تطايرت الأخبار قبل قليل عن تراجع السلطة الحاكمة وتخفيض سعر البترول والديزل عما كان عليه في الجرعة الأخيرة، وتشكيل حكومة كفاءات. لا أعرف ما سيكون رد أنصار الله ومن يشاركهم من الجماهير على هذه المقترحات السلطوية، ولا يحق لي المزايدة عليهم لأنني لم أتشرف بمشاركتهم تحركاتهم، ومع ذلك أعتبر التراجع ولو بتخفيض مائة ريال فقط انتصارا للإرادة الشعبية، لأن كلما كان يعطى للشعب أو يعاد إليه من حقوقه يقدم بوصفه مكرمة من السلطة ، حتى الإفراج عن صحفي اختطفته أجهزة الأمن كان يقال أن الإفراج جاء بمكرمة من الرئيس . وهذا ما كان يشوش الوعي ويثبط الإرادة، أما هذا التراجع الأخير عن نسبة من الجرعة وإقالة الحكومة الفاشلة، فقد انتزع انتزاعا مهما حاول النظام الحاكم تصوير هذا التراجع بصورة المبادرة. أعلنت الجرعة القاتلة كما يعلم الجميع في أيام العيد وفي ليلة ظلماء وبطريقة تذكر باللصوص وقطاع الطرق، لا برجال دولة يعون مسئوليتهم، ويحيطهم دائما مستشارون وخبراء يقدمون لهم كل الخيارات الممكنة لحل مشكلة ما، وينبهونهم إلى كل العواقب المحتملة. أعلنت الجرعة فكدرت حياة الناس، ولكن أحزاب الحكم الجديدة والقديمة صمتت، والسكوت علامة الرضا. وعندما تحرك أنصار الله وشاركهم تحركهم آخرون، شعرت قيادات تلك الأحزاب بالحرج فقدمت مبادرات لإرضاء أعضائها وأنصارها، واصطفت مع هادي الذي أعلن مرتين أنه لن يخفض ولو فلسا واحدا، وكأن الثروة اليمنية ملك شخصي له، والشعب المالك الحقيقي للثروة يطلب منه مكرمات.هدد وتوعد وزمجر، وأمر برفع الجاهزية القتالية مرتين، وقال كلاما دالا على مدى استخفافه بالناس، بمن فيهم المصطفين من حوله، وعلى عدم تقديره بعواقب تصريحاته. قال أن إيران تريد مقايضة صنعاء بدمشق (كل من سألتهم لم يفهموا من هذا الكلام شيئا)، وقال أن دولة إقليمية تريد تدمير صنعاء وإحراقها، وهو بذلك يكرر تخريفات سلفه عندما قال عام 2011: أن التحركات الشعبية ضده تدار في غرفة في تل أبيب. لعل الرئيس هادي ينظر في محيطه وإلى المقربين منه فيجد أن النظام لم يتغير، وهو محق في ذلك. لكنه يخطئ خطأ جسيما عندما يعتقد أن الشعب أيضا لم يتغير. الحقيقة أن المكسب الوحيد الذي حققته ثورة 2011 المنقوصة هي أن الشعب استعاد ثقته بنفسه وبقدرته على فرض إرادته وإحداث تحولات مهما كانت بطيئة وبسيطة. في هذه الهبة الأخيرة، ظهرت جليا خبرة الثورة الشعبية و"مدرسة الساحات"، فجماهير الريف وخاصة المناطق القبلية التي تعودت حسم خلافاتها بالسلاح وفورا، أصبحت قادرة على البقاء في مخيمات والانضباط والتحرك المنظم، والصبر والتدرج في الخطوات وهذا تحول كبير في الوعي الجماهيري، يعجز المقربون من السلطان عن فهمه، مهما سبقت اسمائهم ألقاب العلم والتفخيم. قدرة الشعب - والشعب لا يعني دائما الأحزاب - على إسماع صوته وعلى إرغام الحكام في الأنظمة السلطانية كنظامنا الحالي، على التراجع هو ما أعده انتصارا، وما أرى فيه مكسبا جوهريا لثورة 2011 المنقوصة. من حائط الكاتب على الفيس بوك