تدخلت الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة تدخلا عسكريا مباشرا في ليبيا، وقضت على الجيش الليبي، وأسقطت حكم القذافي، وسلمته مع البلاد لمن أسمتهم الثوار، وكان ذلك بدعم من جامعة الدول العربية، ودول عربية أبرزها قطر التي ساهمت عسكريا، ومولت المجهود الحربي.. تعتبر ليبيا مثالا جيدا لفشل ما سمته الدوائر الأمريكية «ربيع عربي».. سلم الحلفاء ليبيا للحكام الجدد، فحولوها إلى مزق بيد المليشيات المسلحة التي زرعت الخراب ودمرت كل شيء في ليبيا تقريبا، وحالت جماعة الإخوان وحليفاتها الإرهابية دون إعادة بناء مؤسسات الدولة، فمنذ سقوط نظام القذافي إلى اليوم تعاقبت ست حكومات تقريبا، وكان الإسلاميون الذين تتبعهم مليشيات مسلحة ذات نفوذ، و يسيطرون على المجلس الوطني، يسقطون هذه الحكومات واحدة تلو أخرى، ويعتقلون رؤساءها كلما شعروا أن هناك توجها نحو تقليص نفوذ المليشيات المسلحة أو استعادة الدولة، فساهم غياب الدولة في زيادة نمو هذه الجماعات وتأثيرها في الحياة العامة، حيث سيطرت على معظم المؤسسات، وتسببت في تراجع إنتاج النفط، و مارست أبشع أشكال العنف، واستهدفت جنود وضباط الجيش الليبي خصوصا، بدعوى أنهم من النظام القديم، ومن تبقى منهم ظل في حالة استضعاف وحياد، ولا يزال هذا القسم محايدا حتى في ظل الصراع الدائر اليوم في ليبيا. لم تتدخل الدول الأوروبية وأمريكا عسكريا في ليبيا لضرب الجماعات الإرهابية، كما تدخلت مباشرة من قبل لإسقاط القذافي، فهي ترغب بإضعاف الإرهاب في ليبيا الذي ألحق ضررا بمصالحها، ولكن يبدو أنها أوكلت المهمة لليبيين أنفسهم، ولذلك ظهر فجأة الضابط المتقاعد خليفة قاسم حفتر، ليقوم بهذه المهمة بداية من بنغازي التي يقود فيها عملية «الكرامة» لتحرير ليبيا من الإرهابيين.. وبحسب متابعتي للوضع في ليبيا يمكنني القول إن هذا البلد سوف يدمر أكثر، ويغرق في الدماء، ما لم يحصل الليبيون على دعم خارجي، لأن من تبقى من الجيش والمجموعات القليلة التي تدربت في بعض الدول الغربية، تقف في مواجهة عدة تنظيمات إرهابية تغلغلت في أنحاء ليبيا، ومنها جماعة أنصار الشريعة، و جيش تحكيم الدين، وجيش الشورى الإسلامي، وهذه الجماعات المسلحة الثلاث الرئيسية التابعة لتنظيم القادة، إلى جانب الجماعات التابعة للإخوان المسلمين، مثل كتيبة 17 فبراير، وكتيبة راف الله السحاتي، هذا التحالف سيطر على كثير من تركة الجيش السابق ومعظم الأسلحة التي زودت بها الولاياتالمتحدة المقاتلين ضد القذافي..لن تكون معركة سهلة، ولنراقب.