بدأت المسألة من العراق حيث قامت أمريكا عام 2003م بغرس عوامل التفكيك وفق الطوائف الثلاث: السنة والشيعة والأكراد، ومن ثم دعمت السياسة الحاكمة بالعراق صور التمزق في أبشع حالاته، ومن العراق بدأت تتجذر عربياً أيديولوجيا الفوضى السياسية الخلاقة المتطرفة، وهي نفسها من استشعرت الظلم وخلقت حركات الربيع العربي عام2011م حركات شعبية اجتمعت في مطلب التغيير في شتى المجالات وطموحات انقلبت فيما بعد إلى إرهاصات واحتكارات للسلطة بلا حدود من قبل الجماعات الإسلامية المعروفة باسم الإخوان المسلمين، وتولدت مشاعر الخصام العام وعدم الرغبة في التصالح الوطني مع سواد الشعور بالنفور من الآخر، بل واستخدام أساليب التناحر في أجواء لا تؤسس للوئام على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، ولاحقاً رأينا من ناشدوا في الأمس بالتغيير والنهضة يقصون الآخر في شتى المجالات مبعدين عن الساحة التيارات الأخرى كالعلماني والليبرالي، فلم تقد الجماعة الإسلامية دول المنطقة التي سادت فيها الأوضاع نحو الأفضل، بل قدمت الكثير من الأعذار الواهية، وبكون الفساد لم يكن إلا حصيلة تراكمات ومخلفات النظم السابقة فلا طائل لها عليه أو لوضع حلول لمعالجته، هذا ومع خلق الكثير من الأزمات المتتالية التي استنزفت قدرات الشعوب على التحمل، بل واضطرتها لاحقاً في بلادنا للخروج في مظاهرات منددة بفساد الحكومة رافضة لإلحاق المزيد من الأزمات والأعباء فوق كاهل المواطن الضعيف، وفي حين باتت أرض الوطن ميداناً يفرز أنواعاً متعددة من التناحرات والخلافات لتقف الدولة متفرجة دون إيجاد الحلول الناجعة المنطقية لتهدئة الأوضاع المتأزمة، فالمؤشرات خطيرة، وأكثر وضوحاً من ذي قبل لنشوب حروب أهلية في ظل توافر السلاح بكل سهولة، وانتشار النزاعات القبلية المتأهبة والمدعومة بقوة السلاح، كل تلك العوامل على الساحة السياسية تعد دافعاً قوياً لجر الوطن نحو التهلكة التي لن تصب على أية حال في مسار رؤية مستقبلية مضيئة لمجتمع متماسك متعايش سلمياً، ومن جهة أخرى نشهد على الساحة زجا للجيش في حروب على أساس المذهبية والطائفية وهو أسلوب اتبعته الحكومة في حربها ضد الحوثيين في عمران مؤخراً لتحقيق الانتصارات لفئة، وهو من أخطر ما قد يحيق بأفراد القوات المسلحة، فالجيش قوة لحماية الوطن ككل لا ينبغي أن يحتكر أو يجر لحروب على أساس مذهبي أو طائفي أو فئوي، وبعيداً عن أي حزب تنفذ أهداف القوى العسكرية لحماية أراضي الوطن قاطبة ومواطنيه على السواء دون أي تفرقة أو إقصاء، فلمصلحة الشعب قاطبة تصب الغاية وتتحقق الأهداف.