سجلت العربية السعودية أسوأ سنة دبلوماسية لها خلال 2016، وتبدو مؤشرات 2017 سلبية بعدما بدأت تفقد تدريجيا حلفاءها وتجد صعوبة في صياغة علاقات بعيدة عن "العطاء البترولي" الذي ميزها في شراء مواقف الدول الصغيرة والكبرى عبر صفقات الأسلحة. وعرفت سنة 2017، الاتفاق النووي الشهير بين إيران والقوى الست الكبرى، لكن ترجمته إلى واقع سياسي بدأ سنة 2016. وبدأت القوى الغربية تغازل إيران إيمانا بما يوفره السوق الإيراني من أرباح مستقبلا. ونجحت إيران في التوقيع على صفقتين من أكبر الصفقات في تاريخ الطيران مع كل من إيرباص وبوينغ بما يفوق 36 مليار دولار سنة 2016. وهذا الاتفاق هو سحب البساط من العربية السعودية التي كانت توظف الصفقات الكبرى للضغط على الدول الغربية للتشدد في سياستها تجاه طهران. ولم تكتفِ الدول الغربية بعدم الإنصات للسعودية، فقد بدأت الرياض تحتل مكان طهران "كدولة مارقة" في تحاليل الاستخبارات. وبدأت ألمانيا بتوجيه الاتهامات إلى السعودية بالوقوف وراء التطرف في العالم، وطالبتها بإغلاق مراكزها الثقافية في ألمانيا، وهو ما تم بالفعل في المدن التي كانت تخطط الرياض لفتح مراكز جديدة. لكن الضربات الكبيرة كانت من الولاياتالمتحدة. فقد اتهمت تقارير الولاياتالمتحدة السعودية رفقة دول الخليج بدعم المتطرفين في سوريا، وانضاف لها تصريحات دونالد ترامب خلال الحملة الانتخابية بالمطالبة بتحمل السعودية مصاريف أي حماية عسكرية أمريكية مستقبلا. لكن الضربة القاسية التي تحولت إلى سيف دومقليس هي مصادقة الكونغرس وجلس النواب الأمريكي على قانون "جاستا" الذي يتيح للأمريكيين رفع دعاوى ضد السعودية بسبب تورط مواطنيها في تفجيرات 11 سبتمبر. ومن الغرب تحديدا، جاءتها الضربات الدبلوماسية القوية في الحرب التي تشنها على اليمن بزعامة مجموعة من الدول الملكية "عاصفة الحزم"، فقد نبهتها بريطانيا، وندد بها البرلمان الأوروبي، وقد توقف كندا صفقات ضخمة للأسلحة بسبب مقتل مدنيين في الحرب. وفقدت العربية السعودية البوصلة النهائية في الحرب في سوريا، فقد كانت تتزعم جبهة مناهضة نظام بشار الأسد عسكريا ودبلوماسيا، ولكن ما لبثت أن انكمشت في هذا الملف بعد تدخل الدب الروسي الذي يصوغ خارطة الطريق لسوريا خلال العقود المقبلة رفقة تركياوإيران. خلال 2016، فقدت ما كانت السعودية تعتبره جناحيها المسلحين، تركيا ومصر، فالأخيرة استعادت استقلالية قرارها السياسي وانفتحت على سوريا ورفضت حرب اليمن، بينما تركيا همشت السعودية بصفة مطلقة في الملف السوري، ولن يفاجأ الرأي العام إذا خرج الرئيس التركي طيب رجب أردوغان غدا يتهم السعودية بتمويل داعش كما اتهم الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضي بالخصوص بعد تعرض بلاده لمزيد من الضربات الإرهابية. ودائما في مسلسل الخسارات الدبلوماسية، لم تعد سفارة السعودية في بيروت المرجع السياسي للسنة ونسبة من المسيحيين، فقد اتفق اللبنانيون على ميشال عون رئيسا للبلاد، وهو ما كانت تطمح له إيران وحزب الله بل حتى سوريا رغم مشاكلها، وخرج سعد الحريري من عباءة الرياض. وأقدمت الرياض سنة 2016 على مبادرات دبلوماسية-عسكرية كاريكاتورية في أعين بعض الخبراء وهو مؤتمر قيادة أركان الدول الإسلامية في الرياض خلال مارس الماضي. فقد رغب ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان تأسيس حلف أطلسي إسلامي من دول أغلبها منهوكة عسكريا وأخرى تبتعد عن الأجندة العسكرية السعودية. ويؤكد أغلب المراقبين أن الاجتماع التأسيسي هو الأول وسيكون الأخير لأن المؤتمر كان عبثا وأحلاما مراهقة. وتجمع معظم تقارير الدراسات الاستراتيجية على تلقي الدبلوماسية السعودية ضربات قوية سنة 2016 أوهنت مكانتها الدولية خاصة بعد تراجع أسعار النفط. ولم تعد هذه المراكز تعالج فقط التراجع السعودي في الخارج بل تركز على الوضع الداخلي الصعب نتيجة الأزمة الاقتصادية، وهو ما سيزيد من إضعاف الرياض دوليا. ويمكن اختصار تراجع السعودية في الساحة الدولية في قراءة شعارات التحدي التي رفعها وزير خارجيتها عادل الجبير والتي لم تجد صدى بل انقلبت ضد الرياض وبدأت تتبرأ منها بتصريحات ملتوية وهي شعار: "بشار سيرحل وبالقوة"، وها هو بشار أصبح قويا في دمشق وترغب الدول الغربية في بقائه لسنوات. والشعار الثاني وهو "سنسحب أموالنا من الولاياتالمتحدة إذا تم التصويت على قانون جاستا"، وها هو الكونغرس ومجلس النواب قد صوتا على القانون سنة 2016، وها هي السعودية تلتزم الصمت خوفا من الرئيس الجديد الذي سيحتل منصبه في ظرف أسبوعين دونالد ترامب الذي سيرد على التحدي والعناد بتحدٍّ وعناد مضاعف.