اتسمت النتائج النهائية لاجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد في مدينة جدة غرب المملكة العربية السعودية يوم السبت بالكثير من الغموض، حيث تضاربت الانباء حول مدى دقة التصريحات التي اطلقها اكثر من وزير خارجية خليجي حول حسم الخلاف القطري مع الدول الثلاث الاخرى (السعودية، الامارات، البحرين) وان عودة سفراء هذه الدول الى الدوحة باتت وشيكة. المسألة ليست مسألة عودة السفراء الى الدوحة، فبعض العواصم الخليجية شهدت تغيب سفراء خليجيين فيها لاشهر، واحيانا لسنوات، ونحن نتحدث هنا عن الرياضوالدوحة على وجه الخصوص، احيانا نتيجة لخلافات صامته، واحيانا اخرى لاسباب “فنية” او ادارية صرفة، المشكلة تكمن في القضايا الجوهرية التي ادت الى سحب السفراء من جانب واحد، ودون ان ترد الدوحة بالمثل، بمعنى آخر يمكن ان سحب السفراء هو احد اعراض المرض، او بالاحرى احد ووسائل التعبير عنه، وعندما يتم وصف العلاج الناجع لهذا المرض، بالادوية او الجراحة تختفي الاعراض كليا، ولكن مع بقاء بعض الندوب. المتحدثون باسم المؤتمر الوزاري اعطوا صورة وردية لنتائج الاجتماع، فالسيد يوسف بن علوي وزير الخارجية العماني الذي قام بجولة وساطة اخيرة قبل يوم من الاجتماع الخليجي قادته الى الرياض ثم القاهرة، قال “ان المشاكل بين الدوحة من ناحية، والرياض والمنامة وابو ظبي من الناحية الاخرى قد حلت تماما، وان الدول الثلاث ستعيد سفراءها الى الدوحة”، لكنه لم يقل متى ستتم هذه العودة. الصحف السعودية التي باتت وجهة التسريب الاساسية لاخبار ومعلومات تعكس مواقف المملكة وحكومتها، عكست رأيا آخر مختلفا كليا، يتلخص في ان الخلاف باق على حاله، ومنح الوساطات فرصه اخرى لحل الخلاف بالطرق الدبلوماسية. مصادر خليجية موثوقة اكدت لهذه الصحيفة “رأي اليوم” ان ما حدث في اجتماع جدة هو “تجميد” الخلاف الحالي، من اجل التركيز على القضايا الاهم التي تشكل تهديدا و”جوديا” لدول مجلس التعاون الخليجي وانظمتها الحاكمة، ابرزها قضيتان رئيسيتان: *الاولى: الدولة الاسلامية بزعامة ابو بكر البغدادي “القرشي” (نسبة الى قريش) التي تتمدد بقوة، وتستقطب آلاف الشبان الخليجيين، ومن المملكة العربية السعودية خاصة، ووصل تعداد قواتها الى اكثر من ثمانين الف مقاتل من الاشداء الراغبين في الشهادة. *الثانية: حركة “انصار الله” الحوثية التي اقتحمت صنعاء، وتحكمت قواتها المدججة بالسلاح والمدعومة ايرانيا بمداخل العاصمة الاربعة، وباتت تشكل تهديدا امنيا وسياسيا للدول الخليجية الست، وربما يفيد التذكير بأنها اقتحمت الاراضي السعودية الجنوبية قبل ثلاثة اعوام واحتلت مئات القرى، ولم تخرج منها الا بعد حرب استغرقت اكثر من اربعة اشهر بسبب قوة السلاح السعودي وتقدمه وخاصة سلاح الطيران، وضعف سلاح الحوثيين وبدائيته، مع وجود تقارير تفيد بأن قوات اجنبية شاركت في الحرب الى الجانب السعودي ولكنها لم تؤكد رسميا. وما يؤكد هذه الحقيقة ان البيان الختامي للاجتماع تضمن فقرة على درجة كبيرة من الاهمية تقول “ضرورة نبذ الشوائب والخلافات التي تعتري مسيرة المجلس، والوقوف صفا واحدا في وجه المخاطر التي تحيط بمنطقة الخليج”، اما التأكيد الآخر لاعطاء الاولوية حاليا للاخطار الخارجية التي ذكرناها آنفا “ارسال مبعوث خاص الى اليمن يمثل دول مجلس التعاون الخليجي لمتابعة الاوضاع في اليمن، والوقوف في خط مواز لكل الاحزاب السياسية لبحث كيفية الخروج من المأزق الحالي”. لا شك ان تقدما، ولو طفيفا، قد تحقق في الوساطات واللقاءات الماراثونية المتعددة لحل الازمة بين الدول الخليجية الثلاث وشقيقتها دولة قطر، ومن خلال الوفود وتمديد المهل، وتمثل هذا التقدم في تعهدات قطرية بتنفيذ الشق الخليجي من “اتفاق الرياض” اي تنفيذ المعاهدة الامنية الخليجية، ووقف عمليات التجنيس للشخصيات المعارضة، والبحرينية منها على وجه الخصوص، وعدم توفير الملاذ الآمن لمعارضين خليجيين آخرين (من الامارات)، ولكن الخلافات حول المشكلة الاهم وهي المعاداة الشرسة للنظام المصري الحالي، ودعم حركة الاخوان المسلمين، وتوظيف مدافع قناة “الجزيرة” الثقيلة في هذا الخصوص ما زالت قائمة. الازمة الخليجية اكثر تعقيدا مما يتصوره الكثيرون، وذيولها التي انعكست في حرب اعلامية طاحنة خرجت عن كل الاصول المرعية، ودخلت في مناطق “محرمة”، سواء في وسائل الاعلام التقليدية من صحف وتلفزيونات، او على وسائل التواصل الاجتماعي (انترنت، مواقع، تويتر، فيسبوك) تركت حساسيات ومرارات تحتاج الى سنوات او حتى عقود لازالة الجروح العميقة التي تركتها .