"أمامها مهلة قصيرة جدا".. روبيو يهدد حماس ويطالبها بتسليم السلاح    مسؤول صهيوني يكشف الخسائر من "الجبهة اليمنية" ويعلن الاستعداد لعدوان جديد على إيران واليمن    اتحاد الشعب العربي والخليجي يدين العدوان الامريكي على صنعاء    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    رئيس الوزراء "معين بن بريك" يغادر إلى الرياضك "نموذج ساقط للإعلام المعادي"    تحالف ديني مذهبي يمني يستهدف الجنوب    المعلا: مديرية بلا مأمور أم مأمور بلا مديرية؟    هل ينجو حزب "الإصلاح" من ماضيه الإخواني الأسود عبر بوابة إسرائيل؟    محمد وزهير الزعكري .. شهيدان اقتفيا أثر والدهما    مكاسب كيان الاحتلال من القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة    قمة الدوحة تدعو إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل    بايرن ميونيخ يخسر جهود غيريرو قبل مواجهة تشيلسي وهوفنهايم    الاهلي السعودي يتخطى ناساف الاوزبكي في دوري ابطال اسيا    الحالمي يؤكد : تفاعلنا مع بطولة بيسان تقديرًا للحروي وحرصًا على إنجاح البطولة    الذهب يسجل أعلى مستوى تاريخي جديد    ناطق الإصلاح: العمل السياسي لم يعد ترفاً بل واجباً لحماية حق اليمنيين في الحرية والكرامة    المبعوث الأممي يحذر من مخاطر التصعيد في اليمن ويطالب بوقف الاعتقالات والإفراج عن موظفي الأمم المتحدة    بيان إدانة    التضخم في السعودية يسجل أعلى وتيرة ارتفاع منذ أكثر من عامين    تدشين العمل بشق قناة تصريف مياه الأمطار في بني الحارث بمبادرة مجتمعية    ضبط كمية من الذرة المجروشة غير الصالحة للاستخدام في تعز    شرطة العاصمة عدن تستعيد مسروقات ثمينة من فندق في خور مكسر وتطيح بالمتهم.    المنصوري يتسلم مهامه وكيلًا للعاصمة عدن لشؤون الدفاع    حالتها مستقرة.. جلطة ثانية تصيب حياة الفهد    ديسمبر.. «شمس الزناتي 2» في دور العرض    اليمن يدعو إلى تدابير عربية واسلامية لكبح السياسات الصهيونية التوسعية في المنطقة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة عبدالله يحيى الآنسي    افتتاح مدرسة الطارفة في أبين بعد توسعتها بتمويل إماراتي    محافظ شبوة يستقبل فريق مبادرة دليل شبوة الطبي الإلكتروني    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    محور تعز يدشن احتفالات الثورة اليمنية بصباحية شعرية    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    ميان والعنود تدعمان دفاع سيدات القادسية    المرة الأولى منذ 2019.. النصر يبدأ الدوري بفوزين    برشلونة يكتسح فالنسيا بسداسية    ضروري من قنبلة دين وضمير    اندلاع اشتباكات بين قوة عسكرية ومسلحين قبليين شرق حضرموت بعد اعتراض ناقلات نفط    الدكتور عبدالله العليمي يؤكد دعم مجلس القيادة الرئاسي للبنك المركزي اليمني    منظمة صحفيات بلاقيود : مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    سريع يعلن عن استهداف مطار وهدف عسكري في فلسطين المحتلة    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    قرارات تعسفية لمليشيا الحوثي تدفع الغرفة التجارية للإضراب في صنعاء    محافظ حضرموت يرعى توقيع عقود مشاريع تحسين لشوارع مدينة المكلا    توقف تطبيق إلكتروني لبنك تجاري واسع الانتشار يثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي    يوفنتوس يقتل إنتر في ديربي إيطاليا    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    في محراب النفس المترعة..    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته
نشر في يمنات يوم 16 - 09 - 2025

حين بدأت الحديث مع الشاعر اليمني عبدالغني المخلافي، شعرت على الفور بغنى معرفي وثقافي يفيض من كلماته. رغم أن حياته الدراسية توقفت عند الصف السادس ووصمه المجتمع بالفاشل، فقد تمكن من أن يصنع من نفسه شاعرًا وأديبًا متميزًا. طفولته المليئة بالخيال وروح المغامرة تركت بصمة واضحة على كتاباته، التي تنوعت بين شعر التفعيلة وقصيدة النثر، ومن القصة القصيرة إلى المقالات الأدبية والفكرية. كل نص يعكس إحساسه العميق بالعالم، ويجسد تفكيرًا يمزج بين الخيال والحكمة، في تجربة أدبية تترك أثرها منذ اللحظة الأولى على القارئ.
أجرى الحوار: محمد المخلافي
الطفولة والمغامرة
وصف كيف أن حبه للاستماع إلى الحكايات وقراءة قصص الأطفال شكل بدايات اهتمامه بالأدب، مؤكدًا أنه كان يميل إلى المغامرة والتأمل ونسج الخيالات حول أشياء غامضة يصعب فهمها. قال:
"كنت أستمتع بمراقبة الطيور والحيوانات، ومع ذلك كثيرًا ما كان جدي يعاقبني إذا وجدني ألعب مع الكلاب والقطط، مانعًا إياي من الجلوس إلى مائدته."
أضاف وصفًا لجمال الطبيعة الذي كان يلهم خياله الصغير، مشيرًا إلى الغروب واصفرار الشمس على وجه السحب، وكيف كانت تلك المشاهد تتحول في مخيلته إلى لوحات كغابات أو جبال عالية، لتصبح عوالم وهمية يحاور فيها شخصيات متخيّلة. لم تغب عن طفولته روح المغامرة والمراوغة، قال: كنت أجمع الأطفال من الأقارب وأقترح عليهم مغادرة القرية والسفر إلى جزيرة في عرض البحر، لنعيش هناك متحرّرين من أوامر وعقاب آبائنا.
وأضاف: حين حاولنا الرحيل، داهمنا الليل على مخارج القرية فانحرفنا خوفًا، وقلت لهم إنه يلزمنا نهر يمتد من القرية حتى البحر ليكون السفر سهلاً وآمنًا على ظهر قارب نصنعه بأيدينا.
التعليم وحفظ القرآن
ورغم هذه الروح الحرة، لم تكن طفولته خالية من الصعوبات، فقد وصف تجربته مع المدرسة قائلاً: تمرّدت على المدرسة في الابتدائية، وامتنعْتُ عن مواصلة التعليم في المراحل التالية، وتلقيت نعتًا وسخرية من المحيط. لا أدري سبب هروبي منها... هل لأني حُرِمتُ من أحضان أبي وأمي المنفصلين؟"
هكذا تشكّلت روح شاعرية تنصهر فيها خيالات الطفولة بالملاحظة الدقيقة للطبيعة، وتتداخل فيها الحرية الطفولية مع تجربة الفقدان، لتصبح أساسًا لاحقًا في شعره ورؤيته للعالم.
أوضح أن تركه المدرسة في الصف السادس وإصراره على عدم العودة كان يُعتبر جريمة في تلك الفترة:
كيف أترك المدرسة في ذلك العمر؟ ماذا سأفعل إذا لم أكن مع أقراني في المدرسة؟ وصف شعوره بالغربة والانفراد:
بقيت شاذًا، لا أجد من يرافقني في نزوعي إلى التمرد. توبيخ أهلي كان يصلني كالرصاص، وازدراء الجيران كالسياط ، والأمهات يمنعن أولادهن من مجالستي خوفًا من تأثرهم بي.
وتابع: نعتي بصفة الفاشل من أصدقائي كلما اختلفت معهم، ووصمّني أهل قريتي مرارًا بنفس الصفة. كل ذلك عمّق داخلي شعور الألم وعدم الثقة بالنفس والإحساس بفقدان مكانتي بين الأقران.
وأوضح أن هروبه عن تلك الضغوط كان دائمًا إلى الطبيعة:
في نهاري أهرب عن مقت الأعين وتأنيب الألسن، ساخطًا وحانقًا إلى الشعاب والوديان، ألاحق الطيور والحيوانات، وأختبئ أحيانًا خلف منزل جدي في الربوة المرتفعة، أنسج من خيالاتي وأحلامي سبلًا للمغادرة من القرية.
وصف شعوره عند إعلان نتائج الطلاب الناجحين قائلاً: كنت أخشى سماع: انظر زملاءك المتفوقين، أيها الفاشل. غالبًا ما يكون النقد قاصدًا إيذائي، لا حبًا في مصلحتي، بل بدافع الحقد أو الشماتة أو الجهل. وختم وصفه لتلك المرحلة:
كل هذا الأذى النفسي ترك آثارًا بالغة الألم، ولو لم أتجاوزها بنجاحات لاحقة، لكان رد فعلي عدوانيًا تجاه مجتمع يجلدك بسوطه في كل حين. ولو كان غيري قد تلقى كل ذلك، لأصيب بأمراض نفسية لم يتعافَ منها.
تحدث عن رفضه العيش مع زوجة أبيه بعد محاولة أخذه بالقوة من جده، قائلاً: هربت من شباك الدور الثاني لبيتنا عند غروب الشمس، هائمًا على وجهي بعد تهديد جدي من أبي بعدم استقبالي في بيته. كيف تنبه جدي لفراري، ولاحقني وأعادني إلى كنفه متحديًا كل التهديدات؟!"
وأكمل سرد تجربته: بعدها أقمت مع جدي، ولم يعد أبي يحاول أخذي. توجهت بعد ذلك إلى حفظ القرآن الكريم على يد جدي، الذي كان يعلّم أبناء القرية والقرى المجاورة. وفي تلك الفترة، اكتشفت شغفي العميق بالقراءة، فوجدت نفسي عاشقًا للقصص، خاصة سلسلة المكتبة الخضراء للأطفال، إضافة إلى السير الشعبية مثل الزير سالم، عنترة بن شداد، سيرة بني هلال، المياسة والمقداد، وألف ليلة وليلة. وقد تمكنت من حفظ خمسة عشر جزءًا من القرآن على يد جدي، وهو ما منحني ثراءً لغويًا واسعًا وأثرى ملكتي الأدبية منذ الصغر."
وعن شغفه بالقراءة منذ طفولته قال: انغمست منذ طفولتي في قراءة قصص الأطفال، وفي مراهقتي توجهت إلى قراءة الشعر وحفظه، ابتداءً بشعر قيس بن الملوح، وابن ذريح، وعروة، وجميل، وعنترة. ولم أترك أي رواية غرامية إلا وقرأتها، سواء أعمال المنفلوطي، أو ما كتبه نجيب محفوظ، وأدب إحسان عبد القدوس، بالإضافة إلى ميلي الشديد للرواية الرومانسية آنذاك.
البدايات الأدبية والكتابة
عن بداياته في الكتابة قال: كنت عندما أكمل قراءة رواية أو قصة، أبادر بسردها على أصدقائي الذين اعتادوا سماع القصص مني، حتى لُقبت بينهم بحكواتي القرية. حاولت كتابة بعض الخواطر والقصص عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، وكلما عرضتها على بعض المدرسين من الأقارب، كانوا ينكرون ذلك عليّ، ومع ذلك كان إنكارهم يمنحني شعورًا بالثقة ويشعرني أنني كتبت شيئًا يفوق سني وثقافتي.
وتحدث عن أول تجربة نُشرت له باعتبارها لحظة فرح لا تُنسى، قال: حين أرسلت إحدى تلك المحاولات للنشر، وتم قبولها دون أي وسيط، شعرت بسعادة غامرة، وطرت فرحًا بين أقراني متفاخرًا بنفسي. لكن المفاجأة كانت حين اتُّهمت بسرقتها، وهنا لم أشعر بالخذلان، بل على العكس زادت ثقتي بموهبتي، وأيقنت أن ما أكتبه يحمل قيمة حقيقية.
وعن عرضه لقصيدته على والده قال: أذكر عندما عرضت على أبي قصيدة لي نُشرت في صحيفة الجمهورية، وكان لا يزال متحسرًا على تركي المدرسة. لم يصدق بأن المنشور من إبداعي إلا بعد إدراكه للمعنى الذي لا يمكن لغيري التعبير عنه، وراح يعرضها بفخر وغبطة على أصدقائه.
وأضاف: نشرت يومئذ عدة قصائد، من بينها واحدة حظيت بالانتشار والشهرة لما احتوته من تلخيص عميق لتجربتي العاطفية. أشاد محرر الصفحة الأدبية بها، واصفًا لي بالواعد، وزاد من تعزيز ثقتي أيضًا أن عرض أبي قصيدتي على أحد الشعراء الكبار، الذي قيمها تقييمًا جيدًا. سألني إن كنت قد درست علم العروض، وكنت لم أسمع به ولا بالخليل بن أحمد الفراهيدي، فقال لي: 'إنك تكتب بالسليقة'، فهززت رأسي وأنا لا أعرف ما السليقة.
وصف الشعر عنده بأنه حالة شعورية محضة من الإلهام:
كانت القصيدة بالنسبة لي دفقات متتالية، وإذا انقطع الإلهام توقفت ولم أستطع إضافة حرف واحد. قصائدي كانت تفعيلية، موزونة على بحر من بحور الشعر، حسبما قال صديق والدي الشاعر: السليقة هي ما تزن وتربط المعاني، لكن عليك معرفة علم العروض، أنت صاحب موهبة فطرية، اعمل على صقلها بالقراءة والاطلاع على تجارب الغير.
وأشار إلى أن والده كان مصدر دعم ثقافي مهم:
أبي من محبي الشعر والأدب، مثقف وصاحب معرفة واسعة مقارنة بمن حوله، وحفظ القرآن ودرّسه على الآخرين في شبابه. كنت أستعين به أحيانًا لتصحيح ما أكتب. أذكر عندما قال لي: لم أعد آسفًا على تركك الدراسة؛ فربما لو درست ما كنت لتكتب ما تكتبه اليوم، وهذا يثبت أنك ذو موهبة نبوية. وكنت أشعر بالسرور والرضا عندما أرى سعادته.
تجربته العاطفية كانت دافعًا للكتابة:
عندما أخذت تجربتي العاطفية منعرج الفراق، كتبت أكثر من محاولة شعرية، تحوّلت إلى قيسٍ آخر، تُنشر أشعاره في الصحف وتُردد بين المجالس. لم أكن أتوقع هذه المتابعات والإعجابات، فلربما لاقت القبول لما فيها من عاطفة وصدق شديدين.
وأضاف: كثيرًا ما كنت أجد من يشير إليّ بأصبعه بعد أن أصبحت ملامح صوري المنشورة في الصحف محفوظة، وكان هذا يعطيني إحساسًا بأنني غدوت نجمًا من خلال ما أنشر. كنت أكتب لأعبر عن مشاعري المقهورة، لا من أجل الشعر.
وعن توقفه المؤقت عن الكتابة قال: عندما توقفت عن الكتابة والنشر مدةً طويلة، وجد من يسألني: لماذا توقفت وأنت ذو موهبة؟ لم أكن أتصور بأن ما أكتبه شعرًا، لأنني كنت أعتقد أن الشعر لا يكتبه إلا أصحاب الشهادات العليا والشعراء المتمرسون. كيف أكون شاعرًا وأنا لم أحصل على أكثر من المرحلة الابتدائية؟
وذكر شغفه بمتابعة مسلسلات الأطفال وتأثيرها عليه:
كنت عاشقًا لمسلسلات الأطفال، وكان لي كلب أسميته كابي، متأثرًا بها، متمردًا وعنيدًا. أذكر منها: سنان، فلونة، أسكار، الأميرة ياقوت، ريمي صفر صفر واحد، وجرندايزر.
وأوضح: متابعتي لتلك المسلسلات واستماعي للحكايات والقصص أثرت في لغتي، وسعت خيالي، وساهمت في بناء عالم من التصورات التي تغلغلت في كتاباتي لاحقًا.
القراءة والاطلاع على الأدب العالمي
تطرق إلى تجارب الشعراء والكتاب المعاصرين قائلاً: اطلعت على تجارب شعراء معاصرين مثل محمود درويش، ونزار قباني، وأمل دنقل، بالإضافة إلى أدب نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وطه حسين، والعقاد، وجبران خليل جبران. كما قرأت روايات مثل البؤساء وأحدب نوتردام لفيكتور هوغو، والإخوة كارامازوف والجريمة والعقاب لدوستويفسكي، وكتبًا في الفلسفة مثل العقلانية لديكارت وهكذا تكلم زرادشت لنيتشه. وتأثرت أيضًا بكتب أنيس منصور، وغادة السمان، وروايات واسيني الأعرج ومالك حداد، فضلًا عن أمات الكتب العربية التي وسعت مداركي وعمّقت وعيي الأدبي.
الغربة والتجربة والإبداع
عن الغربة وتجربته خارج الوطن قال: لولا فرصة الاغتراب، لما بلغت هذا المستوى، فالوطن لا يتيح لك نشاطًا غير العمل، حيث تمضي يومك في السعي وراء لقمة العيش. من الصعب امتلاك وسائل معرفية كشراء الكتب، واقتناء جهاز كمبيوتر، وتوفير خدمة إنترنت منزلي. كشخص عصامي يعتمد على نفسه، من الصعب أن يستمر في الإبداع داخل وطن لا يوفر له هذه السبل.
وأضاف: عشت في مسكن خاص يتوفر فيه الإنترنت وجهاز لابتوب، إضافة إلى مكتبة مليئة بالكتب، فضلاً عن حالة من الاستقرار التي ساعدتني كثيرًا. ولو لم أسافر، لما تسنّت لي فرصة الاطلاع على الحداثة في الشعر والأدب عبر الإنترنت، ولا الاحتكاك بأصدقاء كُتّاب اكتشفوا قدرتي على كتابة قصيدة النثر. وربما لو لم يحدث ذلك، لبقيت محصورًا في الأشكال الأدبية التقليدية، أو انقطعت عن الكتابة تمامًا.
وبين كيف ساعدته الغربة في تكوين تجربته الأدبية:
بقائي طوال اثنين وعشرين عامًا خارج الوطن ساعدني في تكوين أدواتي وإنضاج تجربتي الأدبية. أصدرت خلال هذه الفترة ستة أعمال أدبية، وشكّلت شبكة من العلاقات والانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصار حضوري الافتراضي يمتدّ إلى أقصى نقطة في العالم. كل إصدار يمثل جزءًا من تجربتي الحياتية والإبداعية، لذلك يصعب أن أُفضّل أحدها على الآخر.
ورغم كل ما سبق، تحدث عن صعوبة البقاء في الغربة خلال السنوات الأخيرة، قائلاً: لقد مللت الغربة، خاصة مع الإجراءات المستحدثة التي جعلت البقاء فيها أمرًا شاقًا لا يُحتمل. فالمغترب لم يعد يجد متنفسًا، إذ تُثقل كاهله متطلبات لا يستطيع الوفاء بها إلا أصحاب الأنشطة التجارية الكبيرة، بينما نحن، أصحاب المشاريع الصغيرة، نعاني الضيق ونلجأ إلى الديون لتسديد الالتزامات. وفي الوقت نفسه، يعيش الوطن حالة تأزم خانقة وأوضاعًا مزرية، سواء من الناحية الاقتصادية أو بسبب شحّ فرص العمل. الحرب أنهكت الجميع، وجففت جيوب المواطنين، والموظف بلا راتب. صبرت طويلًا، لكنني وجدت البقاء في الغربة أصعب من العودة، فقررت أن أرجع لأقضي ما تبقى من عمري في الوطن، أفتح محلًا صغيرًا يفي باحتياجاتي واحتياجات عائلتي، فهذا يكفيني ولا أطمع بأكثر.
وعن عودته إلى الوطن قال: كوني عدت عن طريق التهرّب، فقد تعرّضت لمخاطر عدّة كادت تودي بحياتي، لولا رعاية الله. وعند وصولي بين أهلي، كانت فرحتي كبيرة بلا شك، شعور بين الدهشة والامتنان، بين الخوف الذي انزاح والفرح الذي لم أستوعبه في لحظته.
وأضاف وصفًا للواقع بعد العودة: في وطني، وبالأخص في بيئتي، رصدتني الخبائث المتمثلة في الحسد والغيرة والنفور، وكأنني نكرة! لماذا؟ ألأنني نحوت اتجاهًا مغايرًا؟ كان يُفترض أن يُقابل ذلك بالعكس، فأنا لا أمثل نفسي فقط، بل أُمثل أهلي ومجتمعي ووطني. البعض الذي كنت أراه أقرب إليّ من أخي، وجدته متحينًا سقوطي! الغيرة والحسد صفتان مذمومتان، وعلى الإنسان إذا شعر بهما أن يستتر.
وأشار إلى أثر الغيرة والحسد على شعوره الشخصي: لم أكن غاضبًا منهما ، لكنني تألمت عندما تحولا إلى عداوة لدودة. كنت أعتقد أنني بعودتي سأعوض ما أهدرت من سنين ابتعادي عن أهلي وأصدقائي، وأنني سأجول بحرية في طول الوطن وعرضه. لم أتوقع أن أعيش غربةً أقسى من تلك التي كنت فيها خارجه، فالغربة السابقة لم تكن بهذا القدر من الضيق والرتابة.
وعن المشهد الثقافي في الوطن قال: على مستوى الواقع، يكاد لا يُرى له أي حراك يُذكر، عدا بعض الاجتهادات الفردية أو الجماعية خارج إطار المؤسسات الثقافية الحكومية. النشاطات الرسمية غالبًا موجهة ومحصورة بين طرفي الصراع، ولا تنبع من اهتمام حقيقي بالثقافة كقيمة مستقلة. معظم المبدعين اليوم يمارسون نشاطهم الإبداعي والثقافي بشكل فردي وافتراضي، ويركزون حضورهم في فضاءات السوشال ميديا التي أصبحت بديلًا عن المنصات الرسمية الغائبة.
الإنتاج الأدبي
واختتم حديثه قائلاً: أنتهيت منذ أسبوع من مجموعة شعرية جديدة بعنوان مضامير اللهاث، تجربتي العاشرة في قصيدة النثر، وتشكل كتابي الثالث عشر. تنضم هذه المجموعة إلى مخطوطين سابقين في انتظار الطباعة والنشر. أُحاول فيها الاقتراب من المساحات الداخلية للإنسان المنهك، ورصد اللهاث الوجودي في واقع مأزوم، مفتوح على احتمالات القلق والانطفاء.
وأضاف: أتمنى أن يحظى الأدب والمبدعون بمزيد من الاهتمام في أوطاننا، وأن تظل الكلمة الحرة قادرة على التعبير عن الإنسان وواقعه، وأن يكون للثقافة دور فاعل في ردم الفجوات وتخفيف وطأة العزلة والخذلان. وفي الختام، أوجّه جزيل الشكر والتقدير لكل من يسعى لتسليط الضوء على التجارب الإبداعية المحلية والعربية، ويقدّم الدعم للثقافة والأدب، فهذا يعكس وعيًا حقيقيًا وحرصًا على مستقبل الإبداع.
نص شعري من مجموعته "كائنات التراب".
الأصدقاءُ فحمٌ، رمادٌ في الأعينِ
الدّروبُ باهتةٌ، الحلمُ سراجٌ منطفئٌ
المكانُ مُستَلَبٌ
الأوراقُ دونَ نسغٍ
لا رعشةَ في الوجودِ
خواءٌ في خواءٍ
السّماءُ حالِكَةٌ
لا بشيرَ أو سكينة
النّهاراتُ عجفاءُ
والطّيورُ بلا حناجرَ.
تجنحُ الشّمسُ نحو عرينِ الغروبِ
الجبالُ تلبسُ عباءةَ الظّلمةِ
أتكوّمُ على نفسِي
بعينين دامعتين،
ماذا عن الّذين يعودون بشظفِ الحاجةِ،
فراغِ اليدين؟
عن الّذين لم يظفروا،
عن الّذي يلعقُ قطعةَ اللّحم بعينيه
عندَ دكّانةِ الجزّارِ، يتحسّس فاقتَه أمامَ فاكهةِ البطيخِ
وكيلو البرتقالِ.
عن أشجارٍ بلا عصافيرَ
عن حقولٍ دونَ سنابلَ
عن منازلَ دونَ إضاءةٍ، عن طرقٍ بلا مشاةٍ
وعن آباءٍ مكبلينَ بسلاسلِ الإملاقِ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.