كتب: عبدالعزيز الخضراء تحتاج جميع الأسر إلى حوار هادئ تغلفه المحبة وتغلب عليه الثقة وتشمله المودة وينساب الرضا بين جنباته، ولكن هل مفهوم الحوار الأسري مقصور على الكلام وتبادل الآراء؟ أم هو أشمل من هذا المفهوم الضيق. بداية الحوار عامة معناه إرجاع الكلام وتبادله بين طرفين للإقناع بوجهة نظر معينة في جو يسوده التفاهم والاحترام، وللحوار الأسري أيضا معنى أشمل وأعمق، ألا وهو أنه وسيلة تفاهم قد تتخذ أشكالا عدة وليست كلاما فقط للتناغم بين أفراد الأسرة الواحدة للوصول إلى رؤى مشتركة، ومن هذا التعريف تتضح معاني يجب أن يعمقها أفراد الأسرة في حوارهم وهي: - سيادة جو الحب والوئام والتفاهم. - الوصول إلى رؤى مشتركة. - احترام الرأي الآخر. ولكن مع هذه المعاني النبيلة التي يفرزها الحوار الأسري الناجح، ما الأسباب التي تدعو إلى عدم الحوار أو التي تسد منافذ الوصول إليه؟ هذه التساؤلات وغيرها محددة بأسباب عدة وهي: - أولا: التنشئة الخاطئة التي يتربى ويشب عليها الأزواج وهم صغار سن في أسر قد سدت منافذ الحوار وأغلقت أبوابه وأحكمته بقبضة من حديد، فالتنشئة عامل أساسي لفقد وانعدام لغة الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة، فالفكر الموروث أحيانا يغلب الفكر المكتسب فتنتج أسر لا تفهم معنى الحوار بل تلعنه. - ثانيا: طبيعة الشخصية أيضا عقبة في طريق الحوار الأسري، فلو أن الشخصية متسلطة ودكتاتورية ولا تملك سبل الحوار لسدت منافذ الحوار أيضا وفر الحوار من البيت بلا رجعة غير مأسوف عليه من أفراد البيت. - ثالثا: انعدام الثقة بين أفراد الأسرة يجعل من الحوار لعبة هزلية نحتاجها للديكور أمام المجتمع الخارجي، فنلجأ له حينما نريد أن نكمل دورا اجتماعيا معينا ونتركه عند غياب أعين الناظرين عنا. - رابعا: لغة التعالي وهي لغة يتخذها البعض حينما يقل في نظره مستوى أفراد الأسرة التي يتحاور معها كأن ينظر الزوج لزوجته على أنها أقل منه في المؤهل والعلم وأنها غير أهل للحوار لضآلة فكرها وأيضا عندما يحس الولد أن بيئته الأسرية لا تتواءم مع مجريات العصر، فليس هناك مجال للتواصل والحوار بل يحس أنه مضيعة للوقت. لهذه الأسباب ينعدم الحوار بين أفراد الأسرة وتصبح لغة العناد والفرقة هي السائدة. ولكن لماذا نحتاج للحوار أو بمعنى أدق ما أهميته في حياتنا الأسرية؟ للحوار أهمية لا يحسها إلا من ذاق معنى الفرقة والانغلاق الأسري وتباعدت بهم الأهواء حتى وصلوا لطريق مسدود نتج عنه الانفصال وتشرد الأولاد وأحسوا بغصة الندم تقطر في حلوقهم مذاقا مرا قاتم اللون، ولو أنهم تحاوروا لكان الحال مختلفا. وعلى هذا تبدو أهمية الحوار في نقاط عدة ألا وهي: 1 - التناغم المستمر بين أفراد الأسرة لأن لغة الحوار ضمان لاستمرار التفاهم، فبالحوار الجيد تستمر الحياة لتعزف لنا سيمفونية على أرقى وأعلى مستوى من الأداء وتتراقص من حولنا الدنيا فرحة بما وصلنا إليه من تآلف أسري وتناغم وتحاب. 2 - النشأة السوية للأولاد لأن الحوار الهادئ الناجح والتناغم المستمر سياج وحماية من الانغلاق والتقوقع، فلو تجسد الحوار بشكله السوي الصحيح وأصبح شاخصا أمام أعيننا لجذب إليه شتات الأسرة وجمع شملهم وهداهم إلى أقوم السبل وأفضل الطرق وضمنا به النشأة السوية لأولادنا من غير انطواء مميت أو انعزال مقيت. 3 - التوصل إلى حلول وقرارات صائبة حيال المشاكل؛ حيث يبادر أفراد البيت الواحد إلى بث مشاكلهم وهمومهم إلى محتضنهم الطبيعي وهو البيت متى اطمأنوا إلى رقي لغة الحوار فيه وأنه السبيل الطبيعي لتبادل المنفعة والآراء وأن على أعتابه تلقى الهموم وتسقط عن كواهلهم. 4 - الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة الواحدة لأن لغة الحوار الجيد من شأنها أن تمنح فهما عاليا وثقافة لوعي أسري راقي المستوى ينتج عنه الاحترام وفهم الأدوار الأسرية جيدا، ولهذا نجد الاحترام هو السائد بين أفراد الأسرة متى تعمقت لغة الحوار الفعال بين أفرادها. تلك معاني مكتوبة حول مفهوم الحوار وأسباب انعدامه في الأسر والأهمية الكبرى لمفهومه العميق، ويبقى لنا في الجزء الثاني الأسس والمبادئ التي يبنى عليها الحوار الأسري وكيفية إدارته.