهابيين المطلوبين" تحتوي على 25 اسماً. قال مسؤول يمني إن ثلاثة من هؤلاء قد تم احتجازهم منذ ذلك الحين، كما تم قتل اثنين في غارات بطائرات دون طيار، مما خفض العدد إلى 20. وبحسب جونسن: يلقى الكثيرون حتفهم في تلك الغارات. ومع ذلك فما زال زعيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية حياً، وما زال قائده العسكري حياً، وما زال كبير صانعي قنابلها حياً. أما عواقب كل تلك الوفيات فيبدو أنها شيء لا تأخذه الولايات المتحدة في حسبانها.
وقد يكون بعض الذين قتلتهم الولايات المتحدة من خارج دائرة أعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية، إن لم يكن الكثيرين منهم، مقاتلين في التمرد المحلي على الحكومة اليمنية. لكن عمليات القتل هذه، من حيث تعلقها بالسياسة، تخاطر بالتسبب للولايات المتحدة في ضرر أكبر من نفعها، من خلال تنفير قطاعات كبيرة من الشعب اليمني.
ثم أن أي رد فعل غاضب في اليمن يتضاعف لأن الغارات، حتى حين تصيب مقاتلي القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذين يمكن استهدافهم على نحو مشروع في موقف نزاع مسلح، إلا أنها تقتل أفراداً في عائلات وقبائل متلاحمة، لا مجرد مقاتلين من خارج مجتمعاتهم. قال جونسن، "يمكن للولايات المتحدة أن تستهدف وتقتل شخصاً باعتباره إرهابياً، لتفاجأ باليمنيين يحملون السلاح دفاعاً عنه باعتباره ابن قبيلتهم".
وعلى الرغم من ترحيب الرئيس هادي بالغارات إلا أن الكثير من اليمنيين يعتبرونها انتهاكاً للسيادة الوطنية، ويلاحظون أن البرلمان اليمني لم يصرح قط بتدخل أمريكي مسلح في اليمن.
في يوليو/تموز 2013 دعا مؤتمر الحوار الوطني، المكلف بصياغة خارطة الطريق السياسية والدستورية الجديدة للبلاد، إلى "تجريم" أية غارة بطائرة دون طيار تخالف القانون الدولي أثناء عمليات مكافحة الإرهاب، وهذا بموجب القانون الوطني. وتبعد هذه الصياغة عدة خطوات عن ترجمتها إلى أفعال، كما أنها على أي حال تستنسخ المعايير القانونية المعمول بها فعلياً على الصعيد الدولي. ومع ذلك فإن موافقة المؤتمر عليها، وهو يمثل مختلف أطياف المجتمع اليمني، توحي بمدى المعارضة المحلية لعمليات القتل المستهدف.
وقد سارعت القاعدة في شبه الجزيرة العربية بدورها لاستثمار هذا الغضب، ففي أحد أعداد مجلة "إنسباير" لعام 2013، كتبت الجماعة أن الهدف "الحقيقي" لطائرات الولايات المتحدة ليس الإرهاب وإنما الإسلام:
إنها تحوم في اليمن فوق بيوت المسلمين، فتروع الأطفال والنساء والضعاف. بل إنها تقصف الأهداف "المشتبه بها" في القرى والبلدات والمدن… دون حاجة إلى تحديد الهوية الحقيقية للهدف، سواء كان من القاعدة أو لا… إن أوباما يعلن حرباً صليبية! وتلك الصواريخ بلا أعين، ومطلقوها أعمى منها. فهي تقتل من المدنيين أكثر مما من المجاهدين.
ومن العوامل الأخرى المساهمة في ردة الفعل الغاضبة أن كثيراً من اليمنيين يخافون على ما يبدو من الغارات الجوية الأمريكية، ومن قوات الجيش والشرطة اليمنية، أكثر مما يخافون القاعدة في شبه الجزيرة العربية. أثناء انتفاضة اليمن في 2011، قتلت قوات الجيش والشرطة اليمنية العديد من المتظاهرين أو استخدمت القوة المفرطة المميتة بطرق أخرى ضد متظاهرين سلميين إلى حد بعيد. ولا يستبعد هذا الانتهاكات العديدة التي ارتكبتها القاعدة في شبه الجزيرة العربية وأنصار الشريعة بحق المدنيين، لكن الأدلة المتاحة توحي بأن الأغلبية الساحقة من المئات الذين قتلتهم القاعدة في شبه الجزيرة العربية منذ نشأتها كانوا من أعضاء القوات الأمنية اليمنية.
الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب على المدى الطويل في اليمن
إذا كانت الولايات المتحدة تعتبر التأييد الشعبي اليمني مهماً في عملياتها ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية فإن تقليل الخسائر المدنية ينبغي أن يكون على قمة أولوياتها، بغض النظر عما إذا كانت الوفيات المدنية تنتج عن مخالفة القانون الدولي من عدمها. وقد تعلمت الولايات المتحدة هذا الدرس بعد غارات الولايات المتحدة والناتو الجوية على قوات طالبان التي قتلت عشرات المدنيين في أفغانستان. وكما اعترف أرفع القادة العسكريين الأمريكيين في ذلك البلد في 2010: "إذا قتلنا مدنيين أو دمرنا ممتلكاتهم في سياق عملياتنا فسوف نخلق أعداءً أكثر ممن تقضي عليهم عملياتنا".
وفي خطاب الرئيس أوباما في مايو/أيار 2013 حول سياسة مكافحة الإرهاب، قال أوباما إن المرحلة التالية من مواجهة التشدد العنيف "تشمل التعامل مع المظالم الكامنة تحت السطح والنزاعات التي تغذي التطرف".
ويتفق معه العديد من المحللين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني اليمنيين والغربيين ممن تحدثوا مع هيومن رايتس ووتش، محاججين بأن أية استراتيجية لمكافحة الإرهاب في اليمن تتطلب أيضاً التزاماً مستديماً بمعالجة العوامل التي تجعل من البلد أرضاً خصبة للتشدد العنيف. وهذا يعني تشجيع الديمقراطية وتشجيع حكومة أكثر قابلية للمحاسبة، وزيادة معدلات الوصول إلى المتطلبات الأساسية مثل الماء والصحة والتعليم والوظائف.
قال نشوان العثماني، الصحفي والمحلل السياسي الذي يعمل في عدن، "لا تحتاج الولايات المتحدة إلى طائرات بدون طيار لمحاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بل إلى الخبز والجبن فقط".
غير أن القضايا الاجتماعية والاقتصادية ليست إلا جزءاً من المعادلة إذا تجاهلت المظالم السياسية والقمع الحكومي التي تغذي تأييد التطرف. وعلى الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات المعنية أن تضغط على الحكومة اليمنية لتبني إجراءات تضع حداً لانتهاكات حقوق الإنسان من جانب جميع القوات الحكومية والمتحالفة معها، وتحاسب المنتهكين.
في 2012 قدمت حكومة الولايات المتحدة للمرة الأولى مساعدات تنموية أكبر من المساعدات الأمنية الصريحة لليمن 198 مليون دولار للمعونة الاقتصادية والإنسانية، مقارنة ب158 مليون دولار لمكافحة الإرهاب وغير ذلك من المساعدات الأمنية. وفي الوقت نفسه ظلت الولايات المتحدة تؤيد عفواً شاملاً للرئيس السابق صالح وجميع مساعديه عن أية جرائم سياسية يمكن أن يكونوا قد ارتكبوها خلال رئاسته التي امتدت 33 عاماً كجزء من صفقة إخراج صالح من السلطة، مع مواصلة برنامج القتل المستهدف في اليمن. في منتصف 2013 أيضاً تنبأت الولايات المتحدة بأن الحرب على الإرهاب ستستمر لأعوام.
لتحميل التقرير كاملاً اضغط على الرابط ادناه:
www.hrw.org/sites/default/files/reports/yemen1013ar_ForUpload.pdf


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.