الغيثي: أميركا غير مقتنعة بأن حكومة الشرعية في عدن بديل للحوثيين    العليمي اشترى القائم بأعمال الشركة اليمنية للإستثمار (وثائق)    باشراحيل: على مواطني عدن والمحافظات الخروج للشوارع وإسماع صوتهم للعالم    وطن في صلعة    الطائرات اليمنية التي دمرتها إسرائيل بمطار صنعاء لم يكن مؤمنا عليها    الحوثي يعلق على الخلاف بين ترامب ونتنياهو..والحكيمي يحذر من الخديعة    الجولاني يعرض النفط والتواصل مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    تحديد موعد أولى جلسات محاكمة الصحفي محمد المياحي    دبلوماسي امريكي: لن ننتظر إذن تل أبيب لمنع اطلاق النار على سفننا    تغاريد حرة .. صرنا غنيمة حرب    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    البرلماني بشر: اتفاق مسقط لم ينتصر لغزة ولم يجنب اليمن الدمار    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    السعودية تقر عقوبات مالية ضد من يطلب إصدار تأشيرة لشخص يحج دون تصريح    تعيين نواب لخمسة وزراء في حكومة ابن بريك    صنعاء.. عيون انطفأت بعد طول الانتظار وقلوب انكسرت خلف القضبان    وسط فوضى أمنية.. مقتل وإصابة 140 شخصا في إب خلال 4 أشهر    السامعي يتفقد اعمال إعادة تأهيل مطار صنعاء الدولي    رئاسة المجلس الانتقالي تقف أمام مستجدات الأوضاع الإنسانية والسياسية على الساحتين المحلية والإقليمية    انفجارات عنيفة تهز مطار جامو في كشمير وسط توتر باكستاني هندي    سيول الامطار تجرف شخصين وتلحق اضرار في إب    *- شبوة برس – متابعات خاصة    القضاء ينتصر للأكاديمي الكاف ضد قمع وفساد جامعة عدن    تكريم طواقم السفن الراسية بميناء الحديدة    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    لوموند الفرنسية: الهجمات اليمنية على إسرائيل ستستمر    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيل العرم وسد مارب القديم..تساؤلات الإنهيار الكبير..! (الحلقة الخامسة والأخيرة)
نشر في يمن فويس يوم 12 - 03 - 2022

مثل انهيار سد مارب قديماً، في المصادر التاريخية وعند الإخباريين العرب، حدثاً مزلزلاً ومحطة تاريخية فاصلة ليس في تاريخ اليمن وحسب بل في التاريخ العربي كله، فزيد في الحدث ونقص، ونسجت الروايات المختلفة للحدث حتى تداخل غثها في سمينها، وصار الغث منها والأساطير هي الطاغي الأكبر على الأصل دون تمحيص وروية، ولم يدون الحدث في المصادر المادية كالنقوش المشندي والآثارية التي تعتبر أهم الدلائل المادية والشواهد التاريخية على ذلك. وفي هذه الدراسة إعادة تمحيص لكتابة تاريخ ذلك الحدث، وتفنيد الكثير من الروايات التاريخية والأساطير الملفقة لنصل إلى الحقيقة.
إندثار مارب وإحياؤها:
بدأت مارب بالاندثار بشكل تدريجي وليس بشكل كلي بعد أن تغلب الحميريون على السبئيين في القرن الثاني قبل الميلاد، وكانت ما تزال تسمى سبأ بالإضافة إلى مسميات مصاحبة مثل مملكة سبأ وذي ريدان ويمنات وحضرموت وتهامة وطود وأعرابهم، مع أن هذه التسمية استمرت إلى عهد أبرهة الذي سمى نفسه ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت وتهامة وطود وأعرابهم، بحسب نقشه المذكور عند سد مارب، واقتصرت تسمية "دولة حمير" على الإخباريين فقط، وتم نقل العاصمة بعد ذلك بعد الميلاد إلى ظفار، وأحياناً إلى صنعاء وناعط في عمران، وهنا انتهت "سبأ" وبدأت الهجرة الكبيرة من مارب هجرة داخلية وخارجية، وبقي بعض سكانها مقيمين فيها مع وجود السد وبقائه أيضاً، وتم في الفترات المتلاحقة تهدمه وإعماره وإصلاحه عدة مرات حتى آخر بناء له في عهد أبرهة الحبشي، مما يعني أن مارب كانت ما تزال حاضرة وعامرة.
ومن الطبيعي جداً في عهد الدول أن ينزاح بعض السكان من المدن تبعاً للتحولات الجديدة في الحكومات والممالك والتي تجذب عواصمها المتغيرة السكان من كل مكان لارتباط مصالحهم بالمركز سواء كانت مصالح سياسية أو اقتصادية أو إدارية، وقد شاهدنا ذلك مثلاً في تحول العاصمة إلى ظفار أو صنعاء من خلال السكان والارتباط بالدولة هناك، أو ما شاهدناه ولمسناه من التحول بعد ذلك إلى صنعاء في عهد الحميريين المتأخرين، وكذلك الحكم الحبشي وصولاً إلى الحكم الإسلامي حينما ازدهرت صنعاء ونمت بفعل هذه التحولات من عهد سيف بن ذي يزن والفرس والأبناء وعبهلة (الأسود العنسي)، أو بعد ذلك في عهد عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فروة بن مسيك المرادي، والذي هو من مارب أساساً، أو وبر بن يحنس الخزاعي، وبعد ذلك عهود ارتباطها بالدولة الأموية فالعباسية وصولاً إلى اليوم.
أو كذلك حينما تحولت العاصمة إلى تعز بفعل الدولتين الأيوبية والرسولية وشهدت جذباً للسكان من أنحاء اليمن لارتباطهم ومصالحهم بالدولة هناك.
وكذلك من أسباب تدهور مارب بسبب سيطرة الأحباش على طرق التجارة والقوافل في اليمن وفي البحر الأحمر، أو تحويل طريق التجارة من مارب إلى الغرب والهضبة الشمالية الغربية من قبل أبي كرب أسعد فيما عرف بدرب أسعد الكامل، خاصة طريق التجارة للقوافل القادمة من الموانئ الجنوبية الغربية المخاء وعدن وذو باب.
بعد الإسلام كانت الدفعات الكبيرة من الهجرات سواء إلى عاصمة الدولة الإسلامية في المدينة وما بعدها في دمشق وبغداد بسبب الانخراط في جيوش الفتوحات وما تتناقله الأسماع من الاستقرار والإعمار في أراض جديدة أو حتى إلى عواصم الدولة الإسلامية في اليمن كصنعاء والجند وزبيد وغيرها، وانتقال الجنود أو الدعاة والعلماء أو حتى من سمع بالأراضي الجديدة من بقية الأسر انتقل الجميع بأسرهم إلى البلدان الجديدة وكانت من أعظم وأكبر الهجرات اليمنية عبر التاريخ، وهذه الهجرات مستمرة حتى اليوم.
بسبب هذه الهجرات والصراعات المختلفة علاوة على الظروف الطبيعية من جفاف وتصحر وغيرها زحفت الرمال على مارب وطمرتها ردحاً من الزمن وكل ما يعرف عنها من تاريخ اليوم إنما بفعل الاستكشافات الأثرية والدراسات التاريخية لهذه الاستكشافات، ولم تكن السيول التي هدمت السد عدة مرات أو التي عمت أرجاء اليمن إنما هي واحدة من عشرات الأسباب الأخرى لهذه الهجرات التي لم يعرف زمنها على وجه التحديد حتى اليوم.
واللافت في أمر هذه الهجرات على أن ظاهرها في القرآن الكريم عقوبة إلهية مسلطة عليهم بفعل الإعراض والكفر، والكفر هنا كفر النعمة وليس كفر الدين والعقيدة، كان من وجه آخر رحمة باليمنيين وإيذاناً إلهياً باستزراع شعوب أخرى جديدة من هذا التمزيق، فقد زرعوا قبائل وكونوا شعوباً مختلفة في المنطقة وكانوا أصل العرب بحق.
ولم يكن السبئيون معتمدين على الزراعة فقط حتى يهاجروا بسبب تهدم السد، فقد كانوا رواد التجارة العالمية يومها، وكانت بلادهم على طريق البخور المتحكمين بها، وجعلوا لها محطات يومية يأوون إليها بشكل حاميات عسكرية تابعة للمملكة كما هو الفاو (كندة) مثلاً ودادان العلا وغيرها، وهذا ما وضحته الآيات السابقة أيضاً ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾ سبأ(18)، والظهور يعني هنا القوة والمنعة والنصرة كما هو تفسير اللفظ ودلالاته في بقية الآيات القرآنية: ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرض﴾ غافر(29)، ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً﴾ التوبة (8)، ﴿وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ الأحزاب (26)، ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ الصف (14)، أي إنها كانت محميات عسكرية لطرق التجارة؛ وأن اليمنيين لم يتأثروا كثيراً بتهدم السد فيكون سبب هجرتهم بل بأسباب أخرى. حيث إن هذه التجارة كانت تعتبر لهم المورد الأول قبل الزراعة في بعض الأحيان، وبالتالي فبإمكانهم عبر هذه التجارة تأمين توريد أغذيتهم المختلفة كبدائل مؤقتة عن التي تلفت جراء تهدم السد وتلف زراعتهم.
وقد يكون كثير ممن عرف التجارة واشتغل بها ذهاباً وإياباً إلى الأمصار المختلفة في الشام ومصر وأفريقيا وأواسط آسيا وفارس، أعجب بأرض من الأراضي التي تاجروا إليها فاستقروا فيها وهاجروا إليها. وبالنظر إلى الآثار الظاهرة اليوم في مارب فقد كانت تجمعات بسيطة لا ترقى إلى مستوى المدن العملاقة والتي إن تفرقت نتج عنها شعوب ودول كثيرة، ويبدو أن هناك مدناً مطمورة تحت الأرض الحالية لمارب نتيجة التصحر وعوامل القدم والدهرية الزاحفة وغيرها، وهو ما لم ينقب عنه حتى الآن إلا قليلاً، وعلى سبيل المثال مدينة صغير مطمورة في منطقة "يلا"( ) من مارب والتي كشفت عنها ونقبتها بعثة إيطالية في ثمانينات القرن الماضي برئاسة أليساندرو دي مجريت، وأيضاً الدليل طمر معبدي أوام وبرآن (عرش بلقيس) اللذين لم يكن ظاهراً منهما سوى الرأس فقط، وهناك مدن يمنية كثيرة مطمورة أصبح الناس يزرعون فوقها وفي أسطح منازلها على أنها حقول زراعية كما في الجوف وتعز ولحج وحضرموت.
وقد تكشف التنقيبات الآثارية المستقبلية عن مكان الجنتين اللتين صارتا مطمورتين بالكثبان الرملية وزحف التصحر عليها، وكذلك عن بقية المدن هناك. فحضارة عاد إرم مثلاً مطمورة في رمال حضرموت وشبوة والربع الخالي، وهناك مدينة مطمورة تحت رمال مدينة صبر لحج ظهر بعض آثارها بالتنقيب الصدفي عام 1996 ( )، فما من أرضٍ يمنية يتم اليوم البحث في الأعماق لإرساء مداميك البيوت والأبنية إلا وجد بعض آثار البناء والسكن في الأسفل مطموراَ ما بين 4 و6 أمتار.
معظم الدراسات والأبحاث تفيد أن جزيرة العرب وصحراء الربع الخالي إنما كانت أودية وغابات ومروجاً وأنهاراً قبل 4 آلاف عام، وطمرت بفعل التصحر وعوامل أخرى كعقوبات الأمم البائدة التي كذبت الرسالات السماوية وأفسدت في الأرض فعاقبها الله بعقوبات مختلفة كالخسف والتدمير والإغراق والرياح التي تدمر وتطمر كل شيء، وبالسحب والعواصف الرملية ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الأحقاف(24).
ففي مصر مثلاً كل القصور والمعابد الفرعونية التي تم التنقيب عنها وجدت مطمورة تحت ركام رمال الصحراء في الجيزة وطيبة وغيرها..
فأغلب الظن عندي أن كلاً من محافظات لحج ومارب وأبين وشبوة وحضرموت والجوف فيها مدن مطمورة بالرمال، خاصة ونحن نعلم أن بعض الحضارات القديمة البائدة أقيمت في هذه المحافظات ولم تكشف عنها الأبحاث الآثارية حتى اليوم، ومنها على سبيل المثال سبأ ومعين وأوسان وقتبان التي وجدت بعض نقوشها وما زالت غير مكتملة المعالم والأخص منها أوسان التي تتضارب حولها المعلومات حتى اللحظة.
وكذلك من أسباب وعوامل اندثار مارب تغيير الديانة الرسمية لسبأ من عبادة النجوم والكواكب إلى المسيحية واليهودية، فتم هجران مارب على اعتبار أنها مقر المعابد الكبيرة للسبئيين مثل معبد أوام ومعبد برآن، وبناء الكنائس في ظفار وغيرها وتقلصت أهمية مارب بسبب انهيارات السد المختلفة والتحول في العبادات وتحول العاصمة إلى ظفار وصنعاء وناعط...ودخلت اليمن المسيحية في عهد الملك ثاران يهنعم بين الأعوام 349 و351م بسبب حملة التأثير والتبشير التي قادها ثيوفيلوس مندوب الامبراطور قسطنطين الثاني "الذي كان قد تمكن من إقناع ملك حمير في الدخول في النصرانية، فدان بها وأمر ببناء كنائس في ظفار وفي عدن. وكان القيصر قسطنطين الثاني (350-361م هو الذي أرسله إلى العربية الجنوبية ليدعو إلى النصرانية بين أهلها، ويؤيدون رأيهم بالكتابة المذكورة التي يرجع عهدها إلى سنة 378م أو 384م فهي غير بعيدة عن أيام الملك ثاران يهنعم ويحتمل أن يكون لذلك هو الملك الحميري الذي بدل دينه الوثني ودخل في ديانة التوحيد"( )..
وبدأت تظهر كتابة إلهن ذي سموي إلى الملك ملك كرب يهأمن ابن الملك ثاران يهنعم( ).
وبعد الملك ثاران جاء ابنه الملك أب كرب أسعد (أبو كرب أسعد الملقب عند الإخباريين بأسعد الكامل)، والذي اعتنق اليهودية وبدل الديانة المسيحية والكوكبية إلى اليهودية وقتله أخوه عمرو بتآمر مع علية القوم لهذا السبب، ثم انتشرت بعده اليهودية..فكانت تمارس في اليمن ثلاث ديانات: الاجرام السماوية (الكوكبية)، والمسيحية واليهودية، ويطلق على الأخيرتين (التوحيدية).
ويدعم هذا القول دليل مادي مجسم مريم العذراء وابنها عيسى المسيح عبارة عن إطار مرايا من البرونز عليه صورة مريم العذراء وابنها المسيح دون أية إشارة للصليب عليه مما يعني أنه كان في الزمن التوحيدي الأول للمسيحية، وعثرنا عليه في ماوية من محافظة تعز، تم فحصه في مقر المعهد الألماني للدراسات الآثارية بصنعاء وأفادوا بأن تاريخه يعود للخمسين السنة الأولى الميلادية( ).
وتذكر بعض المصادر أنه أقيمت كنيسة في إحدى جبال ماوية شرقي تعز في الفترات الأولى للدولة الحميرية، قبل الاحتلال الحبشي لليمن وقبل انتشار عقيدة التثليث المسيحية. إذ لم تكن هناك بقايا أطلال لكنيسة مسيحية لقلنا إن هذا الدليل ربما جاء عن طريق بعض التجارة التي اشتهر بها اليمنيون في تجارتهم الخارجية قديماً. * وتحيا مارب اليوم مجدداً وتنبعث من تحت الركام بفعل عوامل عديدة، منها الاستكشافات النفطية والغازية وتراكم ثروتها، وكذلك عملية إعادة إنشاء السد من جديد بعد بنائه في عام 1984م.
لكن أهم عوامل إحيائها اليوم هو لجوء كل اليمنيين الهاربين من بطش المليشيات الحوثية الإمامية إلى مارب، وتم إحياؤها بشكل لم يسبق له مثيل، وعملية الإحياء هذه تذكرنا بعودة الفرع إلى الأصل، وأن النار المتقدة تحت الرماد إنما كشفت عنها الرياح التغييرية اليوم، وعادت مارب مدينة مكتظة بالسكان من كل مكان، مزدهرة بعوامل البناء والاستقرار والتجارة، خاصة وأن أبناءها لم ينزعوا إلى النزعات العنصرية والمناطقية المقيتة التي شهدتها بعض المناطق اليمنية، وهو عامل جذب للإنسان اليمني.
وتعد محافظة مارب اليوم هي العاصمة الفعلية للشرعية اليمنية التي تأوي كل اليمنيين، ولا أعتقد البتة بعد الاستقرار فيها اليوم أن يتم النزوح منها مجدداً وهجرها كما تم من قبل حتى لو أعيدت العاصمة صنعاء لحكم الشرعية وعاد أهلها المهجرون منها، فهي دورة كونية لإعمار الأرض والمدن تجري سنة الله عليها إيذاناً بإحيائها كما أحيا مكة الجرداء القاحلة شديدة الحرارة بفعل الأماكن المقدسة، فإذا أراد الله إحياء أرض هيأ لها أسباب هذا الإحياء.
الخلاصة:
- سد مارب بني على الأرجح في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد.
- لم يكشف حتى اليوم( ) بدليل مادي من نقوش ونحوها عن الزمن الأول لبناء سد مارب التاريخي ولا أول من أنشأه. - سيل العرم وخراب السد حقيقة واقعة مسلم بها بتسليمنا للنص المقدس في القرآن الكريم كونه أوثق الأدلة والتدوين، عضده نقش شرحبئل يعفر (Glaser 554) بنسبة كبيرة. - الجنتان عن يمين وشمال قد لا يكون مقصود بهما جنتي مارب وإنما جنان ممتدة على يمين وشمال أرض سبأ التاريخية ويمين وشمال البحر الأحمر في ضفتي الدولة الشرقية اليمن الحالية، والغربية أثيوبيا وأرض الحبشة. - قصة الفأر الذي ساعد في هدم السد قصة خرافية أسطورية لا يصدقها عقل ولا منطق، ولم توجد أدنى الأدلة عليها، وهي من رواية وتدليس الإخباريين وبفعل التنافس والصراع بين العصبيات التي ظهرت بين القحطانية والعدنانية في فترات الدولتين الأموية والعباسية، وكانت تلفق الكثير من القصص الخرافية تحط من شأن ومكانة كل فريق. - تهدم السد أكثر من ثماني مرات وبناء وإصلاحات لأكثر من ثماني مرات أيضاً، وبالتالي فلا يستطيع أي باحث كان أن يسقط هذا التهدم المتكرر على سيل العرم لمرة واحدة، ويكون استمرار السيل مهدداً في كل مرة لهذا السد بدليل تعدد الخراب والإصلاحات.
- هجرة اليمنيين لم تكن بسبب تهدم السد وحسب وإنما بفعل الصراعات السياسية بين الممالك المختلفة والأسر الداخلية للملوك، وحب التوسع، والاحتلال الحبشي، وعامل التجارة أيضاً، واستيطان أراضٍ جديدة أكثر خصوبة من بلادهم، وكذلك الجفاف والقحط، وسيل العرم واحد من تلك الأسباب لا كلها، وكانت هجرات على مراحل متعددة تحدث بين فترة وأخرى لأكثر من سبب، وتكون هجرات من مختلف مناطق اليمن لا من منطقة معينة، وهي مستمرة حتى اليوم.
- لم يكن اليمنيون يعتمدون اعتماداً كلياً على الزراعة حتى يهجروا أوطانهم بفعل القحط والجدب وخراب السدود وسيل العرم، فقد كانوا رواد التجارة العالمية القديمة المتحكمين بطرقها البرية والبحرية ومتحكمين بالسلع النادرة، وقد ذكر المؤرخون اليونانيون بذخهم وغناهم اللامحدود بفعل هذه التجارة.
- كانت هناك هجرات تدريجية ومتتالية من بعض المناطق اليمنية وخاصة مارب والجوف وما حولهما، وأوسان بفعل التنكيل السبئي بهم، وهجران مدينة مارب قبل الإسلام وبعده وهو ما كشفته الرمال الزاحفة وعوامل التصحر وقلة المياه، وانتقال العاصمة السياسية منها إلى ظفار وصنعاء.
- قصة التمزيق المذكورة في القرآن توحي بعقوبة تجارية (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا)، والسفر والتنقل لم يكن إلا للتجارة التي كان السبئيون روادها، وحينما حلت عليهم العقوبة أقام كثير منهم في البلاد التي كانوا يتاجرون إليها. - آثار السد الموجودة اليوم ليست للبناء الأول للسد وإنما لبناء الملكين شرحبئل يعفر وأبرهة الحبشي، كون النقشين يذكران إعادة بناء كاملة.
*رئيس المركز اليمني للدراسات التاريخية والاستراتيجية (يمان)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.