وزير الخارجية العُماني قال إن اليمن بحاجة إلى مبادرة خليجية ثانية، لكن المشكلة أنه لم يحدد أي خليجٍ بالضبط: الخليج العربي أم الخليج الفارسي؟ إذا كان يقصد مبادرة خليجية ثانية من ضفة الخليج العربي، فالمبادرة الأولى القادمة من الرياض أوصلت اليمن الى حيث هو اليوم، الى قاع الفشل. وفي الوقت نفسه، أوصلت الحوثي الى صنعاء ومضيق باب المندب ومناطق أخرى جنوب وشرق البلاد. وبما أن الحوثي في نظر الرياض وبقية عواصم دول الخليج العربي يمثل وحش النفوذ الإيراني الجديد في المنطقة، فيجدر بالخليجيين و(السعوديين منهم بخاصة) أن يعترفوا أولاً بأنهم قد صنعوا بشكل أو بآخر ما كانوا يخافونه ويحذرون منه في اليمن: لقد وصلت "طهران" الى صنعاء ومضيق باب المندب، والخبر الأسوأ أنها وصلت بمبادرتهم. المبادرة الخليجية كانت هي "البَغْلَة" التي أوصلت "طهران" الى صنعاء وباب المندب (ونقول "طهران" هنا من منظور الرياضوعواصم خليجية أخرى، لكننا نقول "البغلة" لأن المبادرة الخليجية كانت "بغلة الحوثي" فعلاً، وقد ماتت).
واضح أن وزير الخارجية العماني يقصد مبادرة خليجية ثانية مثل الأولى، من ضفة الخليج العربي، لكنْ إذا كانت الأولى قد ماتت فإن الثانية لن تولد دون اتفاق مع الضفة الفارسية. وإذا كان يقصد مبادرة خليجية ثانية من طهران، مروراً بمسقط التي ليست على نفس موجة عداء ضفتها الخليجية مع طهران، فالسؤال هو: هل ما يزال أمام اليمن متسع من الوقت والجهد لتحمل مبادرة خليجية ثانية؟ رغم أن دور مسقط في اليمن ليس سيء السمعة مثل دور الرياض، إلا أن طهران تغذُّ الخطى وتمضي قدماً باتجاه الحلول محل الرياض في اليمن حتى في المساوئ (ولا أتحدث هنا عن رأيي الشخصي فقط بل عن مزاج عام وسائد آخذ في التصاعد وسط الشارع اليمني، ومن السهل ملاحظته).
لا يمكن لمبادرة خليجية قادمة من الرياض أو مسقط أن تقف اليوم على قدمين في صنعاء دون موافقة طهران. والرياضوطهران لم تتفقا حتى الآن على صيغة تسوية سياسية مستقرة داخل أي بلد (حتى الصيغة اللبنانية تظل صيغة هشة ومتقلقلة وغير متفق عليها رسمياً بين العاصمتين الاقليميتين)، فكيف ستتفقان في اليمن؟ وإذا اتفقتا في اليمن، فمن شبه المؤكد أن اتفاقهما سيكون على حساب اليمن. لكن لسان حال الكثير منا نحن اليمنيين يقول اليوم: ليتفق الأوغاد الإقليميون والدوليون على أي صيغة تكفل لهم مصالحهم داخل اليمن، لكنْ ليحافظوا على آخر مصلحة وطنية متبقية لليمن كبلد ودولة لا يجب أن تتوغل أكثر في الحروب والفوضى والفشل.
وماذا عن اليمنيين؟ بالطبع، يتحملون المسؤولية الأولى والأكبر في كل ما يحدث في بلدهم وببلدهم، لكن هذا ليس موضوع حديثنا. موضوعنا هنا هو المبادرة الخليجية الثانية المقترحة من دولة وزير الخارجية العماني.. والسؤال الذي يجب طرحه بهذه المناسبة هو: إذا كانت المبادرة الخليجية الأولى القادمة من الرياض قد أوصلت الحوثي الى صنعاء وباب المندب، فإلى أين ستوصله الثانية إذا قدمت من طهران؟