استطاع رجال الدين التأصيل لشرعية نفوذهم تأسيساً على مرجعيات غير إسلامية، واستطاعوا أيضا أن يلووا أعناق نصوص قرآنية، وأعطوها مفاهيم تناسب مصالحهم، ومرَّروا علينا ذلك، فكلَّما جاءت كلمة أهل ذكر أو أولي الأمر في القرآن قالوا نحن المقصودين. في الآية القرآنية "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قالوا إن أولي الأمر هم الأمراء والحكام، وقيل بل العلماء والفقهاء، وهناك من أدرجهم معاً تحت أولي الأمر، ومنهم ابن الجوزي الذي قال هم العلماء والأمراء، وهذان الصنفان هما الناس، أما سائر النوع الإنساني فتبعٌ لهما ورعية! وواضح من الآية أن "أولي الأمر" ليس الحكام ولا الأمراء ولا العلماء، لأن الحاكم هو الرسول، ولم يكن إلى جانبه حكام ولا أمراء ولا فقهاء ولا علماء، بل كان بجانبه جماعة المسلمين، وهم أهل الشورى من مختلف الخبرات. كذلك يستدلُّون بالآية "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، فقالوا إن "أهل الذكر" هم العلماء الذين أُمر المسلم بالعودة إليهم، وتوجيه الأسئلة إليهم بحكم أنهم يعرفون كل أمور الدين والدنيا، بينما "أهل الذكر" في سياق الآية هم "أهل الكتاب" أي اليهود والنصارى العارفين بالتوراة والإنجيل، وقد أجمع المفسرون على ذلك، وقالوا في معنى الآية إن مشركي مكة عجبوا أن يوحي الله لرسوله قرآناً لأنه بشر، فأكد أن الأنبياء المرسلين السابقين كانوا بشراً يوحى إليهم، وطلب من مشركي قريش أن يسألوا "أهل الذكر" أي اليهود والنصارى العالمين بالتوراة والإنجيل وما جاء فيهما عن الأنبياء، وعن صفات الرسول محمد المذكورة فيهما، ولم يكن في زمن الرسول "أهل ذكر" من المسلمين كما هو معروف، أي لا وجود لما يسمى علماء.. والمطالبون بتوجيه الأسئلة "فاسألوا" في الآية هم المشركون وليسوا المسلمين. وحتى لو قيل إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبالتالي "أهل الذكر" تنسحب على العلماء، فهذا يسري على علماء وفقهاء اليهود والنصارى، فهل نسألهم نحن المسلمين اليوم عن أمور ديننا؟ كذلك يستدلُّون بالآية التي فيها" وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم.."، فقالوا أولي الأمر هنا العلماء.. بينما تشير الآية أن القضية تتعلق بأمن وخوف، وهذه ليست مهمة العلماء ولا الفقهاء، بل مهمة الرسول وقادة السرايا.