كتب المفكر الفرنسي - البلغاري " تزيفتان تودوروف " عن غزو أمريكا للعراق : " سيسود الشعور لدى الغالبية العظمى من السكان العرب والمسلمين ، أو – ببساطة – السكان غير الغربيين بان هذه الحرب هي بمثابة اهانة وإذلال . والحالة هذه، فالإهانة، كمعاناة أو تصوّر ، هي أمّ النعرة العصبية ولا شيء يغذي – بشكل كبير – الإرهاب أكثر من التقارب بين القدرة على التضحية بالنفس وتكنولوجيا التدمير التي أصبحت متاحة للجميع " العراق بلد دمرته وعبثت بنسيجه الطائفي والاثني الحرب الوقائية الأمريكية بعد أحداث 11سبتمبر وداعش احد تجلياتها ، فدماره استجلب دواعش سنية وشيعية شرعن الأمريكان للشيعية منها ان تدير او تشارك في إدارة الدولة العراقية وحاربوا السنية فلم تهزمها حربهم ، فالعدو فيها ليس دولة – بل مليشيات تدير ما يشبه الدولة – والحرب ضدها يبدأ بضجيج عالي وينتهي بخروج صامت هذا ما أثبتته تجربة الحرب الأمريكية في أفغانستان التي لم تهزم طالبان وأنتجت قواعد اشد ضراوة امتدت في العالم الإسلامي . لا خلاف بان أفعال داعش بشعة وخطرها على الجميع بمن فيهم السنة فمنهجها يتعارض ومنهج السنة الذي حكم العالم الإسلامي ولم يذبح المسالمين للضغط على المحاربين وظلت راعية للتنوع الديني والمذهبي المنضبط بظاهر التوحيد ولو ان مذهب السنة هو مذهب داعش ما بقي هذا التنوع حتى الآن. لكن لا يختلف اثنان – ما عدا أمريكا - إن الغالبية السنية في العالم تساوي داعش وأخواتها ببدر الشيعية وأخواتها فمؤهلات القتل في العراق وغيره متساوية ، فقطع رؤوس "النواصب" السنة بتصوير وبدونه يقابله قطع رقاب "الروافض" الشيعة بتصوير وبدونه والحالتان إرهاب . ما كان لداعش إن تظهر كالإعصار وتسيطر على مساحة في العراقوسوريا تصل الى مساحة بلجيكا في ثلاثة أشهر - القضاء عليها يحتاج الى ثلاث سنوات كما يخططون له - لو ان أمريكا عند احتلال بغداد ساوت بين الإرهاب في الطائفتين ولم تدمج الإرهاب الشيعي في المؤسسات الأمنية والعسكرية للدولة العراقية التي أسستها بعد الاحتلال فأصبح ذبح المليشيات الشيعية للسنة مؤسسي و"مقونن" أو أنها تداركت خطيئتها في العراق فشكّلت تحالف دولي يهزم سلميا الديمقراطية الطائفية التي صنعتها حتى تستوعبت "صحوات" العشائر السنية التي هزمت الجيل الأول من داعش بقيادة الزرقاوي وتستوعب الاحتجاجات السلمية في الانبار والحويجة وغيرها . الواضح ان الديمقراطية أكبر من كلام ردده الأمريكان وهم يشعلون الفتنة الطائفية في العراق ويفرضون على السنة ان تدفع ثمن هزيمة نظام البعث العلماني او الاستبدادي - سيان - وتحملهم تبعاته والبعث جفف مرجعياتهم فباغتهم الاحتلال وهم في حالة أزمة قيادة وأزمة نخب وأزمة حماية وتركهم الأمريكان - وهم المسئولون عن امن العراق- يواجهون التصفيات الثأرية التي قامت بها المخابرات الإيرانية وحلفاءها من العراقيين وتركوا للمنظمات الجهادية – برضاهم او بدونه - ان تتولى بعض أو كل الدفاع عن السنة وأسس الأمريكان نظام في بغداد لا يقوم على غلبة مساواة المواطنة بل على غلبة ثأرية الطائفة وهذا ما صنع داعش وسيصنع وغيرها. ما كان لداعش أن تنتشر بهذه الوحشية لو ان للدول السنية الفاعلة إستراتيجية واضحة للتعامل مع تيارات الإسلام السياسي حتى تنضبط مجتمعيا وسياسيا او ان لتلك التيارات رؤية منسجمة مع المفردات السياسية والمجتمعية لمجتمعاتها أو ان سياسة أمريكا والغرب لم تقم على سياسة اللعب على الانتماءات الدينية والقبلية والمذهبية والاثنية وتأليبها ضد بعض ، وما كان لداعش أو غيرها ان تنتشر لو ان أمريكا – قوة العالم الخشنة والناعمة – تحملت مسئوليتها إزاء قضايا الإقليم التي لها دور فاعل فيها - بسياساتها ومصالحها وتحالفاتها- ليس فقط عندما يتعرض مواطنوها للقتل او مصالحها للخطر فقد خذلت أمريكا والغرب أهل سوريا ودول الجوار العربي عند اندلاع الثورة السورية السلمية فتركوها لقمع الأسد المتحالف مع إيران ومجازره البشعة وعاثت الدواعش الشيعية وولغت في دماء السوريين ولم تصنف أمريكا ولا الغرب ذلك إرهابا ، وعندما تحولت إلى ثورة مسلحة ذات أجندة وطنية لم يهتموا لقواها ومنظماتها المعتدلة ومنعوا تسليحها بشتى الأعذار وقال اوباما : " ان الفلاحين وأطباء الأسنان لن يسقطوا الأسد " مع ان بلاده دعمت فلاحين العراق وهزمت لهم صدام ووضعت على قمة الحكم معلم لغة عربية ، وعندما أرعبت داعش الجميع سيضع يده بيد الفلاحين السوريين!! لكن كيف سيتم إقناع فلاحي سوريا بعدما دمرها الأسد دون يعرفوا موقف واضح للتحالف من نظام طبيب العيون في دمشق . كيف يمكن إقناع السنة في العراقوسوريا بالتخلي عن داعش او محاربتها دون حل القضية السورية والقضية السنية في العراق وواقع التحالف في العراقوسوريا يقول: الجو لنا والأرض لإيران – حتى لو استثنوا إيران من التحالف -، وإيران لها أهدافها الطائفية ، إن هذا سيؤدي الى تعبئة السنة العرب ليس في العراقوسوريا بل في الإقليم والعالم ولن تلتفت قطاعات منهم لفتوى اوباما بان داعش لا علاقة لها بالإسلام وسيردون: لكن أهل السنة في العراقوسوريا لهم علاقة به ، وسيتحول التحالف على الأرض الى حرب طائفية بين السنة والشيعة ستكون داعش او غيرها حامي حمى أهل السنة اذا لم يعمل الحلف على دعم حامل سياسي وعسكري حقيقي موثوق لهم وكذا مساواة داعش بالأسد ودواعشه فهم متساوون لدى السوريين ان لم يكن الأسد ودواعشه أكثر وحشية. وكيف يمكن إقناع أهل السنة في العراق بأن الجو للحلفاء والأرض للحكومة العراقية بينما جديدها انها أنتجت نفس الوجوه القديمة التي فتت النسيج العراقي ،وان الذي يتحرك على الأرض حتى الآن الدواعش الشيعية وليس الجيش العراقي الذي توغلت فيه الطائفية أيضا ، فالديمقراطية التي أسستها أمريكا وانتجتهم ملوثة بدماء أٌريقت على خلفية طائفية ويبدو ان لا مهمة للحكومة الجديدة أمريكيا الا ملء الفراغ الأمني. وكيف يمكن إقناع أهل السنة في العراقوسوريا بترك داعش او محاربتها والثقة بالأكراد الذين يعلم السنة العرب وغيرهم أنهم لن يكونوا شركاء لمحاربة داعش فقط بل لهم أطماعهم السياسية والحدودية تتجاوز حدود إقليمهم ويريدون ثمن مشاركتهم في الإقليم العربي وستكون الحرب على داعش ذريعة لتحقيقها ان هزيمة داعش أو غيرها لن يحسمه استنفار العالم لحماية الدم الأمريكي والمصالح الأمريكية فقط . ولن يحسمه تحالف الجو للحلفاء والأرض لإيران في العراق او غيرها فقد كان الجو لأمريكا في العراق والأرض لها ولإيران معا وكانت داعش وغيرها تنمو وتتعملق. ان هزيمة الإرهاب ليست بتجفيف تمويله فقط او ضبط الحدود فهو ظاهرة ليست منفصلة عن سياق مليء بالأزمات كان لأمريكا والغرب دورا بإشكال متعددة في صنعها ويجب ان يكون له دور في علاجها لكن ليس بجيوش على الأرض لها أطماع طائفية او قومية فهي مجربة في الصومال ، ويتطلب من أمريكا مساواة الإرهاب الطائفي أولا مع عمل امني استخباراتي وتطبيق القانون اما الطائرات بدون طيار فقد جُرّبت في أفغانستان واليمن وباكستان والصومال ولم تجتث الإرهاب بل وسّعته ولن تحسمه الحرب العسكرية على الأرض فقد فشلت أمريكا - وهي على الأرض - في اجتثاث طالبان وازدادت بها انتشارا وولّدت من رحم القاعدة داعش الأشد ضراوة