لأول مرة في حياتي أقف أمام إشارة المشاة عندما كنتُ في بيروت قبل أسابيع.. شعورٌ جديدٌ وجميلٌ أن تقف احتراماً وتعبر بأمان، وأنت تتلفَّتُ يميناً وشمالاً فترى الناس واقفين وعيونهم تنتظر الإشارة الخضراء. هذا مظهرٌ بسيطٌ من مظاهر احترام الدولة لحياة المواطن، واحترام المواطن للقانون الذي وُجد لحمايته.. وحين تقف على أيِّ رصيف وليس أمامك إشارة مشاة، فإنك ترى السيارات تقف لك في وسط الطريق، وليس هناك سيارة تقف وأخرى تعبر، كلهم يقفون احتراماً لك، فتعبر إلى الخط الثاني ويدك على صدرك كعلامة للامتنان. أتنهَّد حين أقارن هذا التعامل مع ما يجري في بلادنا.. إذ أن عبور الشارع عندنا يُعتبر مخاطرة، ولو حدث وعبرتَ الشارع بسرعة وهناك سائقٌ مسرعٌ فسيخرج رأسه من نافذة السيارة ويشتُمك حتى سابع جد. في بلادنا، الدولة لا تحترم حياة المواطن، ولم تقدِّم له ما يساعده على احترام القانون والإحساس بوجوده. في بداية الثمانينيات كان هناك إشارات للمشاة في صنعاء.. أتذكَّر واحدة كانت بجوار مدرسة عمر المختار، لكن هذه الإشارات انقرضت وكأنها ديناصورات. ومن البديهي أنه كلَّما مرَّ الوقت تزداد الدول تقدُّماً، وتنطبق هذه البديهية على العالم كله إلا نحن.. فكلَّما مرَّ الوقت نزداد تراجُعاً وفقراً وجهلاً.. أما إشارات المرور التي تنظِّم حركة سير السيارات، فقد تم اختراعها لراحة الإنسان، وإعفاء رجل المرور من الوقوف تحت الشمس طوال اليوم، لكنها أصبحت في اليمن أثراً بعد عين.. ولا تكاد تشاهدُ إشارةً واحدةً ما تزال محتفظة بعيونها الثلاث الملوَّنة.. وبعضها أصبحت مُعلَّقة وكأنها تعرَّضت لغزو كائنات الفضاء.. حين تريد أن تقيس مستوى ثقافة أي شعب، فما عليك إلا أن تقف قليلاً في أيِّ تقاطع لترى مدى احترامهم لإشارة المرور، وكيفية تعاملهم مع الطريق.. فثقافة احترام الطريق هي نابعة من احترام القانون.