ترتسم حاليا في المنطقة العربية صورة قاتمة حول السياسة التركية، بعد إرث سنوات الربيع العربي، التي شكلت مفصلا هاما في الانتقال من التصورات الإيجابية نسبيا إلى الصورة السلبية إثر تدخلات أنقرة الجامحة في ملفات المنطقة. ويرى محللون أن أنقرة عمدت إلى "الانتهازية" السياسية للاستفادة من مناخ الربيع العربي وحالة السيولة السياسية والأمنية للتورط في المنطقة وتمرير أجندة حزب العدالة والتنمية الحاكم. وتسببت "اليد التركية" في الأحداث على الساحتين السورية والمصرية بتراجع واسع في منسوب ثقة العرب تجاه سياسة أنقرة وأهدافها التوسعية الإقليمية. ونقلت تقارير تركية الأربعاء عن استطلاع للرأي العام أجرته مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التركية "تيسيف" أن التصورات الإيجابية حيال سياسة تركيا الإقليمية في أدنى مستوياتها وخاصة في سوريا ومصر، رغم أن 60 بالمئة من العينة المستطلعة أشارت إلى دور تركيا الإقليمي الواسع. وشهد منسوب الثقة العربية في السياسات التركية نزفاً متواصلا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إذ هبطت شعبية هذه السياسة من 78 بالمئة في العام 2011 إلى 69 بالمئة في العام 2012 وصولا إلى 59 بالمئة في العام 2013. وفي آب/أغسطس الماضي أدانت الحكومة المصرية، بشدة تصريحات لرئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، طالب فيها بتدخل مجلس الأمن وجامعة الدول العربية في الشأن الداخلي المصري، معتبرة أنه أمر مرفوض تماماً جملة وتفصيلاً. وعمدت القاهرة إلى طرد السفير التركي من البلاد في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، بعد أن "أمعنت أنقرة في مواقفها غير المقبولة وغير المبررة بمحاولة تأليب المجتمع الدولي ضد المصالح المصرية". وألمحت نتائج الاستطلاع إلى الكراهية المتنامية في مصر وسوريا تجاه السياسة التركية، حيث يحمل 38 بالمئة فقط من المصريين تصورات إيجابية حول أنقرة فيما أن 62 بالمئة يحملون تصورات سلبية. أما في سوريا فلم يكن الوضع أحسن حالا، إذ ينظر 22 بالمئة فقط من العينة السورية بإيجابية تجاه السياسة التركية، ويحمل 78 بالمئة تصورات قاتمة حيالها. ويعكس واقع الأرقام، تداعيات تورط إيران في التطورات الأخيرة داخل البلدين وتدخلها في شؤون محلية بحتة، إذ تستمر حكومة حزب العدالة والتنمية في الانحياز إلى أطراف بعينها في الملف السوري، وانحياز منقطع النظير للإخوان في مصر، إضافة إلى انحيازات أخرى في الشأن التونسي. وتحت قيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، تحولت تركيا إلى لعب دور انتهازي في ملفات المنطقة العربية، مستفيدة من المناخات التي أتاحتها الاضطرابات في دول الربيع العربي. ويرى 88 بالمئة من السوريين أن أنقرة غير ودية تجاههم بالمطلق، فيما أن 68 بالمئة من المصريين أكدوا أنها تحمل أهدافا غير ودية تجاه بلادهم. ووفقا لنتائج الاستطلاع فإن الكثيرين ينظرون إلى أن سياسات تركيا الإقليمية تتجه إلى مزيد من "الطائفية" في نهجها.