في الوقت الذي تفاخر فيه تعز بجوها المثالي وأناسها الطيبين ومشاقرها الزكية وتراثها العريق وحضارتها القديمة وصبرها الغزير الدفاق، وفوق ذلك ثقافة أبنائها وتوزعهم في كل محافظات الجمهورية واختيارها مؤخراً كعاصمة للثقافة اليمنية.. تلوح في أفقها ألوان الطيف السبعة ذات المنظر الجمالي الرائع والضياء والبهجة متحولة فجأة إلى ألوان طيف سبعة أخرى كلها سوداء معتمة؛ هدفها ألا تعيش هذه المدينة الحالمة كما تعيش بقية المحافظات، الأمر الذي يزيدها معاناة أخرى إلى معاناتها، كما يزيدها تهميشاً وإقصاء متعمدين من قبل أشخاص تربّوا بين أحضانها، وكانت لهم كالأم الرؤوم إن جاعوا أكّلتهم طعاماً شهياً، وإن عطشوا سقتهم لبناً سائغاً، وإن قلقوا ضمتهم واكتنفتهم، وإن بكوا مسحت عيونهم بمناديل الرحمة والمودة والعطف والحنان، لكنهم أنكروا فضلها وتنكّروا لها وأوصلوها إلى ما هي عليه اليوم. من أجل ذلك يقتضي المقام الإفصاح عن هذه الألوان السبعة المعتمة وتشخيص الأمراض من أجل أن يسهل العلاج، ونبدأ بما يذكّرنا فيه الواقع التعزي المر الذي يقول: لقد تغيرت كل ألوان طيف تعز الجميلة إلى ألوان طيف سوداء معتمة؛ أولها: الانفلات الأمني في كل بقعة من بقاع الحالمة، الأمر الذي جعل جل أبناء تعز يخافون من الخروج ليلاً، وتقل حركة السيارات والمارة، وإذا قدّر الله على أحد بمرض ما ليلاً ولم يكن معه سيارة يبقى ساعات طوالاً في الشارع حتى يجد وسيلة مواصلات، وإن لم يجد تتضاعف الأمراض وقد يصل المريض متوفياً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبالتالي لا نسمع عن أشياء تفرح ساكني المدن بل نسمع عن أنفس تزهق وأخرى تذبح وتقطعات هنا وحمل للسلاح هناك من جهة ونهب لأراضي الدولة من جهة أخرى، والقضاء يطيل في القضايا إلا من رحم ربي، ووزارة الداخلية تقوى حيناً وتضعف حيناً آخر، ولا ندري ما الأسباب؟. وثانيها: نرى أشخاصاً شاحبي الوجوه أنهكتهم أمراض عدة أهمها: السرطان والكبد والفشل الكلوي والملاريا، وتأتي آخرها حمى الضنك التي لا يخلو مستشفى من مستشفيات المدينة إلا ومريض أو أكثر دخلها، حاملاً هذا الفيروس، ولا يوجد في المحافظة مستشفيات حكومية نموذجية نضاهي بها دول العالم، وإن وجدنا مستشفيات خصوصية فلا يدخلها إلا ميسورو الحال وأصحاب الأموال، والمواطن المسكين أو حتى الموظف العادي لا يستطيع الدخول إليها بسبب أثمانها الباهظة، وقد تتضاعف الأمراض بسبب عدم إسعاف المرضى مباشرة لعدم وجود المال الكافي، ولسان حال ذلك المواطن يقول: إلى متى تنظر الدولة لأبناء تعز وحمى الضنك تنتهكهم كل يوم؟ متى سنسمع عن أدوية مجانية تصرف للمرضى؟ ومتى سيتم بناء مدينة حمد الطبية الممولة من دولة قطر الشقيقة أم إن هناك أطرافاً مستفيدة من تأخر هذا المشروع الذي سيداوي جراحات وآلام أبناء تعز قبل مرضاهم؟ وأين وزارة الصحة من كل ما يحصل في تعز؟. وثالثها: عطش أبناء تعز، وكم تحدث المتحدثون عن هذا الموت البطيء، وكم سمعنا عن أوامر وتوجيهات من أجل حل مشكلة مياه تعز، وتأهيل ميناء المخا، لكن لا حياة لمن تنادي، وكأنك تنفخ في رماد أو تحرث في بحر. ورابعها: تلوث المدينة بمياه الصرف الصحي؛ فلا تكاد تمر في حي من أحياء المدينة إلا ومياه الصرف الصحي تملأ الشوارع وتزكم الأنوف، ناهيك عن الأمراض التي تسببها لساكني المدن. وخامسها: تلوث المدينة بالقمامات، ولا يتم تصريفها مباشرة إلى خارج المدينة، وانتهت تلك التوجيهات والحملات الموسمية لنظافة المدينة، ولا ندري ما الأسباب؟ ووزارة المياه والبيئة تغط في سبات عميق مزمن، ولا يهمها من يعطش أو يمرض أو يتلوث بمياه الصرف الصحي أو القمامات داخل المدن. وسادسها: اختفاء جل الفواكه والخضروات التعزية من الأسواق اليمنية، وإن وجدت بعضها فتلاحظ عليها الهزال والتقزم وجنيها في غير مواسمها وإنضاجها بالمواد الكيميائية، وللأمانة الجميع يعلم بالفواكه والخضروات التي تشتهر بها مدينة تعز وبمذاقها الحلو فلماذا اختفت؟ ومن المستفيد من اختفائها؟ وأين وزارة الزراعة والري مما يحصل في أراضي وترَبة تعز التي إن استثمرت حق الاستثمار لأغنت العباد والبلاد. وسابعها: استيراد مواد التصنيع من الخارج، ولا يخفى على الجميع أن تعز مدينة صناعية وتزخر بمواد خام معدنية لصناعة الإسمنت والجرانيت والرخام وبقية المصنوعات، إضافة إلى أنها تمتلئ بالذهب والفضة والرصاص وغيرها كما قالت هيئة الاستكشافات المعدنية ووضحت أماكن تواجدها، لكن الذي يحزن وتتفطر منه الأكباد هو عدم استكشاف المعادن والفلزات واللافلزات التي تزخر بها هذه المدينة، ويتم استيراد مواد التصنيع من الخارج، ولا نسمع حتى عن التوجيه بالبدء في استكشافها، وإن استثمر ذلك لازدهرت تعز خصوصاً واليمن عموماً. وعليه فإن تلك الألوان السبعة ألوان طيف كارثية في تعز، وما هي إلا غيض من فيض، وما ذكرتها تباعاً ليس من باب تكرار أشياء تمت الإشارة إليها سابقاً ولكن من باب دق ناقوس الخطر الذي يفتك بتعز وأبنائها، مع العلم أن أبناء ريف تعز مثل أبناء حضره يحبون لتعز النهضة والتطور والرقي كما يحبون لأنفسهم، ويخاف ساكنو الريف من تدهور الحياة في الريف والحضر معاً بسبب تلك المظاهر السلبية والألوان السوداء المعتمة، ولا يتبقى إلا أن نغتنمها فرصة للقضاء على تلك الألوان الكارثية التي تقض مضاجع تعز وأبناءها، وندعو الدولة وحكومتها أن ينتبهوا لهذه المدينة الحالمة بغد مشرق ويضعوا خططاً حقيقية لنهضتها رداً للجميل الذي قدمته ومازالت تقدمه تعز لليمن، كما يؤمل أبناء تعز أملاً كثيراً من الدولة والحكومة بعد الله تعالى أن يروا مدينتهم فخر المدن اليمنية؛ نظراً لمقوماتها المادية والبشرية وينعموا بالأمن والأمان والصحة والعافية وأكل مما يزرعون ويصنعون بدلاً من الركون على الخارج. [email protected]