المدينة الحالمة (تعز) كما يسميها الكثير .. غبت عنها قرابة نصف عام وهي طبعاً مدينتي ومحافظتي .. اقترب عيد الأضحى وراودني الشوق لرؤية (الحالمة) تعز ، فأعددت للسفر عدته وكان برفقتي أولادي العزاب والمزوجين ونزلنا بسيارتين ، وكلما اقتربنا من تعز يزداد خفقان القلب حباً واشتياقاً لتعز .. لشوارعها النظيفة وأهلها الطيبين المثقفين ومنظرها الرائع خاصةً من جبل (صبر) . هالنا ونحن على مشارف تعز كثرة النقاط العسكرية والأمنية .. بل والمظاهر المسلحة التي لم تألفها تعز الثقافة ولا أهلها المثقفين ، وعند دخولنا المدينة كنا نسمع أصوات الطلقات النارية ونرى المسلحين يسرحون ويمرحون كيفما يشاءون ، وصلت إلى منزلي وأنا لا أكاد اصدق ما حصل ، غلبنا تعب السفر فنمنا ولم نفكر بشيء ، في اليوم التالي قلت في نفسي إن هناك شوارع كنت أرتادها ايام الطفولة والدراسة والمراهقة اشتقت لزيارتها والقيام بدورة ليلية .. نتذكر الأيام الخوالي في تعز (رافقني إثنان من الأولاد) وما إن دَلَفَتْ قدماني خارج المنزل إلا وأخذت الروائح الكريهة تشق طريقها إلى رئتي وإذا بي أرى ما لم أكن أراه في حارتي .. إنها القمامة المتراكمة كأنها تلال ومياه الصرف الصحي تسيل في الشوارع فقلنا ربما هذا في الحارات فقط ، فتحركنا راجلين إلى الشوارع الرئيسية فإذا بنا نرى نفس المشهد .. بل واشد خاصةً في الأسواق ، فكنا نضع المناديل على أنوفنا وكانت هذه الدورة مخيبةً للآمال تمنينا لو كنا في داخل المنزل وأغلقنا الأبواب والنوافذ . الناس يبتاعون ويشترون بحذر وخوف وجيش الدراجات النارية تملاً الشوارع وتزيدها زحمةً وضجيجاً وكأنك تعيش في معركة حامية الوطيس لا تسمع من يكلمك .. بل لا تسمع نفسك ، وترى الكثير قد رفع ثوبه أو بنطاله إلى أعلى خوفاً من أن يتلوث من القمامة أو مياه الصرف الصحي الذي يزكم الأنوف ويثير الغثيان ، وبعد هذه الرحلة المضنية عدنا سريعاً إلى المنزل ،وأخذنا نتساءل ما الذي جرى لهذه المدينة التي حظيت بمشروع المياه والصرف الصحي بوقتٍ مبكر .. بعد ثورة سبتمبر 1962م بفضل الله أولاً ثم بالقنصل الأمريكي الذي كان يعيش في تعز آنذاك ، لقد كنا نسأل بعض الناس أكُلَّ تعز تعاني تكدس القمامة وجريان الصرف الصحي وكذا الإخلال الأمني الملفت للنظر ، فقالوا ليس كل تعز تعاني هذا .. إنك إن صعدت إلى حارة المجلية وما جاورها والتي يقطنها المسئولون (مسئولو تعز من المدنيين والعسكريين) لوجدت هذه الأماكن نظيفة ومرتبة والعمال هناك على مدار الساعة ينظفون هذه الحارات الراقية أما بقية المدينة فكلها إلى الجحيم ، فقلت وأين المحافظ وأعضاء المجلس المحلي والبلدية والصحة وحقوق الإنسان ... إلخ . فرد عليَّ بعض المواطنين بأنهم مشغولون بأمورهم الخاصة وخاصةً أيام العيد ، فبعضهم يقضي عطلة العيد بدول المصايف والآخرين يذهبون مدن أخرى داخل اليمن ، ثم هم أيضاً وربما أولادهم يرتادون هذه الأيام المعارض الفخمة المشهورة بأجود أنواع موضات الملابس الأوروبية والعربية والمواد الغذائية بأنواعها واشكالها ... إلخ فقلت وأين الضرائب التي تفرض على المواطن الكادح والتاجر البسيط ، وكذا الأموال التي تضاف على الفواتير بكل أنواعها ومجالاتها وعلى كل المواطنين لغرض ما يسمى بالنظافة وتحسين المدينة ... إلخ فقالوا إن أغلب هذه الأموال لا تذهب فيما خصصت له .. بل إلى جيوب حمران العيون من المسئولين والموظفين . لقد حزنت لهذه المشاهد والأقوال حزناً شديداً وعزمت على الاتصال بأي جمعية لحقوق الإنسان توصل شكوى مدينة تعز الكبيرة التي تحوي الملايين من البشر إلى منظمات حقوق في الأممالمتحدة لاتخاذ التدابير العاجلة لتفادي ومنع كارثة بيئية محققة لهؤلاء البشر الذين يقطنون المدينة (الحالمة) لولا أن الكهرباء انطفت وانطفأت معها التلفونات .. ، نمنا هذه الليلة ونحن مثقلين بالهموم والأحزان على هذه المدينة ، فلما أصبح الصباح وأشرق بنوره ولاح قمنا لنتوضأ لصلاة الفجر وإذا بالماء معدوم ، سألنا الجيران قالوا ألا تعلم بأن المياه لا يأتي إلى البيوت إلا في الشهر أو الشهرين مره واحدة فنشتري المياه وبمبالغ خيالية تثقل كاهلنا وتزيد الطين بلة والمريض عله .. فندمت على زيارتي هذه لتعز وقلت ياليتنا ما زرنا تعز ولا رأيناها على هذه الصورة فكما يقال : لا عيناً ترى ولا قلباً يحزن .. ، إلا أننا استدركنا هذا التفكير وقلنا ربما كانت زيارتنا فيها الخير والبركة كي نشاهد ما تعاني هذه المدينة ونذكر ذلك للمسؤولين أو أصحاب القرار وكذا زيارة الأرحام فيها من الأجر والثواب الجزيل ، لكننا تسائلنا لماذا هذا الإهمال لمدينة تعز ، أهو انتقاماً من أهلها الذين أشعلوا الثورة السلمية في كل اليمن وضحوا بأغلى ما يملكون في كل ساحات الثورة في اليمن . أم أن المسئولين فيها مات ضميرهم وانتزعت الرحمة من قلوبهم وخانوا أمانة المسئولية أم ماذا ؟ إن لكل مشكلة حل .. إذا وجدت الإرادة من قبل الحكومة ونية التغيير وتحمل المسئولية بصدق وأمانة . وأنا من هذا المنبر أناشد الأخ رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي في توفير الحلول العاجلة لإنقاذ مدينة تعز من الكوارث البيئية وانعدام المياه والأمن والأمان وهذه هي أبسط الحقوق لمدينة يقطنها الملايين من الناس قدموا كل ما يوسعهم لمساندة الثورات اليمنية لينعم الشعب اليمني بتحقيق دولته المدنية الحديثة التي لطالما حلم بها وقدم من أجلها الكثير .