معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط : كتب/مايكل نايتس: يعتبر مقتل الزعيم الروحي الرئيسي والمخطط العملياتي ل "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" أنور العولقي في 30 أيلول/سبتمبر، ضربة قاصمة لأجندة التنظيم المتطرفة. فقد قُتل العولقي في غارة شنتها طائرة بدون طيار في محافظة الجوف في شمال اليمن، في سابع ضربة جوية أمريكية في تلك البلاد هذا العام. وعلى الرغم من قيام الولاياتالمتحدة بتسديد ضربات ضد "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" إلا أنها تخاطر بالانجراف نحو مكافحة التمرد الوحشية التي تقوم بها الحكومة في جنوب اليمن بطريقة ربما تعزز من قوة الجماعة. وفي الحقيقة يمكن أن يكون اليمن مكاناً، ينظُر فيه العديد من السكان المحليين إلى الولاياتالمتحدة بأنها الجانب الخاطئ ل "الربيع العربي"، في حين يبدو لبعض السكان المحليين أن المنتمين ل تنظيم «القاعدة» هم الذين يقفون "إلى جانب الشعب." ورغم أن حسم المنافسة السياسية بين الرئيس علي عبد الله صالح وقوات المعارضة في صنعاء مهماً إلا أن المهمة الأولى التي يجب القيام بها هي وقف إطلاق النار في الجنوب حيث يعتبر التمرد المتفشي فيه نعمة لتنظيم «القاعدة» وحقل ألغام محتمل بالنسبة للولايات المتحدة. التمرد الجنوبي في أيار/مايو وحزيران/يونيو بدأت تظهر التقارير الأولى عن "استيلاء تنظيم «القاعدة»" على مدن جنوبية مثل جعار وزنجبار (في محافظة أبين). وفي الواقع، تم الإستيلاء على تلك المدن من القوات الحكومية بواسطة خليط من جنود سابقين وزعماء قبائل وأعضاء من »حركة الحراك الجنوبي« التي تسعى إلى تمثيل سياسي أكثر عدالة وتنمية اقتصادية للجنوب. وقد كان التمرد يختمر في المنطقة منذ عام 2007 عندما تقرب ضباط جيش متقاعدون بشكل جماعي من حكام الجنوب وقدموا لهم التماسات لإعادة المعاشات العسكرية ومنح الأراضي ومناصب جديدة داخل القوات المسلحة. وعندما فشل النهج السلمي وبدأت الحكومة في استهداف المعارضين في الجنوب تشكلت مجموعات مسلحة بأسماء مثل "جيوش حركة التحرير" و "ألوية الثورة." وقد دفع القمع الحكومي الوحشي إلى قيام مجموعة من فصائل المعارضة التي كانت متحفظة في الماضي إلى العمل سوية. فعلى سبيل المثال، كان الجنود الجنوبيون قد أبعدوا أنفسهم تاريخياً عن الحركة الانفصالية وركزوا على قضايا ضيقة مثل معاشات التقاعد وبدلات أرامل الحرب. ومع ذلك فابتداءاً من عام 2007، كُسِرت هذه الحواجز بصورة جزئية من خلال اندماج جنود مسجونين مع نشطاء آخرين في سجون النظام. وخلال النصف الأول من عام 2010 كثفت مجموعات مسلحة في الجنوب أنشطتها وعزلت مواقع عسكرية حكومية بشنها غارات نارية متكررة، وأبعدت مسؤولي النظام من مدن معينة وأشارت إلى مناطق معينة بوصفها "الجنوب الحر." ومنذ ذلك الحين، بدأ الإسلاميون يلعبون دوراً أكثر أهمية في التمرد الناشئ في الجنوب، من بينهم البعض ممن لهم علاقات أخوية مع تنظيم «القاعدة». ولطالما عانت المحافظات الجنوبيةعدنوأبين وشبوة من مزيج من التمرد المسلح الإسلامي المتطرف والقبلي. وأحد القادة الرئيسيين داخل هذا الاتجاه هو طارق الفضلي الذي صاحب أسامة بن لادن وكان مرتبطاً معه مدة طويلة أثناء وبعد الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان. وحالما أصبح جلياً أنه قام بتوثيق علاقاته مع معارضين جنوبيين آخرين، داهمت القوات الحكومية مقره في 31 آذار/مارس 2010 وقتلت طفلاً. وقد نفذت أيضاً سلسلة من عمليات الهدم العقابية لتحذيره من أي نشاط آخر. غير أن الغارة واستفزازت أخرى قامت بها الحكومة قد جذبت المزيد من الإسلاميين إلى المعارضة المسلحة. وبدأت تقع التفجيرات على جوانب الطرق وتحدث الاغتيالات بالدراجات النارية في الجنوب في أيار/مايو 2010 مستهدفة وزراء النظام فضلاً عن مسؤولين محليين وضباط أمن. "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" يدس نفسه في المعارضة بعد سقوط عدد من المدن الجنوبية في أبين وشبوة في أيدي قوات المتمردين في أيار/مايو 2010 تحرك "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" بسرعة وثقة ليصبح جزءاً من المشهد السياسي الجديد في تلك المناطق متستراً باسم جديد لأنشطته وهو "أنصار الشريعة". وقد قامت تلك الحركة في البداية بالدعوة والوعظ وتقديم الخدمات الاجتماعية داخل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بما في ذلك إعادة توزيع الأموال بين الناس من مصارف الدولة. وقد أوضح أحد الزعماء القبليين الشيخ عبد العزيز الجفري آثار تلك الأنشطة عندما شرح لمراسل صحفي سبب قيام قبيلته بمأوى مقاتلي "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" فقال: "وافقت الحكومة على أن ترسل إلينا ستة معلمين وأما فهد [القوسو وهو ناشط أقدم في "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" ومفجر المدمرة الأمريكية "يو أس أس كول"] فقد أحضر ستة عشر [معلماً]." وقد حوّل "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" دعمه إلى المجال العسكري حيث وصلت الهجمات المضادة الثقيلة التي قامت بها الحكومة باستعمالها نيران المدفعية وشنها غارات جوية في منتصف حزيران/يونيو إلى مدن مثل جعار وزنجبار. وبالإضافة إلى تسهيل الهجمات الصاروخية والتفجيرات على جوانب الطرق والاغتيالات زوّد "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" المتمردين بمجموعة فريدة من "الأسلحة الثقيلة" -- وخاصة سترات المفجرين الانتحاريين وقنابل السيارات. وقد تم استخدام هذه الأجهزة في ثمان مناسبات منذ حزيران/يونيو ضد قوات الحكومة التي هاجمت زنجبار، وكذلك في قتال وحشي مع من يسمون ب "المدنيين للدفاع عن الوحدة"، وهي جماعة من الوحدات الموالية لصالح على مستوى الأحياء السكنية تم تجنيدها من القبائل الشمالية التي تعيش في الجنوب ويعززها مستشارو "الحرس الجمهوري". وفي بلدان أخرى، غالباً ما أدت الخبرة والقدرات التي جلبها الجهاديون إلى قيام المحاربين -- الذين كان من المستبعد أن يشاركوا سوية في الأعمال القتالية -- إلى العمل معاً، (مثل عناصر تنظيم «القاعدة» والبعثيين السابقين في العراق). ويبدو أن الظاهرة نفسها تتكشف في القتال المستميت الذي يدور في جنوب اليمن. كما يبدو أن استراتيجية "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" تشمل الوقوف إلى جانب المعارضة وتكوين روابط زمالة بتوحيد الهدف ضد الحكومة. وقد نجحت هذه الاستراتيجية في أماكن أخرى، وعززت قيام ولاء قوي بين عناصر خارجية ل تنظيم «القاعدة» وبعض القبائل المحلية في أفغانستان والعراق وشمال غرب باكستان. وتعتبر المعركة المستمرة على زنجبار من الأمثلة على ذلك. فمنذ أن بدأت الحكومة تشق طريقها بالعودة إلى المدينة في منتصف حزيران/يونيو، وقف مقاتلو "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" (بمن فيهم المصريون والسودانيون والعراقيون وفقاً لروايات الأهالي) كتفاً بكتف مع المدافعين في صراع أسموه "الفلوجة في أبين" مشيرين إلى المعارك الأيقونية التي شنها تنظيم «القاعدة» في العراق في عام 2004. دلالات للسياسة الأمريكية تمثل الرابطة المتنامية بين المتمردين المعادين للحكومة و "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" معضلة شائكة بالنسبة لواشنطن. فالتمرد في جنوب اليمن أصيل -- إذ بدأ قبل سنوات من بداية "الربيع العربي" وله جذور عميقة في مظالم يعود تاريخها إلى توحيد شمال وجنوب اليمن في عام 1990. وتكمن الخطورة بالنسبة للولايات المتحدة في محاولاتها التي يمكن تفهمها لقتل زعماء "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" وعرقلة جهودهم السياسية في الجنوب مما سيؤدي باليمنيين إلى وصم واشنطن بالهجمات المضادة الوحشية التي ترتكبها الحكومة. وفي الواقع، إن الخطوط الفاصلة بين مكافحة الإرهاب والتدخل لصالح النظام يمكن أن تصبح مشوشة. ففي آب/أغسطس على سبيل المثال، حوصر اللواء الآلي الحكومي الخامس والعشرون وتم عزله في زنجبار، فقضى معظم ذلك الشهر يقاتل دفاعياً في كافة الأماكن. وأثناء القتال وفر الجيش الأمريكي إعادة تموين جوي للقوات المحاصرة باستخدامه طائرة أمريكية. وفي 2 أيلول/سبتمبر أعادت قوات الحكومة التي تعمل بدعم أمريكي فتح الاتصالات مع اللواء بتكلفة بلغت 230 قتيلاً في صفوف الجيش اليمني. وفي اليوم السابق شنت القوات الأمريكية غارتين جويتين دقيقتين قرب المدينة. وعلى النقيض من المشاكل التي يثيرها لواشنطن، يعتبر التمرد نعمة ل "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية"، بل ومن المثير للسخرية أنه يُعد كذلك لنظام صالح. وإذا تأجل حسم الجمود السياسي في صنعاء وإذا استمرت الحكومة في قمع المدن الجنوبية في الوقت نفسه، فبإمكان "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" أن يدس نفسه بإحكام داخل نسيج المعارضة الجنوبية ثم السيطرة عليها من الداخل في نهاية الأمر. وبالنسبة للمضيفين القبليين قد يثبت عداء الجماعة للولايات المتحدة بأنه جذاباً على نحو متزايد طالما استمرت الغارات الجوية الأمريكية (خاصة مع الأضرار المصاحبة التي تخلفها دوماً) وغيرها من الدعم الأمريكي المرئي للحكومة. ومن جانبها تسعى حكومة صالح إلى إدامة الحرب في الجنوب لأن القتال سوف يجبر واشنطن على الاختيار بين الإصلاح ومكافحة الإرهاب، خاصة وأن الأخير هو الذي سيكسب على الأرجح. وتشمل خيارات واشنطن ما يلي: التوسط للوصول إلى وقف إطلاق النار في الجنوب. إن الوقف الفوري لإطلاق النار والعودة إلى مفاوضات غير مشروطة بين المعارضين الجنوبيين والحكومة (التي جرت آخر مرة في أيار/مايو 2010) ربما تُبعد الميليشيات المحلية عن "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية". ففي العراق وأفغانستان أدت المفاوضات إلى إجبار تنظيم «القاعدة» على كشف أوراقه، مما دفع بمقاتليه إلى مهاجمة الزعماء المحليين الذين كانوا يتساومون مع الحكومة مما أدى إلى خسارتهم للدعم الشعبي. صياغة حملة عمليات معلوماتية. لو انتشر المنتمون ل تنظيم «القاعدة» وحاولوا فرض سلطتهم وأعرافهم الاجتماعية على السكان المحليين -- كما حدث في العراق -- فربما تتوفر للولايات المتحدة الفرصة لفتح حملة للعمليات المعلوماتية والتعاطي مع القبائل تدعو إلى استقلال أصحاب النفوذ المحليين في اليمن. مايكل نايتس هو زميل ليفر في برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن