وإذ تبدو سرعة الطرفين متقاربة كل في اتجاهه، تبدو خطوات الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية أكثر تقدما منهما، حيث أعلنت هيئات الحراك منذ وقت مبكر مقاطعتها للانتخابات التي اكتفت أحزاب المعارضة بمقاطعة إجراءاتها فقط، تاركة مساحة التقاء بينها وبين الحزب الحاكم على تأجيلها أو على خوضها معا وفق اتفاقات تالية. وخلال ذلك تبدو محافظة صعدة في شمال اليمن أقرب إلى دائرة الحرب منها إلى فضاء السلام منذ إيقاف الحرب رسميا من قبل رئيس الجمهورية في منتصف يوليو الفائت، بعد استمرارها خمس سنوات بين قوات الجيش وأنصار الحوثيين. فقد أكد بيان صادر أمس الأحد عن اللجنة الشعبية لإحلال السلام ومتابعة قضايا محافظة صعدة أن على السلطة "أن تعلم انه لا يمكنها تمرير الانتخابات في صعدة ، أو أن تنال أي صوت من أي إنسان يحمل رجولة وكرامة ويتحلى بالقيم الإنسانية حتى تطلق جميع المعتقلين على ذمة قضية صعده وتعويض كل ما دمرته الحروب ونهبه الجيش ، وتعيد السلام إلى صعدة" . تمثل هيئات الحراك السلمي جمعيات في مختلف محافظات الجنوب تنظم اعتصامات ومهرجانات سلمية منذ ما يقرب من عامين للمطالبة بإعادة ما تسميه إعادة الروح السلمية لوحدة اليمن عام 1990 حيث تعتبر تلك الهيئات حرب 1994 التي نتج عنها استمرار المؤتمر الشعبي في الحكم إطاحة بروح الشراكة بين الشمال والجنوب وفق اتفاقات الوحدة اليمنية. وانبثقت هيئات الحراك من تجمعات بدأت بالتشكل من جمعيات العسكريين المنتمين إلى الجنوب والمبعدين بالتقاعد بعد حرب 1994 ومن جمعيات الشباب العاطلين عن العمل، ثم ما لبثت أن توسعت لتمثل حركة سلمية متنامية تنظم مهرجاناتها باستمرار في مختلف المحافظات الجنوبية مع أحزاب اللقاء المشترك. في جلسة مجلس النواب المنعقدة في 18 أغسطس الفائت أسقطت أغلبية الحزب الحاكم مشروع تعديلات قانون الانتخابات الذي اتفق عليه مع أحزاب المشترك في حوارات استمرت أشهر، بمبرر تأخر الأخيرة عن تقديم أسماء مرشحيها للجنة العليا للانتخابات ليقدمها المجلس إلى رئيس الجمهورية لإصدار قرار جمهوري بتشكيلها. إسقاط التعديلات اعتبرته أحزاب المشترك انقلابا على الديمقراطية فيما اعتبرت تشكيل لجنة انتخابية من قبل أغلبية المؤتمر الحاكم البرلمانية دون موافقة المعارضة ودون حصول القرار على العدد المطلوب وفق القانون وهو الثلثين من إجمالي 301 نائب مخالفة قانونية تضاف إليها مخالفة أخرى تتمثل بموافقة نواب الأغلبية الحاكمة عبر رفع الأيدي خلافا للائحة المجلس التي توجب التصويت عبر المناداة بالاسم أو عبر جهاز مخصص للتصويت. وأعلنت أحزاب المشترك من يومها عدم الاعتراف بلجنة لانتخابات ومقاطعة أجراءتها مشترطة العودة للاتفاق الذي أسقطته جلسة 18 أغسطس، وكذا تغيير النظام الانتخابي من نظام الدائرة الفردية إلى نظام القائمة النسبية وفق اتفاقات سابقة موقعة بين الطرفين بعيد انتخابات رئيس الجمهورية في سبتمبر2006 ، في حين استمر الحزب الحاكم في التحضير لانتخابات يقول إنه سيجريها في موعدها حتى لو أعلنت أحزاب المعارضة مقاطعتها. خلال اليومين الماضيين شهدت محافظات شمالية منها محافظة تعز مهرجانات للمشترك تعبيرا عن مقاطعة إجراءات الانتخابات، فيما شهدت محافظات جنوبية منها محافظتي لحج وأبين مهرجانات لهيئات الحراك السلمي تجدد فيها مطالبتها بالاعتراف بالقضية الجنوبية، وتزامنت تلك المهرجانات مع تصريحات متبادلة بين قادة الحزب الحاكم والمعارضة بشأن إجراءات الانتخابات. الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني (أحد أحزاب المشترك)أكد على خطورة السير في الانتخابات دون إجماع وتوافق ومشاركة وطنية. وقال في لقاء مع قيادة الحزب الاشتراكي واللقاء المشترك ومنظمات المجتمع المدني بمحافظة عدن أنه لا بد من أخذ الإرادة الشعبية بعين الاعتبار وعندها تكون الانتخابات الحرة والنزيهة من ضمن آليات ووسائل معالجة مشاكل البلاد وأزماتها وليس عامل تفجير كما يراد لها الآن عبر فرض الأمر الواقع من قبل طرف واحد وتجاهل وضع البلد والتحديات القائمة، مشيرا إلى أن اللجنة العليا للانتخابات وغيرها من مفردات العملية الانتخابية ليست في أولويات اهتمام المواطنين وليست أيضا هدفا بحد ذاتها،كما أشار إلى أن الانتخابات وكل متطلباتها وعناصرها تعد جزءا من المعضلة السياسية القائمة اليوم وقد عبر الناس عن ذلك من خلال خروجهم إلى الشارع في أكثر من محافظة ومدينة . وأكد نعمان على أن أولويات الناس اليوم هي معالجة الأزمة الوطنية الراهنة بما فيها القضية الجنوبية وآثار حروب صعدة والوضع السياسي والاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، منتقدا مكابرات السلطة «وإصرارها على مواصلة السير بالبلاد وإدارة شئونها بنفس السياسات والأدوات التي أنتجت الكثير من الأزمات وبما من شانها ان تفاقم من مخاطرها وتدفع البلاد إلى المجهول». وحول القضية الجنوبية قال نعمان:«إن المشكلة تعد نتاجا لسياسة الانقلاب على الوحدة ومشروعها الوطني الديمقراطي لصالح هيمنة واستئثار الأقلية التي عاثت في الجنوب فسادا ودمرت مقومات كيانه ومارست الإقصاء والتهميش بحق مواطنيه ومصادرة حقوقهم وبنفس الطريقة التي تعاملت في الماضي مع مناطق الشمال والمواطنين فيها مشيدا بحركة النضال السلمي الجماهيري وبإرادة الناس الرافضة لهذا العبث والتسلط والمصادرة». ودعا «مختلف القوى السياسية والاجتماعية المنخرطة في الحراك إلى الحفاظ على وحدتها لحماية وتحصين الحراك السلمي وتوسيع قاعدة القوى والشرائح المنخرطة فيه». كما أكد استعداد الحزب الاشتراكي وكل أحزاب اللقاء المشترك لإجراء حوار جاد ومنفتح مع القوى الأخرى وصولا إلى رؤى وتصورات يتوافق عليها الجميع «وذلك لا يلغي بأي حال من الأحوال القناعات الخاصة للأفراد والجماعات والمنظمات والأحزاب الأخرى». من جانبه انتقد عبدربه منصور هادي، وهو نائب رئيس الجمهورية وأمين عام المؤتمر الشعبي العام دعوة أحزاب المشترك المقاطعة لإجراءات لجان الانتخابات، قائلا:( يفترض من هذه الأحزاب أن تترك للناس حرية المشاركة من عدمها بعيدا عن التحريض والإكراه لهم لأن هذه الأساليب ترجع إلى الشمولية التي نبذناها فجر 22 مايو 90). وجدد هادي في تصريح صحفي تأكيد حزبه على إجراء الانتخابات النيابية القادمة في موعدها المحدد ب(27ابريل من العام القادم). إلى ذلك أعلنت اللجنة العليا للانتخابات العامة والاستفتاء اكتشاف أكثر من 100 ألف حالة تكرار في جداول الناخبين , وجددت دعوتها الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين إلى المشاركة بفاعلية في تنقية جداول الناخبين من الأسماء المكررة والوفيات وصغار السن .