لا تستبعد القوى السياسية التونسية والخبراء تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في أكتوبر وذلك نظرا لعزوف المواطنين على تسجيل أسمائهم، الأمر الذي سيؤدي إلى إعادة سيناريو انتخابات 2011 عندما لم يدل بأصواتهم سوى 50 بالمائة من الناخبين. وعلى الرغم من حملات تحسيس المواطنين عبر وسائل الإعلام بضرورة تسجيل أسمائهم لممارسة حقهم الدستوري في اختيار نواب الشعب ورئيس الدولة، لم يتجاوز عدد المسجلين 100 ألف من بين 8 ملايين تونسي يحق لهم الاقتراع. وقد دفعت هذه النسبة الكارثية لعدد المسجلين بعدد من قيادات الأحزاب السياسية إلى إطلاق صيحة فزع مشددة على أن إجراء الانتخابات في ظل عزوف المواطنين سيعيد إنتاج منظومة 2011، ما يعني أن السلطة التي ستنبثق عن الانتخابات القادمة ستكون فاقدة للمشروعية، ولا تعبر عن إرادة الشعب، وبالتالي لن تحقق تطلعات التونسيين إلى انتخابات نزيهة وديمقراطية. ودعا كل من زعيم حزب حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي، وزعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي إلى التمديد في الآجال الانتخابية ،وإتاحة مزيد من الوقت للمواطنين، مشددين على أنه من غير الممكن تنظيم انتخابات وغالبية الناخبين غير مسجلين. وقال حمة الهمامي أن إجراء الانتخابات بنصف عدد الناخبين "سيؤدي إلى انتخابات كارثية، بمعنى أن الطرف الذي سيفوز بها لن تكون له تمثيلية شعبية واسعة، وأن الائتلاف الحزبي الذي سيحكم سيكون أقليا"، وهذا يعني أن وجود فئات وجهات سوف تؤكد أن من يحكمها لا يمثلها وهو ما سيفتح الأبواب أمام الأزمات وحركات الاحتجاج. واتهم الهمامي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وكذلك الحكومة مسؤولية عزوف المواطنين عن التسجيل ملاحظا أن "العملية متعمدة وإقصاء ممنهج للمواطنين حتى لا يسجلوا، وكأنه توجد رغبة في تنفير الناس من التسجيل حتى يبقى الوضع كما كان عليه". من جهته حذر المرشح للانتخابات الرئاسية قائد السبسي من أن الانتخابات القادمة "ستكون خالية من المصداقية والنزاهة ولن تشكل نقلة على في مسار تونس الديمقراطي إذا كان غالبية التونسيين غائبين يوم الاقتراع". ويقول التونسيون بأن الانتخابات القادمة لن تغير من الأزمة التي تعيشها البلاد في شيء نظرا إلى أن الأحزاب السياسية "تتصارع على كرسي الحكم وليست معنية بمشاغل المواطن الحقيقية". ويرجع الخبراء عزوف المواطنين على التسجيل إلى "عدم ثقة المواطن في رجل السياسة واقتناعه بأنه لن يمنح صوته لأحزاب فاشلة لا هم لها سوى استغلال هموم الناس للوصول إلى الحكم". ويضيف الخبراء أنه على امتداد السنوات الثلاث الماضية "تعمقت هوة سحيقة" بين غالبية التونسيين والأحزاب السياسية، إما لفشل بعضها في الحكم مثل حركة النهضة وحليفيها العلمانيين المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات، أو لعزلتها عن الشعب مثل الأحزاب اليسارية والعلمانية. وفي ظل عزوف المواطنين ونفورهم من العملية السياسية تبدو تونس مقبلة إما على إجراء الانتخابات بنصف عدد الناخبين في أحسن الحالات أو تأجيل الانتخابات إلى ما بعد 2014. ويؤكد المتابعون للمشهد السياسي التونسي أن ضعف نسبة الاقتراع تخدم أحزاب سياسية بعينها، وفي مقدمتها حركة النهضة ذلك أن تهميش أصوات التونسيين سيمنح الفرصة لأنصار الحركة للاستفراد بصناديق الاقتراع مثلما حصل في انتخابات 2011 حين لم يدل بأصواتهم سوى نصف التونسيين. وأمام رفض الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التمديد في آجال التسجيل في ظل الضعف الكبير لعمليات التسجيل، دخل المسار الانتخابي في أفق مسدود وهو ما يستوجب الاستنجاد بآلية الحوار الوطني باتجاه تنقيح القانون الانتخابي للخروج من "أزمة" إن لم تعالج ستقود تونس إلى كارثة انتخابية تتولد عنها سلطة فاقدة للمشروعية تكرس الوضع القائم وتعمق خيبة التونسيين من السياسيين وقد تنسف المسار الديمقراطي من أساسه.