في أكتوبر 1993 كان العالم على موعد مع مفاجأة فجرها في وجهه أبناء الشعب الصومالي العظيم . فقد أدهشت العالم أنباء الاشتباكات العنيفة في شوارع (مقديشو) بين مقاتلين صوماليين والجنود الأمريكيين الذين كانوا قد قدموا إلى الصومال بحجة مساعدة الشعب الصومالي في المساهمة بوقف الحرب الأهلية هناك وتقديم المساعدات الإنسانية. لقد كانت الحرب الأهلية على أشدها ورأت أمريكا في ذلك فرصة للتدخل تحت مبررات إنسانية كما كانت تتوقع أن جميع فصائل الصراع ستحاول التقرب إليها طمعا في مساعدتها في الانتصار على خصومها؛ كما كان العالم يرى إلى جانب ذلك الحاجة الصومالية للمساعدات وأن الصوماليين نتيجة الحاجة وكذلك الطمع في الاستيلاء على السلطة من المؤكد أنه سيقدمون تنازلات فيما يتعلق بالسيادة الوطنية، إلا أن الصوماليين كانوا أعظم من ذلك فقد كانت سيادة بلدهم أكبر عندهم وفوق كل ما يطمعون به من سلطة وكانت أهم من الطعام والدواء؛ حيث فاجأوا أمريكا والعالم بتلك المواجهات التي ذهب ضحيتها عشرات من الجنود الأمريكيين موجهين صفعة وإهانة لأمريكا لم تتلقها من غيرهم طوال تاريخها. على العكس من اليمنيين الذين تنازلوا عن كل السيادة ويا ليته من أجل السلطة؛ بل سلموا السيادة وسلموا السلطة وصارت بلادنا تدار بيد الخارج على مسمع ومرأى من العالم، والأمرّ من ذلك كله أن هذا يتم فقط مقابل مصافحة أو ابتسامة من هذا السفير أو ذاك. ثم إنه حتى لو أنني اضطررت للهجرة من بلدي فرارا من الموت فإن في مغادرتي أيضاً فخرا وهناءة نفس، إذ إنني بهذا الفعل أكون قد قررت أن بلدي إن لم تكن لي فهي لن تكون لغيري. وأنا بذلك أفضل من شعوب كثيرة قبلت بما رفضته وهو أن تكون بلدها لغيرها مقابل البقاء للسهر والكد على خدمة هذا الغير ومصالحه فكانت بلدهم وحتى هم أنفسهم ليس لهم بل للغير. والأكثر من ذلك أنني إن غادرت فإنني سأعيش رافع الرأس في أي بلد أغادر إليه. فإن كان إلى اليمن فهناك سأعيش في أكثر مدنها تحضرا إن في تعز أو في عدن وسأعيش سنوات عمري في ظروف أفضل من أبنائها سواء من حيث السكن، حيث سأسكن أرقى البنايات أو الغذاء بل ويمكنني في أي لحظة الحصول على الجنسية اليمنية إن أردت ذلك لأي غرض داخلي أو خارجي، فيما لو راودني حلم السفر إلى أوروبا، وإن كان إلى السعودية فهناك سأقيم بلا تأشيرة أو فيزا وفي ظروف أفضل مما يتمتع بها اليمني الذي جاء إليها بطريقة شرعية دفع ثمنها كل ما امتلكته أسرته إضافة إلى ما تفضلت به أسر أخرى عليه دينا أو هبة، فهناك سأقيم بالعلن حيث لا شرطة ولا دولة تتجرأ على مجرد الاعتراض على وجودي أو منعي عن ممارسة أي نشاط حتى الممنوع أو المحظور، بل وسأكسب حتى المكان الذي أقيم فيه، أزقته وشوارعه وحواريه، الأرض والإنسان والحجر؛ من الحرية وكرامة الإنسان وكبرياء العزيز وشموخ الأحرار وجسارة الشجعان، ما فقدته الأرض قاطبة ويصبح يشار إليه بالبنان ويقال بلهجة يملؤها الإجلال والإكبار وبكل عنفوان أنه (حي الصومال). وسأبقى أنا وستبقى معي أرضي وسأعود وستكون في انتظاري مهما طال الزمن فأكون لأرضي وتكون لي. فشكرا لكم شعب (وريه) العظيم وقبح الله شعوبا عاشت تتبجح بالحرية وبالكرامة في وقت جل أبنائها عبيد مهانون سواء كانوا في داخلها أو خارجها، وظلت تصف نفسها بأنها مقبرة الغزاة في وقت أصبح قادتها يرسلون الدعوات تلو الدعوات والمناشدات تلو المناشدات للغازي كي يأتوا بعد أن يعدوها لراحته فيصنعونها قصرا مشيدا وفراشا وفيرا وجنانا وارفة الظلال وبساتين عامرة بكل ما لذ وطاب؛ مقدمين سيرهم الذاتية وما تحويه من مؤهلات وسنوات الخبرة والخبرات وقدر ما يتمتعون به من كفاءة في القوادة على الأوطان وشهادات التقدير والدورات والاستعداد لخوض الاختبارات، وعدد ما نالوه من الإهانات والركلات واللطمات طوال فترات أعمالهم وما حصلوا عليه من نياشين ووسامات. ويعدوا حفلات الاستقبال والكل في ذلك كل ما يأمله أن يكون صاحب حظ القبول به خادما يعمل في تنظيف تلك الجنات وقطف ثمار تلك البساتين لهذا السيد القادم أو حتى عند باب القصر عله يحظى بابتسامة السيد عند دخوله أو عند الخروج.