حينما يشخصن المشترك خلافه مع الرئيس علي عبدالله صالح، فهذا شيء تعودنا عليه، لكن أن تأتي هذه الشخصنة من مجلس الأمن فهذا أمر يستدعي التوقف والتحليل ومحاولة الاستنتاج.. ولو أن القوى الغربية لم تستطع استخراجه كقرار وإنما بيان وبصيغة معدلة وبما لا يخدم الهدف المطلوب والذي تم إعطاء الوعد للحلفاء في اليمن بمضمونه، والسبب الموقف الروسي والصيني الذي اتسم بالموضوعية إلى حد كبير، وساعدهم في ذلك خلو التقارير المرفوعة من الدلائل الثبوتية. لماذا البيض؟ المستغرب أيضاً هو ذكر علي سالم البيض كشخصية معرقلة لتنفيذ الاتفاق إلى جانب صالح، مع أن البيض ليس ملزماً بتنفيذ اتفاق هو لم يوقع عليه أصلاً. بعض المحللين يرون أن البيان موجه ضد إيران بالدرجة الأولى باعتبار أن البيض حليف لإيران في الوقت الحاضر، ولكن هل صالح حليف لإيران أيضاً؟ الجواب هو وجود تقارب في المصالح بينه وبين حلفاء إيران في اليمن وبالتأكيد لن يشمل هذا التقارب مع غريمه اللدود علي سالم البيض، وهذا التقارب إن وجد هو نتاج استهداف المشترك والإخوان والقوى المحركة لهم للرئيس السابق، ووضعه في خانة حليف إيران من أجل استعداء الغرب والخليج ضده، والرجل لن يجد بداً من هذا التقارب كرد فعل طبيعي للغباء المستمر لحلفاء الأمس.
صالح.. إيران العلاقة المعقدة إيران –شاءت أم أبت- خدمت الرئيس السابق خلال فترة الاحتجاجات عام 2011م، حيث أن القوى الغربية والإقليمية لم تجرؤ على الصدام المباشر والصريح ضد الرئيس صالح، مع أنها كانت محركاً قوياً ومنسقاً للأحداث العاصفة بالمنطقة وبالتنسيق مع الإخوان، وذلك خوفاً من ردة فعله الذي كان من المؤكد أنها ستكون فتح الباب وإصلاح العلاقات مع إيران –العلاقات الرسمية- وبالتالي انضمام اليمن لمحور إيران-سوريا، خصوصاً أهمية موقع اليمن جنوب الجزيرة والخليج، وكانت إيران لن تتردد حينها في ذلك، بل كانت ستحتضن الرئيس صالح بكل قوة لتكمل الكماشة على دول الخليج من ثلاثة محاور، لكن بذكاء يحسب له استطاع صالح إخراج اليمن قدر الإمكان من صرع المحاور الإقليمية –على الأقل رسمياً- حيث كانت ستكون ردة الفعل الغربية والإقليمية هو إشعال السيناريو السوري في اليمن، وبما يتعارض حتى مع مصالح هذه الدول نفسها، وهذا يفسر عدم تجرؤ هذه القوى على مواجهة صالح بصورة صريحة ومباشرة عام 2011م، ويحسب لصالح ابتعاده عن هذا الخيار مع عدم ارتمائه في أحضان الغرب بصورة مطلقة، كما حصل من خصومه الإخوان المسلمين الذين هم في حلف مع الولاياتالمتحدة، لم يعد يخفى على أحد وبما يخدم مصالح إسرائيل، وهذا يقودنا إلى وقفة أمام الحلف (الإخوا – أمريكي) السري في المنطقة، والذي بالتأكيد سيكون مآله الفشل الذريع.
هامش على الحلف (الإخوا – أمريكي) قد يختلف معي الكثير أن الاحتجاجات الشعبية (أو الشبابية سمها ما شئت) في المنطقة كانت أمراً متوقعاً من المخابرات الأمريكية التي كانت قراءتها أن الإسلاميين هم التيار الأقوى شعبياً في المنطقة، وكانت هذه القراءة قصيرة النظر. لذلك تحالف معهم بصورة مباشرة في عملية سرية تم الإعلان عنها (أو تسميتها) لاحقاً باسم عملية الربيع العربي، بموجب هذا الحلف ستقدم الولاياتالمتحدة الدعم اللامحدود للإخوان في المنطقة من أجل الوصول إلى الحكم في الدول المستهدفة بعملية الربيع العربي في المرحلة الأولى، الدعم بأنواعه المباشرة وغير المباشرة، السري والعلني مقابل التزامات على الإخوان للولايات المتحدة كالتالي: 1- رعاية المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. 2- استبدال العدو الرئيسي للعرب ليكون إيران بدلاً عن إسرائيل. 3- ومن ثم العمل والتهيئة لإشعال حرب عربية إيرانية بالوكالة عن أمريكا وبدعم تركيا وبتمويل النفط العربي وتحت الراية المذهبية سنية شيعية. واضح أن الواقع العربي الآن يتحدث عن ذلك، كان لا بد من عرض هذه الرؤية حتى نفهم كيفية صدور هذا البيان الركيك من مجلس الأمن، حيث يعتبر تنفيذاً لالتزام الولاياتالمتحدة وحلفائها بتنفيذ اتفاقهم مع الإخوان والعمل على إيصالهم للحكم في اليمن كجزء من المنطقة ككل، ولكن يبدو أنهم فشلوا في الحكم كلياً في اليمن كما فشلوا في إرساء الاستقرار في الدول التي نجحوا في الوصول إلى سدة الحكم فيها لا لشيء ولكن للغباء السياسي والأحقاد الشخصية والعمل على تصفية الحسابات مع كل خصومهم السياسيين بمنطق جورج بوش "من ليس معي فهو ضدي".. والذي لا تقدر عليه الآن خليه لبعدين!!. إن فشل الإخوان في اليمن وباقي الدول يعتبر فشلاً للولايات المتحدةالأمريكية نفسها، وهذه هي المشكلة.
عودة للموضوع لقد رفض صالح إدخال اليمن في السيناريو السوري، ونجح في ذلك، كما حاول الإخوان إدخال اليمن في السيناريو الليبي وفشلوا، فتم عمل سيناريو يمني تحت عنوان "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية"، ووافق الإخوان وحلفاؤهم على المبادرة وآليتها على مضض، والآن يعودون للمطالبة برحيل صالح عن البلد أو عن المؤتمر في مخالفة واضحة للمبادرة، ولا داعي لتفسيرات بلهاء. إن مطلب الإخوان والمشترك بشكل عام برحيل صالح من اليمن مطلب غبي منهم، ومن الذي يدعمهم خارجياً، ويأمرهم محلياً، فيه من الغباء ما لا يخفى على القارئ للأحداث الذي يشاهد أن الحلف الإخوا أمريكي بدأ في التهاوي والفشل رغم الهيلمان الذي لا يزال يتصوره البعض عن أمريكا والغرب في الداخل والخارج. لنفرض جدلاً -ولا أعتقد أن هذا سيحصل- أن مطالب الإخوان تم تنفيذها وتمت تنحية صالح عن الحياة السياسية تماماً، ما الذي سيحدث حينها؟!.. أولاً لن يكون صالح هو آخر مطالبهم والذي يظن أنهم لن يعملوا على إقصاء هادي هو واهم، ومن ثم البدء تدريجياً في تصفية الحسابات مع كل المخالفين لهم.. جميع المخالفين دون استثناء بما في ذلك حلفاؤهم في المشترك، وبذلك سيتم تطبيق السيناريو المصري وسيكون حزب الإصلاح هو النسخة عن حزب الحرية والعدالة، ويكون باقي أعضاء المشترك هم نسخة عن الفلول وما أدراك ما الفلول وبالتالي اضطرابات ومظاهرات وتدهور على كل الأصعدة، وهذا السيناريو قائم ولكنه ضعيف خصوصاً مع الوعي الشعبي القائم وكذا المتغيرات الدولية القائمة التي لن تسمح بتكرار هذا السيناريو. يجب على المشترك خصوصاً الإخوان وكذا على حلفائهم الغربيين إعادة النظر وقراءة المعطيات من جديد وعمل وقفة للمراجعة وتقييم الموقف وتحديد الأولويات. لقد غادر الرئيس صالح السلطة ولن يعود إليها أبداً إلا إذا كان مجنوناً كما قال هو بنفسه... والمشترك يعرفون أنه لن يعود للسلطة ولم يعد يمثل تهديداً للحوار، ولكن لأن المشترك مرتهن لمركز القوى القبلية والعسكرية والدينية التي توجهه كما تشاء فإنه العقبات تلو العقبات أمام الحوار، وطالما بقي المشترك تحت هيمنة هذه القوى فلا جدوى ولا طائل من الحوار أبداً. إن القوى القبلية والعسكرية والدينية أيضاً لم تفهم إلى الآن أن بقاءها في مواقعها كان مرهونا ببقاء صالح في السلطة.. لقد عرف صالح أن بقاءه في الرئاسة لم يعد ممكنا ولم يعد في صالحه ولا في صالح البلد فقرر الخروج من السلطة بأقل الخسائر عليه وعلى البلد، وهذه شهادة لا بد من ذكرها.. ولكن القوى القبلية والعسكرية والدينية لم تعِ للآن أن الزمان لم يعد زمانها .. ولا زالت تتمسك بمواقعها بأيديها وأسنانها، وتريد من الرئيس هادي أن لا يمسك بمقاليد الحكم، وأن لا يتجاوز كونه رئيساً شرفياً وموقفهم هذا سيؤدي لا محالة إلى سوء خاتمة قرأها صالح فترك ولم يقرأها حلفاؤه الآخرون فبقوا، ويعلم الله أين سيأخذهم قرارهم. يجب على المشترك أن يتحرر من قوى انتهى زمانها وانتهت صلاحيتها، كما يجب عليه الانفتاح على الحوار بجلية ونية صادقة وحزبية (إن وجدت) وليس بتوجيهات القوى التي عفا عليها الزمن والتي تحركهم بالريموت كنترول وبمباركة غريبة وإقليمية لن تجدي ولن تدوم.