عندما يصبح العمر ثمناً رخيصاً مقابل أيام قليلة عاشها الإنسان يكون الظلم هو المعيار الذي تم تحديد هذا الثمن على أساسه، هذا هو ما شعرت به «نجلاء» وتوصلت له بعد سنوات ذهبت هدراً مملؤة بالحرمان والشقاء والتعاسة.. مقابل خمسة عشر يوماً لحياةٍ زوجية عابرة.. تزوجت (نجلاء. أ. م- 23 عاماً)، محافظة الحديدة، بتاريخ 31/12/2008م من شاب تقدم لخطبتها من أهلها، يدعى (ر. م. أ) من سكان حارة الزبارية في الحديدة.. حينها تمنت نجلاء أن تعيش حياة زوجية سعيدة، مليئة بالمودة والحب والحنان، لذلك بادرت بأداء مهامها الزوجية على أكمل وجه منذ لحظة وصولها إلى بيت الزوجية تقول نجلاء: (تعاملت معه كزوجة مطيعة مثل سائر الزوجات، فكنت أصلح له الفطور والغداء والعشاء يومياً، وأقوم بغسل ملابسه، والاعتناء به في كل وقت ولم أرفض له طلباً واحداً..». قامت نجلاء بكل ما ينبغي لها كزوجة مخلصة ومحبة لزوجها أن تقوم به، غير أن عريسها خذلها.. لم يبادلها المودة بالمودة، والإخلاص بالإخلاص، تخلى عنها بعد مرور خمسة عشر يوماً فقط من الزواج.. تتحسر نجوى وهي تتحدث عن تلك الأيام القليلة فتقول: «بعد مرور تلك الأيام الجميلة، غاب زوجي عن المنزل فجأة، دون أدنى سبب، ولم يكلف نفسه يوماً عناء الاتصال بي، للاطمئنان على صحتي، لتجري الأيام والسنون، ويتغير كل شيء.. هذه هي النكبة التي نكبت بها من إنسان تجرد من كل معاني الإنسانية، والذي أثر على حياتي بطريقة غريبة، لم أكن أعلم بأنني سأكون ضحية لمثل هذا الزواج، الذي لو كنت أعلم نهايته السريعة قبل حدوثه، لما أقدمت عليه.. لكن لم تنكشف لي الحقيقة إلا بعد فوات الأوان.. وبعد هروبه إلى السعودية، وتركني وحيدة أواجه أعباء الحياة. اصطدمت «نجلاء» بواقع صعب ووجدت نفسها أمام مسؤولية شاقة وثقيلة، بعد أن غدر بها من وثقت به ورضيت بأن يكون زوجها وشريك حياتها، فغدر بها، وتركها وحيدة دون نفقة، ودون اهتمام، وحرمها حتى من مجرد الاتصال بها والاطمئنان على حالها.. تضيف نجلاء: «بعد مرور الأيام والليالي، الشهور والسنين، وأنا أنتظر عودة زوجي الذي خرج ولم يعد.. انتظرت كثيراً، وصبرت، فربما يعود إلى المنزل، ربما يكون غيابه من أجل تحسين وضعه المادي.. لكن بلا فائدة.. بحثت عنه في وجه كل عائد من الغربة، وطرقت كل الأبواب، لجأت إلى الأهل والجيران للبحث عنه ولكن بلا فائدة.. وحياتي الزوجية ضاعت بلا فائدة، لأنني لم أعش حياتي الزوجية مثل بقية الزوجات، بل عشت محرومة رغم أنني متزوجة، لم أجد الاهتمام والرعاية.. كل ذلك من أجل زوجي الذي لا يخاف الله.. وأصبحت حياتي جحيماً وعذاب.. أعيش في بيت أهلي لا أنا متزوجة ولا عازبة.. والنار تحرق قلبي ولا أجد ما أطفيها به، حتى وجدت نفسي مضطرة إلى أن ألجأ للقضاء، وطالبت بحقي الشرعي في خلع زوجي الذي تخلى عني وتركني وحيدة بعد أسبوعين فقط من زواجنا».. ضاقت الدنيا على نجلاء.. ولم تعد قادرة على تحمل المزيد من الهموم، فاضطرت إلى رفع دعوى قضائية طالبت فيها بفسخ عقد قرانها، وخلع زوجها، باعتبار ذلك حقاً شرعياً لها، لأن الزوج الذي اختفى بعد أسبوعين من الزواج تخلى عنها فجأة، تركها بدون نفقة، لم يسأل عنها، لم يتصل لها في يوم من الأيام، انقطعت أخباره، وقد صبرت سنوات كثيرة تنتظر عودته مع أن الشرع يعطيها الحق بطلب الفسخ بعد أشهر من اختفاء الزوج وانقطاع أخباره وعدم قيامه بواجب النفقة. رفعت نجلاء دعواها القضائية لدى شعبة الأحوال الشخصية في محكمة شمال الحديدة، مطالبة بخلعها وفسخ عقد نكاحها من زوجها بسبب غيابه الطويل وعدم قيامه بواجب النفقة، ولأن حياتها الزوجية معه لم تدم أكثر من خمسة عشر يوماً فقط.. وبعد عدة جلسات حضرتها نجلاء مع محاميتها الخاصة، وفي ظل غياب الزوج الذي قامت المحكمة باستخدام السبل المتاحة لإعلانه مثل إبلاغ عاقل حارته وقسم الشرطة ونشر الإعلان في الجريدة الرسمية، وبعد استنفاد كل تلك الوسائل دون جدوى، قامت المحكمة بتنصيب أحد المحامين عنه، وخلال الجلسات قدمت نجلاء شهود إثبات الزواج والغياب أيضاً، لتصدر المحكمة حكمها لصالح المدعية، حيث قضى الحكم بفسخ نكاحها من ذلك الزوج الغائب نظراً لقيامه بتركها دون نفقة ودون عشرة زوجية لعدة سنوات مما عرض حياتها لضرر كبير.. استطاعت «نجلاء» أن تفسخ عقد زواجها وأن تخلع زوجها بعد تخليه عنها، لكن هناك آلاف الفتيات اللواتي يعشن معاناة مشابهة لمعاناة نجلاء، بعد أن تركهن أزواجهن وحيدات يواجهن قسوة الظروف، ومشقة الحياة، وحرموهن من جميع حقوقهن الزوجية، ومع ذلك لم يستطعن أن يحصلن على حقهن الشرعي في فسخ الزواج، ولم يجدن من يقف إلى جانبهن ويمد لهن يد العون والمساندة.