يطرح اليمنيون وغير اليمنيين علامة تعجب وراء سؤال عادة ما يؤرقهم ويرمي وراءه الكثير من التساؤلات والجمل التعجبية التي خلفتها الأزمة اليمنية مؤخراً والمتمثلة بالاجتياح الحوثي لغالبية المحافظات الشمالية وبسط السيطرة عليها دون أقل مقاومة تذكر من قبل الجيش لهذا الاستشراء القادم من غابر التاريخ، وتبقى وراء هذا العجب العجاب الكثير من الحقائق المطموسة بطلاسم سياسية لا تطفو على السطح بسهولة، فالحوثيون جماعة قدمت من كهوف مران وجبالها في أقصى الشمال اليمني، أي من محافظة صعده حيث معقلهم الرئيسي، ومن الغريب أن نصف الجماعة التي تسيطر على مساحة شاسعة من الشمال اليمني وتسعى لبسط سيطرتها الكاملة على المنطقة الشمالية برمتها، من الصعب أن نصفها بجماعة حوثية بامتياز "صافية" لأنه ليس هنالك واقع مقنع يرسخ هذه الفكرة في أذهان المتسائلين والباحثين في ما وراء التمدد الحوثي "الشيعي" في الشمال اليمني ،إنما يمكننا القول أن الجماعة مسنودة بعدة عوامل تسهل لها من مهمتها التي تسعى ورائها، وفي المقابل تبقى تلك الأطراف التي تدعم الجماعة الحوثية، تبقى جماعات لها مصالحها السياسية تستخدم الحوثين كأداة للضغط والتهويل والتشويش على الصورة الحقيقة للمشهد. محافظة تعز وهي محافظة يمنية شمالية تقع إلى الجنوب من العاصمة صنعاء وتبعد عنها بحوالي 256كم ،هذه المحافظة هي الورقة الأخيرة التي لا زالت في ملف الدولة من ناحية الشمال ومن غير شك ستسقط في أي لحظة خاصة وأن مسلحي الحوثي يكادون ينتهون من السيطرة على محافظة "اب "المحادة لمحافظة تعز. القيادات الأمنية المشادة لها بالنزاهة في هذه المحافظة-أي تعز- بدأت تتساقط كأوراق الخريف بفعل زوبعة تأتي من كبار المسئولين العسكريين، فهاهو وزير الدفاع (علي ناصر أحمد) المحسوب على حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس السابق ،ها هو يقيل مؤخرا قائد اللواء35 يوسف الشراجي وهو القائد العسكري المشهود له بالنزاهة والإخلاص في أوساط المجتمع، وقد نشهد في أي لحظة توجيه عسكري يقضي بإقالة اللواء (محمود الصبيحي) قائد المنطقة العسكرية الرابعة ومحور تعز، وهذا الأخير هدد مسبقا بأنه سيواجه أي عمل مسلح في محافظة تعز، في إشارة منه إلى جماعة الحوثي التي تطمح الدخول إلى المحافظة وتعتبره حجرة عثرة يحول بينها ودخول تعز ، الخطوات التي يقوم بها وزير الدفاع تهيئ للحوثيين جو مناسب يمكنهم العبور إلى المحافظة المعروفة بتعدادها السكاني الأكبر في اليمن ونبذها لجماعات العنف والتطرف، في حين تعد أيضاً محافظة سنية بالكامل على غرار بقية المحافظات الشمالية وعاصمة الثقافة اليمنية. آمال الحوثيون وطموحاتهم تتحقق بسرعة فائقة لا يتخيلونها حتى هم فمنذ سقوط صنعاء في أيدهم يوم 21 من سبتمبر/ أيلول الماضي يكادون اليوم يقتربون من إحكام السيطرة على المحافظات الشمالية كلها، ويأتي كل هذا بفعل عوامل عدة ساعدتهم في تحقيق أمانيهم ضمن هذا الانتصار المشئوم لدى غالبية الشعب اليمني المستاء من طبيعة الوضع الأمني الهش والمتفاقم في أجزاء كبيرة من البلاد منذُ قيام الثورة الشبابية في فبراير 2011. الرئيس السابق علي عبد الله صالح يتصدر قائمة العوامل التي مكنت الحوثيين من بسط سيطرتهم على البلاد، هذا الأمر له خلفياته وأبعاده ودلائله التي تثبت صحته، فالرئيس السابق متشائم كثيراً مما حدث له في 2011م ويسعى بقوة لتعكير مزاج أعداءه الذين خرجوا عليه في ذلك الحين كما أنه لا يسير الوضع بهامشية حتى لا يظهر شخصياً في الصورة، ومع إلقاء القبض من قبل رجال القبائل وأنصار الشريعة في محافظة "اب" على ضباط وجنود من قوات الحرس الجمهوري المحلولة بات الأمر أكثر وضوحاً ولا يحتاج إلى شرحٍ أكثر من ذلك، لا شك أن الحوثيين سيقبلون أي حليف يساعدهم في إنجاز مشروعهم وتحقيق أمانيهم التي يتطلعون إليها منذُ زمن حتى وإن كان غريمهم التقليدي "علي عبد الله صالح" ،هذا الأمر ساعد الرئيس السابق في أن يضرب عصفورين بحجر، تقديم العذر غير المباشر لجماعة الحوثي التي شن عليها ست حروب في صعده وقتل زعيم الجماعة حسين بدر الدين في2004م،وكذلك ضرب أعداءه الذين خرجوا عليه في 2011م وجعلوه يفقد المنصب الأول في الدولة الذي ألف عليه طيلة ثلاث عقود ونيف، وقد يطير الطائر الأول في أي لحظة خاصة وأن الحوثيين لم ينفذوا أي وثيقة أبرمت بينهم وبين السلطات الرسمية منذُ أحداث صعده حد قول الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وهو الأمر الذي قد لا يكون لصالح الرئيس السابق ،هنالك دعم يسخره "صالح" سواء من الناحية العسكرية أو اللوجستية للحوثيين الذين حققوا له بعض الأمنيات التي رآها في نظره مكاسب كبيرة كطرد اللواء على محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع المحلولة، وهو القائد العسكري الذي أنظم لثورة الشباب في فبراير 2011م، تلك الخطوة التي أقدم عليها علي محسن إبان الأحداث وصفها الرئيس السابق بالانقلاب العسكري وهي ذات الجملة التي كررها علي محسن بعد أن سقط مقر قيادته في يد جماعة الحوثي يوم 21 من سبتمبر الماضي. كما تعتبر إيران عامل آخر دخل وبقوة في الأزمة اليمنية لتضيق الخناق على دول الخليج التي تحاول إيران مقارعتها بشتى الوسائل، لذلك دعمت الشيعة في العراق الواقعة إلى الشمال من المملكة العربية السعودية وتدعم الحوثيين في اليمن الواقع إلى الجنوب منها، وهو الأمر الذي ظهر جلياً مع دخول طهران بشكل علني في الأزمة اليمنية بعد تصريح لمستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية (على أكبر ولايتي) في 18 من أكتوبر الحالي بوصفه التمرد الحوثي انتصار حققته الجماعة وتأكيده العلاقات التاريخية بين إيران وجماعة الحوثي واختتم قوله بتمنيه أن تلعب جماعة الحوثي في اليمن نفس الدور الذي يلعبه حزب الله في لبنان. دخول طهران في خط الأزمة اليمنية وبشكل علني قطع كل الشكوك وأزاح الغبار من على الصخرة المتصدعة حول الدور الذي تلعبه إيران في الأزمة اليمنية. كما أنه لا يعد التدخل الإيراني في اليمن ودعم طهران الحوثيين محاولة من إيران لإجهاض العملية السياسية في اليمن وتمكينها الحوثيين من الانقضاض على الحكم وإعادة أمجاد أجدادهم إلى واقع اليمنيين من جديد-والتفكير في هذا الجانب بذات السياق المذكور يعتبر خطأ محض-بل إن إيران تنظر في مدى طويل باتجاه الخليج العربي لذلك وجدت الحوثيين في اليمن جماعة مناسبة تتفق معها مذهبيا يمكن لها من خلال هذه الجماعة أن تعمل على حبس أنفاس الخليج القادمة من الجنوب "اليمن". المعارك الأخيرة بين الحوثيين المدعومين بقوات الجيش والطائرات الأمريكية دون طيار من جهة وبين رجال القبائل وأنصار الشريعة من الجهة الأخرى مكنت جماعة الحوثي مؤخراً السيطرة على جبل "اشبيل" المطل على منطقة "المناسح" بمدينة "رداع" محافظة البيضاء الواقعة إلى الجنوب الشرقي من عاصمة اليمن والتي تعتبر-أي منطقة المناسح- من أهم معاقل تنظيم القاعدة في اليمن، يظهر جلياً أن هنالك طرفاً آخر ساهم في هذا البسط الجغرافي الحوثي على المحافظاتاليمنية الشمالية، الطائرات الأمريكية دون طيار قصفت مواقع لتنظيم القاعدة ورجال القبائل الذين يواجهون جماعة الحوثي ما أدى إلى مقتل العشرات منهم في 26 أكتوبر الحالي بمنطقة "المناسح" في "رداع" الأمر الذي فتح الضوء الأخضر أمام الحوثيين لإتمام السيطرة على ما تبقى من محافظة البيضاء والتي لازالت تشهد معارك بين الجانبين، ومن دون شك سيتمكن الحوثيون من بسط سيطرتهم الكاملة على كل المحافظات الشمالية. إذاً هنالك لعبة محاكة لا زالت غامضة بعض الشيء، جماعة الحوثي ترفع شعار الموت لأمريكا وطائرات واشنطن تكثف من غاراتها على مسلحي القبائل والقاعدة الذين يواجهون جماعة الحوثي!! بشكل مختصر يمكننا القول أن ثلاثة أطراف ساهمت إلى حد كبير في تنوير طريق الحوثيين وإزالة الأشواك منها، مكنتهم أيضا من السيطرة الباردة على أغلب المناطق الشمالية ولا تزال إلى حد اللحظة تلعب ذات الدور الذي تمارسه منذُ بدء الأزمة، تتمثل هذه الأطراف بالرئيس السابق علي عبد الله صالح ومن ولاه وطهرانالعابرة للحدود إضافة إلى الطائرات الأمريكية دون طيار المشاركة في بعض مناطق النزاع خاصة في محافظة البيضاء...