كثير من الفقهاء، والمتكلمين، ومشاهير العلوم التجريبية، المسلمين، كانت لهم مهارات عملية، فكانوا يشتغلون بمهن مختلفة يتكسبون منها، وقليل منهم كان يتكسب من التأليف والفتوى.. ألقابهم تشير إلى تلك المهن، مثل الورّاق، وهو الذي يعمل في سوق الوراقة، ناسخ أو بائع ورق، وكذلك البزاز، بائع البز، والزجاج، والخياط، والغزالي، والحائك، والعطار.. الفقيه البغدادي أبو علي الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي، لقب بذلك نسبة إلى الكرابيس، وهي الثياب الغليظة التي كان يشتغل ببيعها.. وأبو حفص عمر بن خضر، شيخ الموصل، كان لقبه الملاء، إذ كانت مهنته التي يتكسب منها، ملء التنانير بالآجر.. والمعروف علميا أن هناك علاقة بين العمل، وجودة التفكير، كما أن من يفكر وينظر ويؤلف وهو معزول عن المجتمع، لا يرى تفاصيله، غير من يفكر وينظر ويؤلف، ويفتي، وعيناه مفتوحتان على المجتمع ودقائقه. لا نقول إن رجال الدين اليوم يجب أن يشتغلوا في بيع الكرابيس، أو سوق الوراقة والخياطة والحياكة، فقد صار التخصص في علم معين مطلوبا، ومن هذا العلم يتكسبون، حتى قيل إن واحدا من الدعاة السعوديين رأسماله عشرة ملايين دولار من برامج الفتاوى والفهلوة والخفة، والبراء والولاء، والزنداني يكسب الملايين من أوهام الإعجاز والطب النبوي وهو في مخبأه، وفي حارتنا بين كل مداوٍ بالقرآن، ومداوٍ بالقرآن، مداوٍ بالقرآن، رغم أن الرسول الذي نزل عليه القرآن، وكان كله قرآناً، كان لما يمرض يطلب أطباء يهوداً. لكنا نقول ما يقوله أهل العلوم الإنسانية والتجريبية، إن الذين يخبرون الواقع نادرا ما يخطئون في توصيفه، ومعرفة علله، ووصف الدواء لها، وبالنسبة للفتاوى أسهل شيء أن تقول هذا حرام وهذا لا يجوز، ويكفي لذلك أن تقرأ في الكتب القديمة أو الجديدة - وكلها سواء- ثم تتقيأ ما قرأت.. أين صالح الفوزان يقطع حديثه احتجاجا على وجود تصوير داخل الحرم!! فهل يعيش هذا في الدنيا؟ وعندما يفتي رجل الدين الكويتي البراك أن العمل في أوكار الدعارة أقل إثماً من العمل في قنوات إم بي سي! وأن رواتب العاملين فيها محرمة.. هل من الدين ومن العقل أن يقال إن المذيعات في تلك القنوات لو اشتغلن في الدعارة سيكون إثمهن أقل من إثم الإذاعة؟ وعندما يفتي السلفي الجوهري بوجوب تحطيم أبو الهول والأهرامات، والتماثيل والآثار المصرية، لأنها أصنام وأوثان تُعبد من دون الله، أين عقله من الدين، وأين دينه من الواقع؟