تشهد محافظة تعز انفلاتا إداريا وأمنيا، بلغ ذروته خلال الثلاثة الأشهر الأخيرة، ما تسبب في انتشار العصابات المسلحة، وظهور حالات النهب والسرقة والقتل. السلطات المحلية والأجهزة الأمنية في المحافظة منشغلة بالصراع فيما بينها منذ تعيين مدير الأمن الحالي العميد علي السعيدي، الذي لاقى تعيينه اعتراضا من قبل بعض شباب الثورة، كونه مرتبطا بحالات تعذيب لعدد من النشطاء اليساريين والقوميين خلال فترة الثمانينات من القرن المنصرم، حين كان يشغل نائبا لمدير الأمن السياسي في المحافظة، فضلا عن كونه متقاعدا منذ سنوات. خلافات حادة بين السلطة المحلية ومدير الأمن ونشبت خلافات حادة بين مدير الأمن وبين السلطة المحلية في المحافظة بعد شهر من تعيينه، على خلفية إقدامه على تغيير عددا من مدراء الإدارات الأمنية وبعض مدراء أمن المديريات، دون العودة للسلطات المحلية وهو ما تعتبره هذه السلطات تعديا على اختصاصاتها. ومع زيادة حدة الخلافات بين الطرفين، أقدم المجلس المحلي للمحافظة الذي ينتمي أغلب أعضائه للمؤتمر الشعبي العام، في اجتماعه المنعقد يوم السبت الماضي، على توجيه عددا من الاستفسارات حول الحالة الأمنية في المحافظة لمدير الأمن، مستغلا حالة الانفلات الأمني، ومقتل المدرس الأمريكي "جويل شرم". وفي الاجتماع القادم سيمثل مدير الأمن أمام المجلس المحلي للرد على تلك الاستفسارات، وهو ما يجعل الباب مفتوحا على مصراعيه لسحب الثقة منه، حيث يتيح قانون السلطة المحلية للمجالس المحلية سحب الثقة من مدراء العموم بعد توجيه استفسارات لهم. الطرف الأخر في التسوية الخليجية "اللقاء المشترك" وبالذات حزب الإصلاح أعتبر استفسارات محلي المحافظة تلويحا بسحب الثقة من مدير الأمن المقرب من الإصلاح، وهو ما حدى بقيادات إصلاحية إلى إعادة إحياء مشروع شبابي يطالب بإقالة السلطة المحلية، وتحويل الساحة المجاورة لمبنى المحافظة إلى ساحة اعتصام في حال عدم الإستجابة لمطالبهم، وسبق للإصلاح إقناع الشباب على تأجيل المشروع لمدة أسبوع ، لإعطاء حكومة الوفاق فرصة لإقالة المحافظ. مر أسبوعان، ولم تتخذ حكومة الوفاق أي قرار، وفي الوقت نفسه لم يعد الشباب للاعتصام أمام المحافظة، مكتفين بوقفة احتجاجية لمدة ساعة كل يوم بمباركة الإصلاح. يوم الأحد الماضي أوعز الإصلاح لشبابه بنصب الخيام أمام المحافظة للمطالبة بإقالة المحافظ حمود الصوفي الذي كانت أنباء قد تداولت حضوره اجتماع المجلس المحلي. أستمر الاعتصام حتى الثانية عشرة من ظهر الأحد، ودون سابق إنذار قدمت أطقم مسلحة وعلى متنها عددا من الجنود يتبعون الشرطة العسكرية من الشارع الخلفي للمحافظة، وباشرت بإطلاق النار بأسلحة خفيفة ومتوسطة لتفريق المعتصمين، وقامت بنزع الخيام المنصوبة ومطاردة المصورين في الأزقة المجاورة للمحافظة. ما أثار ردة فعل شبابية على إثرها أقدم عشرات الشبان بقطع الطرقات المؤدية إلى المحافظة، وخوفا من توسع ردة الفعل الشبابية والشعبية، انسحبت الأطقم العسكرية، وأفرج عن المعتقلين، وعاد الشباب للاعتصام. وفي ردة فعل أخرى أقدم مدير مديرية صالة ألمؤتمري، والذي تربطه علاقات بقيادات عسكرية وحزبية، على إقالة أمين عام المديرية المنضم للثورة والمنتمي لتكتل أعيان تعز المقرب من مشائخ في الإصلاح. الإصلاح أثار الموضوع بقوة، وهدد ضمنيا بخطوات تصعيدية، وتسعى شخصيات مقربة منه لحشد مسيرة في هذا الجانب. مقايضات بين طرفي التسوية من جانبهم شباب الثورة مطلبهم واضح وهو إقالة قيادة السلطة المحلية والأجهزة الأمنية بما فيهم مدير الأمن السعيدي، الإصلاح يحاول اللعب على الحبلين، تهديد المؤتمر بالشباب للمطالبة بإقالة المحافظ، في حال أقدم محلي المحافظة على إقالة مدير الأمن، ومحاولة ترويض الشباب بالاستجابة لمطالبهم ظاهريا، واستخدامها كنوع من المقايضة مع المؤتمر للإبقاء على السعيدي الذي ينتمي لحقبة اليدومي وجهاز الأمن الوطني، لكن تصعيد المؤتمر بإقالة أمين محلي صالة، ربما يجعل الأمر يسير في اتجاه أخر. في الوقت نفسه يخوض الإصلاح حربا ضروسا مع النائب سلطان السامعي، الذي ينشط من خلال جبهة إنقاذ الثورة، التي تمثل الطرف الرافض للمبادرة الخليجية. قيادات في الإصلاح أوعزت لوسائل إعلامية تتبعها، باستهداف النائب السامعي خاصة بعد مسيرة الأحد 18 مارس 2012م، والتي حشدت لها الجبهة مع عدد من التكوينات الشبابية المناهضة للمبادرة، ما أستفز الإصلاح الذي قرر اللحاق بالمسيرة متأخرا، حصلت احتكاكات بين الطرفين ومزقت لافتات حملت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، لكنها لم تكن مقنعة للإصلاح الذي ربما أصابه داء الغرور بأنه الأوحد القادر على تحريك الشارع، وشعر فجأة أن الجبهة قادرة على سحب البساط منه، والإمساك بزمام قيادة الشارع. خلافات الإصلاح مع السامعي استغل الإصلاح مشاركة السامعي في المسيرة مع مرافقيه، وعند مدخل الساحة الجنوبي منعت لجنة الأمن السامعي ومرافقيه من دخول الساحة بحجة حملهم للسلاح، ورغم اقتناع السامعي بالأمر وتصنيفها على أنها مكايدة، ورغم تجول مليشيات الإصلاح بالسلاح داخل الساحة طولا وعرضا. لكن جهات إعلامية تابعة للإصلاح نشرت خبر يتحدث عن اقتحام السامعي لمنصة الساحة وإطلاق النار، بعد أن تطوع أحد مصوريهم بالتقاط صورة لسلطان ومرافقيه المسلحين، وهو الأمر الذي نفاه السامعي في تصريحات صحفية. يوم الأحد الماضي نشرت جهات إعلامية تتبع الإصلاح، بما فيها قناة سهيل التابعة لحميد الأحمر عضو مجلس شورى الإصلاح، خبر حصول اشتباكات مسلحة بين مرافقي سلطان السامعي وأنصار الحربي أحد قيادات الإصلاح في الدائرة "34" بمدينة تعز. خبر الاشتباكات تزامن مع مداهمة الشرطة العسكرية للمعتصمين أمام المحافظة، وسفر الناب السامعي إلى القاهرة عبر مطار عدن. المؤتمر دخل على الخط ونشر موقع اليمن السعيد التابع لقيادات مؤتمرية وعسكرية الخبر، دون نشر ما حصل من قمع للشباب أمام بوابة المحافظة، وكأنه يريد القول أن لعلعة الرصاص في حوض الأشراف مصدرها الاشتباكات بين الثوار المختلفين "مرافقي السامعي والحربي" كما جاء في مواقع الإصلاح وقناة سهيل. الحربي القيادي الإصلاحي متهم بطعن ثلاثة من شباب الثورة بينهم فتاتين أثناء مشاركتهم بمسيرة تدعو لمقاطعة الانتخابات يوم الاقتراع 21 فبرائر 2012م، أمام محلاته التجارية في حوض الأشراف، ولهذا ربما كان من سرب الخبر يهدف لربط الاشتباكات بين الطرفين بما حصل يوم الاقتراع في فبرائر الماضي، على اعتبار أن السامعي قاطع الانتخابات، دون أن يكونوا موفقين في التوقيت الزمني الذي صادف سفر السامعي باتجاه عدن، والذي يرجح تواجد مرافقيه إلى جانبه. اضطرت بعض الجهات التي نشرت الخبر بعد تداول خبر سفر السامعي، إلى إنزال خبر أخر يتحدث عن سفره، لكنها اعتبرته هروبا من اشتداد الأمر عليه، والذي يضطر معه للسفر دائما كما حصل يوم محرقة ساحة الحرية في ال"29" من مايو من العام الفائت، كما جاء في ذلك الخبر. تزامن الخبر مع اقتحام الشرطة العسكرية لاعتصام المحافظة، هدف منه الإصلاح ضرب سلطان السامعي في أوساط الشباب، والإيحاء لهم بأنه لا يأبه لاعتصامهم ومنشغل بتصفية حسابات مع أطراف في الثورة، لكن تأكد سفره خلط عليهم الأوراق، ما أضطرهم إلى إنزال خبر هروبه في محاولة لتبييض الكذبة. المؤتمر أقتنص الفرصة، ووظف الموقف لصالحه ليغطي على خبر مهاجمة الشرطة العسكرية للمعتصمين، والإيحاء لمن سمع إطلاق النار بأنه مجرد اشتباكات بين المختلفين من الثوار. محاولة حزب الإصلاح لإستغلال المطالب الشبابية وتوظيفها للمقايضة مع المؤتمر، فيه خطورة على الثورة الشبابية وعلى الشباب التنبه لذلك، حتى لا تتحول ثورتهم أداة للمقايضة، ومن ناحية أخرى في ذلك خطورة على حزب الإصلاح الذي يحاول اللعب على أكثر من جهة، دون حساب النتائج المترتبة على ذلك، فقد يستغلها المؤتمر بأسلوب ذكي ويوافق على إقالة المحافظ وبعض قيادات السلطة المحلية، دون المطالبة بإقالة مدير الأمن الذي سيترك أمره للشباب، الذين يطالبون بإقالته أصلا، وهو ما سيدخل الإصلاح في إشكال مع الشباب، وخاصة المستقلين والذين تعرض الكثيرين منهم لتعسفات فتواته، فضلا عن خلافات الإصلاح مع أطراف كثيرة في الثورة، وتعمدهم جرهم للصدام الإعلامي معه، سيفقد الإصلاح المساومة مع الطرف الآخر في المبادرة، خاصة أذا ما أضطر هؤلاء لرسم مطالب ثورية سياسية واضحة خاصة بهم، بعيدا عن الإصلاح، خاصة في حال أستمر الفلتان الأمني والإداري في المحافظة دون وضع حلول عاجلة، وتحويل التغيير محل مساومة بين طرفي المبادرة الخليجية.