أنس القباطي مع كل موسم أمطار، يتجدد المشهد المأساوي في مدينة إب، وسط اليمن، حيث تتحول مجاري السيول إلى شِراك قاتلة تودي بحياة المدنيين، وتكشف عن هشاشة البنية التحتية للمدينة، في ظل غياب التخطيط الحضري، وغياب المعالجات الجادة من السلطات المحلية. وفي يوم الجمعة 18 يوليو/تموز 2025، جرفت السيول سيارة مغترب يمني يُدعى محمد الصيادي، بينما كان يعبر مع أسرته سائلة المشنة وسط المدينة، ما أسفر عن وفاة الأب وزوجته وطفل، في حين نُقل طفل ثانٍ إلى العناية المركزة. حادثة أعادت إلى الواجهة أسئلة طالما طُرحت: إلى متى ستظل مدينة إب رهينة للسيول؟ ومن المسؤول عن انعدام الحماية الحضرية؟ الجغرافيا الحضرية.. خطر يتفاقم توسعت مدينة إب أسفل مرتفعات تحيط بها من ثلاث جهات، وتوزعت أحياؤها فوق منحدرات متوسطة وشديدة الانحدار، وبين أودية وسهول ضيقة، ما جعلها عرضة لمخاطر السيول. وتمر عبر مدينة إب مجاري سيول موسمية، أهمها: سائلة المشنة (وسط)، ووادي ميتم (جنوبًا)، ووادي الظهار (في الطرف الشمالي الشرقي). هذا الموضع، وإن كان يضفي على المدينة مناخًا مميزًا، إلا أنه يجعلها في مرمى الخطر عند غياب الإدارة الحضرية الرشيدة. توسع حضري بدون رؤية شهدت مدينة إب خلال العقد الأخير توسعًا عمرانيًا عشوائيًا نتيجة الهجرة الداخلية والنمو السكاني، حيث بُنيت مساكن، وأسواق، وحتى مرافق عامة بمحاذاة مجاري السيول أو على جزء منها، في ظل هشاشة حضرية تعيشها المدينة، تتمثل في غياب شبكات تصريف حديثة، وعدم وجود خريطة مخاطر حضرية لتحديد مناطق الخطر، ما أدى إلى تحول كل موسم أمطار إلى كارثة. تغيّر المناخ زاد الطين بلّة وبفعل التغيرات المناخية، شهدت مدينة إب خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة هطول أمطار فجائية غزيرة، فضلًا عن ارتفاع كمية التهاطل، ما أدى إلى ازدياد الجريان السطحي الذي يفوق قدرة المجاري غير المؤهلة. وبحسب البيانات المناخية المتداولة، يتجاوز المعدل السنوي للأمطار في إب 1000 ملم، وهي كمية كبيرة لا تستوعبها مجاري السيول الحالية، خاصة مع انسدادها بسبب الإهمال أو التعدي العمراني. مظاهر الضعف المؤسسي وعليه، فإن المشكلة ليست في الطبيعة، بل في غياب التخطيط الحضري الفعّال، ومن أهم مظاهر القصور، عدم وجود مشروع لمواجهة مخاطر السيول، وغياب الرقابة التخطيطية، ما ساهم في انتشار البناء العشوائي والتعدي على المخططات، كانعكاس للفساد الإداري والتخطيطي، وعدم وجود خرائط مخاطر حضرية حديثة، وغياب الدراسات الهيدرولوجية المحدثة، وعدم وجود نظام إنذار مبكر يحذر المواطنين من قدوم السيول، فضلا عن عدم وجود شرطة مخاطر تمنع عبور المركبات في المناطق ذات الخطورة العالية. توصيات ولمواجهة التهديدات المتكررة، لا بد من إعداد خريطة حضرية دقيقة لمجاري السيول ومواقع البناء الآمن، وتحديث مخطط المدينة للخمس السنوات القادمة، على أن يأخذ في الاعتبار المخاطر الجيومورفولوجية والمناخية على وجه التحديد، وتحديث شبكات تصريف السيول، ومعالجة المتضرر منها، ومنع البناء على ضفاف مجاري السيول. كما ينبغي تفعيل إدارة مخاطر محلية مجهزة بخطط طوارئ واستجابة سريعة، وإدخال التخطيط المناخي ضمن سياسات البنية التحتية في المحافظة، والعمل على الترتيب لإنشاء إدارة متخصصة بمواجهة كوارث السيول. خاتمة ما يحدث في مدينة إب مع كل موسم هطول مطري، يؤكد مدى هشاشة التخطيط الحضري وغياب الدور الرقابي التخطيطي، ويكشف عن عقلية إدارية عقيمة، غير قادرة على اجتراح الحلول وابتكار المعالجات، لأن السيول ليست هي الكارثة بحد ذاتها، بل الكارثة تكمن في استمرار غياب التخطيط، واللامبالاة الرسمية، والإهمال المزمن لمخاطر يمكن التنبؤ بها وتجنبها. تم نسخ الرابط