ضمن فعاليات مهرجان خان الفنون الذي يقام في العاصمة الاردنية عمان تحت شعار «الفن في مواجهة التجهيل» وقع الناقد والأديب العراقي فاروق يوسف كتابه الجديد «الفن في متاهة» في بيت تايكي وقدمت المحاضرة الاديبة العراقية مي مظفر، التي بدأت حديثها حول القضايا التي يتناولها الكتاب وهي «رواج الاعمال المزورة وظاهرة استخدام الخبرات الاجنبية لتقويم الحركات التشكيلية في الدول العربية وكتابة تاريخها، فضلا عن استنساخ الموجات الفنية الطاغية في الغرب وتكريس المعارض الدولية والمحلية لأعمال ما بعد الحداثة والتقنيات الجدية المتداخلة، انفتاح السوق العربية على سوق الفن العالمية، مع ظهور المزادات وانعدام وجود سوق محلي يعتمد على تقاليد وأسس قياسية، هي مفردات هذا الكتاب وفوق هذا، السقوط في بحر البشاعة والتخلي عن الجمال في معناه الانساني السامي». الكتاب الذي حمل عنوانا فرعيا «الفن العربي بين المتحف والسوق واملاءات الفنون المعاصرة» ووقع في مئتين صفحة، يبحر في ماضي وحاضر الحركات التشكيلية العربية ووضع الفنان فيها، وجاء فيه: «تراجع الفن التشكيلي العربي تراجعا محبطا منذ ثمانينات القرن الماضي، ثلاثون سنة من الاحباط السياسي، لم يكن الفن اثناءها إلا مشاركا جانبيا في الوصف المتخيل، لذلك تخلى الفنان اليوم عن خيلائه، الفكر الذي كانت تضعه في قلب الاسطورة استعاد صورته الواقعية انسانا عاديا كما هو في الحياة، مع ان الفن حسب فاروق، الوثيقة الوحيدة التي تؤكد اننا أحياء اما عن فنان اليوم فهو فرد حائر ومتردد وليس رسولا ملهما. كما ان ازمة الفن اليوم- الرسم والنحت التقليديين- عالمية وليست محلية او اقليمية وهو ما يؤكده فاروق، فيقول» تلقي ازمة الرسم بظلالها على مصير الرسم في العالم» ولقد كتب عن هذه الازمة كثيرا في الغرب وأكثرها تأثيرا «خسوف الفن» و»معالجة الازمة في الفن الان 2013» للناقد البريطاني جوليان سبولدينغ. وهو من اشد النقاد صراحة في العالم ويقول «لا يعاني الفن من انحراف في البندول، وإنما هو في عتمة خسوف تام» وكتابه الذي يقع في خمسة فصول يبحث في غربة الجمهور عن الفن المعاصر، ويوجه التماسا من اجل إعادة الحياة الى التواصل وإمكانية التفاعل والمهارات التقليدية في هذا المجال. فاروق لا يهاجم التجارب الجديدة بقدر ما ينادي بوضع ميزان عادل وإفساح مجال للفنون جميعا، كتابه صرخة هلع تنادي باستعادة شيء من القيم التي تدهورت، مشخصا الاسباب والظروف التي ساعدت على ظهور فنانين بلا فن وسوق تفتقر الى خبرة اختلط فيها المزور بالاصلي، وتحول الفن الى تجارة وانفتح على السوق العالمية في الوقت الذي يفتقر فيه الى وجود اسواق محلية. وألقت مي مظفر الضوء على الاسواق الفنية التي ظهرت بعد حرب الخليج الثانية في العراق، وقامت بتزوير الاعمال الفنية لرواد الحركة التشكيلية فيالعراق نتيجة ازدياد الطلب عليها وسهولة ترويجها بسبب جهل التجار، مما دفع بالمتاحف العربية وخاصة الخليجية الى استدعاء خبراء اجانب لفحصها والتمييز بين الاصلي والمزور، وهذا يدل على افتقار الوطن العربي لنقاد فن اكاديميين متمرسين يتقنون اللغات الاجنبية الى جانب العربية. كما ظهرت المزادات العالمية في اوطان ليست بها اسواق حقيقية، وقاعات فنية تعمل كوسيط بين الفنان والمزادات، واختلطت الامور باكتشاف ان اغلب الاعمال الفنية التي يتهافت المقتنون على شراءها مسروقة من المتاحف او مزورة. واختتمت حديثها حول ازمة الفن في العالم العربي، والترويج حصرا لأعمال ما بعد الحداثة بما تحمله من سلبيات وهو موضوع يقف عنده فاروق كثيرا ويهاجمه بقوة، بوجود قاعات فنية تكرس معارضها لفنانين يستخدمون التقنيات الحديثة والمتداخلة والفن المفاهيمي الذي غالبا ما تضيع به القيم بين فنان مبدع يستقطب المشاهد ويقحمه في المشكلة الفنية وتجارب ساذجة شخصية في اغلبها لا تعتمد إلا على ادبيات متحذلقة. وحول كتابه يرى فاروق أنه محاولة للإجابة على مجموعة من الاسئلة الشخصية، ومنها «ما هي وظيفة الناقد؟!» ويقول «بعد عقود من العمل في هذا المجال، ابدو غير واثق في الوظيفة البنائية للناقد، كما انني أؤمن ان الازمة مرافقة للفن وتتطور بسببه، إلا انني اكتشفت ان الفن العربي ليس في أزمة، فعلى سبيل المثال، لا يصح القول أن العراق وسوريا في ازمة، لأنها دول تجاوزت بقرون قصة الازمة الدافعة نحو الخلاص والحل، والحقيقة لم اكتشف الكثير، هي اسئلة وقفت حائرا أمامها «ما الذي يحدث لنا ومن هي الجهة المسؤولة؟!». ويضيف فاروق: «الفن في متاهة» كتاب مؤلم وجارح رغبت من خلاله تقديم صرخة، ولكن ما الفائدة بعد فوات الأوان فصدام حسين لو اتخذ قرارا بالتنازل عن الحكم، لن يستفيد اذ ان بوش حرك الماكينة ولن يوقفها، وهو ما يحدث معنا اليوم، فالكثير من النقاد توقفوا عن العمل كون سلطة المال اقوى منهم، ونحن ندار بقوة المال العربي من الخارج. ولهذا يعتبر الناقد انسانا عاجزا لا يملك ادنى تأثير ويمكن ان يلقى به في السجن بسبب كلمة، وطوال الثمانين عاما الماضية لم ننتج فنانا مستقلا ومتمردا على المجتمع والدولة والقيم. الفن ليس رسالة روحية وهذه جميعها تعريفات غربية نستعيرها، بما ان 90% منها يديرها التجار، والمعارض الفنية وقاعات العرض والمزادات مناسبة لتبييض الاموال. كما ان حجة الدعم والتبني للفنانين اكبر كذبة، فلا يوجد شيء لا يدفع الفنان مقابله، وهنالك العديد من المؤسسات الضخمة التي تتبنى الفنانين مقابل اجبارهم على عرض اعمالهم في اسرائيل.