إلغاء وحدة مراقبة المسلمين في نيويورك، قرار سيدفع نحو إزالة مناخات التوتر بين مختلف الأديان المشكلة للمجتمع الأميركي، وسيساهم في تكريس وسائل بديلة من الحوار والتواصل. أعلنت شرطة نيويورك، مؤخرا، أنها ألغت وحدةً، كانت تُمثّل موضع جدل كبير وتُثير انتقادات شديدة، كانت مكلفة منذ سنوات بمراقبة المسلمين من خلال إرسال عملاء سريّين يقومون بالتّجسّس عليهم. سلطات نيويورك تصدر قرارا بإلغاء وحدة مراقبة المسلمين وهو قرار سيساهم في بناء جسور تواصل بديلة تقوم على الثقة والاحترام بين الأديان. ويرى مراقبون أنّ قرارا كهذا، من شأنه أن يساهم في بناء جسور التواصل بين الأديان، ويفتح قنوات للحوار من شأنها أن تزيل الخلافات وسوء الفهم. وسارعت مجموعات مدافعة عن الحريات المدنية إلى الترحيب بهذا القرار، داعية سلطات نيويورك إلى إصلاح الأضرار التي نتجت عن عمليات تجسس غير مبررة جرت استنادا إلى الانتماء الديني فقط. ورأت صحيفة “نيويورك تايمز”، أنّ قرار أكبر قوة في الشّرطة الأميركية، يُشكّل أوّل مؤشر على ابتعاد قائدها الجديد وليام براتون عن بعض الممارسات التي تبنّاها سلفه في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001. يذكر أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، كانت قد ساهمت في بروز موجة من ردود الأفعال ضدّ المسلمين، غذّاها اليمين المتطرّف الّذي يتّهمُهم بالإرهاب. وأفادت الشرطة بأن “وحدة تقييم المنطقة” التي كانت تعرف سابقا ب”الوحدة الديمغرافية”، كان نشاطها متوقفا منذ يناير الفارط، وأعيد تكليف عناصرها بمهام أخرى داخل استخبارات الشُّرطة. وقالت الشرطة في بيان لها “إنّ فهم بعض المعطيات الديمغرافية المحلية، يمكن أن يكون عاملا مفيدا عند تقييم معلومات ترد قسم شرطة نيويورك حول تهديدات محتملة”. وهذه الوحدة التي تضمّ حوالي 12 عميلا، كانت قد أُنشئت بشكل سري في السنوات الّتي تلت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكان مجال نشاطها يُغطي مدينة نيويورك ومحيطها. وأعضاء هذه الوحدة، كانوا رجال شرطة بلباس مدني مُهمتهم مراقبة مسلمي المدينة وأماكن عبادتهم ومطاعمهم ومكتباتهم ومتاجرهم وتوثيق كلّ ما يرونه أو يسمعونه. ورحب رئيس بلدية نيويورك، بيل دي بلازيو، الذي تسلّم منصبه في يناير الفارط، كأوّل رئيس بلديّة ديمقراطي للمدينة منذ عشرين عاما، بقرار إلغاء هذه الوحدة. أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ساهمت في بروز ردود أفعال عنصرية ضد المسلمين غذاها اليمين المتطرف وقال، في بيان له، إنّ “إدارتنا وعدت سكّان نيويورك بشرطة تضمن لهم أمن المدينة، وتُبدي في الوقت نفسه احتراما وعدلا، وهذا الإصلاح يمثل خطوة مهمة لخفض التوترات بين الشرطة والمجموعات التي تخدمها. هذا وقد تقدّمت عدة جمعيات، من بينها “الاتّحاد الأميركي للحريات المدنية”، بشكوى في يونيو الماضي، ضد رئيس البلدية السابق مايكل بلومبرغ، والقائد السابق لشرطة نيويورك، راي كيلي، مؤكدة “أنّ هذه الممارسات تشكل انتهاكا للحقوق المدنية للمسلمين، وتعتبر مخالفة للدستور”. من جهة أخرى فإنّ سيطرة بعض الأفكار المتطرفة على الوسط الأميركي، زادت من ارتفاع مشاعر الكراهية والعداء ضدّ المسلمين، ممّا دفع الشّرطة إلى اتّباع أساليب لمراقبتهم مثل تلك الوحدة التي أُعلن عن إلغائها. ولا تتماشى تلك الأفكار مع رغبات المجتمع الأميركي الذي يدعو إلى الانفتاح على الآخر والحفاظ على التنوّع الديني الرافض لكلّ أشكال العنصريّة. وكدليل على ذلك، نشير إلى ما قامت به جامعة “برانديز” الخاصة التي تقع في ضواحي مدينة بوسطن، والّتي قررت عدم منح درجة علمية فخريّة إلى ناشطة صومالية المولد تُدافع عن حقوق المرأة، كانت وصفت الإسلام ب“أنه دين عنف وعقيدة موت مدمرة”. هذا وقد عرف المسلمون في أميركا صعوبات كثيرة أدت إلى تنامي العداء ضدهم واتهامهم بعديد الأعمال الإرهابية. ويذهب محللون إلى أنّ في كل عمل إجرامي جديد توجّهُ فيه الاتهامات عادة إلى التّطرف الإسلامي، غير أنّ تقارير إعلامية تشير إلى أنّ 99 % من العمليّات الإرهابية في الغرب، ينفذها أشخاص لا يعتنقون الدين الإسلامي. ويرى دارسون أن ردود الأفعال تجاه المسلمين كان يغذيها التعصب الديني إضافة إلى المقولات العنصرية. وكانت صحيفة “الجارديان” قد ذكرت في أحد أعدادها السابقة أن علماء الاجتماع الأميركيّين سجلوا ازديادا ملحوظًا في نسبة التعصب الديني في العالم. من جهة أخرى أفاد تقرير ل“مركز بيو للبحوث”، بأن التعصب يتزايد في العالم، وأنّ حالات الاعتداء على أساس التمييز الديني ازدادت لتصل إلىنسبة 63 % سنة 2014، مقابل 56 % في عام 2009. ويرى بعض المحللين أنّ الأميركيّين يتعاملون مع قضية التنوع الديني بكثير من الحذر بسبب الارتباط القوي بين الدين والهوية، إذ أنّهم في تعاملهم مع هذه القضية، هُم يتعاملون بصفة مباشرة مع هوية المواطن الأميركي ونظرته لنفسه ولبلده. كما يشير البعض إلى أن الأميركيين نظروا بصفة عامة لأنفسهم ولمجتمعهم على أنه بلد مسيحي قائم وناجح بسبب أسسه المسيحية رغم أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة أقاموا الدولة على أسس علمانية. ويرى محللون أن الخطوة التي أقدمت عليها شرطة نيويورك، ستسمح بالاقتراب أكثر من مشاكل المسلمين، لا عن طريق آلية التجسس، بل بوسائل تحفظ الخصوصيات وتحترم الاختلاف الديني والثقافي.