لم يتغير المشهد السياسي كثيراً في تركيا، منذ أن غادرها رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، قبل أربعة أيام، وحتى عودته الخميس، حيث مازالت الاحتجاجات مستمرة في الشوارع، لليوم السابع على التوالي، لتنادي برحيله، وتتهم حكومته بمحاولة الهيمنة على الدولة العلمانية. وقبل مغادرته الاثنين الماضي، في جولة بعدد من دول المغرب العربي، اعتبر أردوغان، الذي يتزعم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، أن المناوشات بين المتظاهرين وقوات الأمن ستتلاشى خلال أيام، إلا أن الاحتجاجات خالفت توقعاته لتكمل أسبوعاً كاملاً، مع توقع المزيد من المظاهرات الخميس. وتصاعدت حدة الاحتجاجات، وهي الأولى من نوعها منذ تولي حكومة "العدالة والتنمية"، ذات التوجهات الإسلامية، السلطة في تركيا عام 2002، بعد أن لجأت الشرطة إلى القوة لتفريق تظاهرة في مدينة اسطنبول، احتجاجاً على خطة لإقامة مركز تجاري مكان حديقة عامة في ميدان "تقسيم" وسط المدينة. وشهدت مدينة "أضنة" سقوط قتيل بين أفراد الشرطة الخميس، حيث ذكرت وكالة أنباء الأناضول شبه الرسمية، نقلاً عن والي أضنة، حسين عوني جوش، أن أحد ضباط الشرطة توفي متأثراً بإصابته، خلال الاضطرابات التي امتدت أيضاً إلى المدينة الواقعة في جنوبتركيا. ولفتت الوكالة إلى أن الشرطي، ويُدعى مصطفى صاري، تعرض للرشق بالحجارة أثناء قيام قوات الشرطة بالتدخل لتفريق متظاهرين، خرجوا للتظاهر احتجاجاً على أحداث ميدان "تقسيم" باسطنبول، الأمر الذي أسفر عن سقوط صاري في مكان حفريات على ارتفاع 5 أمتار.
مسقط رأس أردوغان وحتى في قاسم باشا، الحي الشعبي في اسطنبول حيث ولد، لم يعد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، موضع إجماع، بعدما عمدت الشرطة إلى استخدام العنف في قمع تظاهرات احتجاجية، ما أثار سخطا شعبيا وأدى إلى اضطرابات كبيرة في البلاد مستمرة منذ أسبوع. وأسفرت المواجهات عن مقتل ثلاثة أشخاص ومقتل ضابط، فضلا عن جرح حوالي خمسة آلاف، بحسب الأرقام التي أعلنتها الخميس نقابة الأطباء الأتراك. لكن لا شك في أن هذا السياسي الذي بدأ حياته بائعا للمخبوزات والليموناضة، ودرس في مدرسة قرآنية محلية قبل متابعة دراسات في إدارة الأعمال، وشق خطواته في عالم السياسة من رحم الحركات الإسلامية، لا يزال لديه أنصار متحمسون في هذا الحي. إلا أن الموظف في المبنى يقر بأن "بعض الشرطيين، مع عنفهم المبالغ فيه، أساؤوا إلى البلاد من دون وجه حق". لكن برأي صديقه حليم شاهين، فإن المشكلة تتخطى موضوع العنف الذي مارسته الشرطة. وتبدو ميليك وهي ممرضة تبلغ 22 عاما على عجلة من أمرها للانضمام إلى المتظاهرين، في حديقة "جيزي بارك". وصرحت هذه الشابة المحجبة "أعتقد أن المتظاهرين على حق من المهم جدا حماية هذه المنطقة الخضراء في مدينة كبرى مثل اسطنبول، الأماكن الطبيعية فيها قليلة"، منتقدة "الموقف القاسي جدا من جانب الحكومة". وأشارت هذه الممرضة بسخرية إلى أنه "من الخطأ الاعتقاد بأن كل المحجبات يدعمن حزب العدالة والتنمية".
دعوة أوروبية من جانبه قال ستيفان فيول مفوض شؤون التوسعة بالاتحاد الأوروبي أمس، إن على تركيا أن تحقق فيما إذا كانت الشرطة قد استخدمت القوة المفرطة خلال مظاهرات مناهضة للحكومة على مدى أيام ومحاسبة المسئولين عن هذا.
وقال فيول في كلمة ألقاها خلال مؤتمر شارك فيه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان "تمثل المظاهرات السلمية طريقة مشروعة للجماعات للتعبير عن آرائها في مجتمع ديمقراطي. لا مكان لاستخدام الشرطة للقوة المفرطة ضد هذه المظاهرات في ديمقراطية من هذا النوع".