مة تزامن لافت للانتباه ، بين زيارة لاريجاني إلى القاهرة من جهة ، والمبادرة التي أطلقها الحوثيون عارضين فيها الانسحاب من مواقعهم داخل الأراضي السعودية ، مقابل وقف المملكة لهجماتها عليهم من جهة ثانية ، لا سيما بعد أن تأكد لنا بأن رئيس مجلس الشورى الإيراني لم يأت للقاهرة للنظر في التعديلات المقترحة على النظام الداخلي لاتحاد برلمانات الدول الإسلامية ، بل لينقل رسالة "هامة" من الرئيس أحمدي نجاد إلى نظيره المصري ، دفعت الأخير وفقا لمصادر استخبارية للقيام بجولة لم تكن معدة سلفا في ثلاث من دول الخليج العربية ، وهو المُقل في زياراته الخارجية على أية حال.لقد كان لافتا للانتباه أن محادثات مبارك - لاريجاني ، تخطت الجانب البروتوكولي المعتاد في مثل هذه الزيارات ، حيث يمتد اللقاء إن تم - وليس من الضروري أن يتم - لدقائق لا تتعدى الثلاثين في أغلب الحالات ، بيد أن الرجلين قضيا ساعتين في بحث مختلف شؤون المنطقة وشجونها ، وسط تأكيدات بأن طهران تعرض فتح "صفحة" جديدة في علاقتها مع "أنظمة الاعتدال العربي" ، بدءا من البوابة المصرية ، وأنها تتوقع أن تقوم مصر بدور الوسيط أو المحاور نيابة عن هذا المعسكر ، وأن من المنطقي والحالة كهذه ، أن يبدأ الجانبان بتبريد الملفات الساخنة التي تباعد ما بين إيران وجاراتها العربيات.ولأن صعدة اليمنية ، وليس الجزر الإماراتية الثلاث ، هي "خط التماس" الساخن اليوم بين إيران من جهة ومعسكر الاعتدال العربي (وبالأخص السعودية) من جهة ثانية ، فإن حديث لاريجاني مع مبارك تركز على الخلاف السعودي الإيراني اليمني ، مثلث الأضلاع ، وأنه اشتمل على نفي إيران لأنباء تدخلها في هذا النزاع ، ودعوتها مصر لتهدئة الموقف بمجمله.والحقيقة أن المخاوف السعودية والمصرية (عرب الاعتدال عموما) من مجريات الوضع في صعدة تتخطى فرضية "قيام حزام شيعي" جنوب المملكة يلتقي مع أحزمة محتملة في شمالها وشرقها ، إلى الخشية من محاولة إيرانية للتمدد على طول البحر الأحمر وصولا لباب المندب وخليج عدن ، وأن المؤشرات على هذه النوايا قوية ، بدءا من النفوذ الإيراني المتزايد في إريتريا (قواعد بحرية) وصولا إلى محاولة دعم انفصال الجنوب والتمرد الحوثي ، وانتهاء بمساعي إيران تثبيت مناطق نفوذ لها في عمق أفريقيا وعلى امتداد شواطئها الشرقية عموما.مثل هذا السيناريو ، إن تجسد ورأى النور ، من شأنه أن يعطي إيران أفضلية في التحكم بالممرات المائية وطرق التجارة الدولية ، ليس في الخليج العربي ومضيق هرمز فحسب ، بل وفي البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب كذلك ، الأمر الذي سيجعل ميناء إيلات وقناة السويس في "مرمى التهديد الإيراني" إن "حصل في الأمور أمور".وربما لهذا السبب ، كما يرى مراقبون ، تحرك الرئيس المصري للتشاور على عجل مع الدول ذا الصلة بالملف الإيراني الإيراني ، ولا ندري لماذا استثنى اليمن (صاحب العلاقة الأولى في هذه المرحلة) ، وهل تم ذلك من باب أن الحديث مع الرياض يغني عن الحديث مع صنعاء ، أم أن الأخيرة ستكون محطة في جولة ثانية يقوم بها الرئيس في قادمات الأيام.لا ندري ما الذي سينتهي إليه هذا "الحراك الإيراني على خط الاعتدال العربي" ، والذي كنا تناولناه قبل أيام ، لكننا نشعر أن ثمة تداعيات لزيارة لاريجاني وجولة مبارك ، ندرج مبادرة الحوثيين في سياقها العام ، وهي وإن قبلت بالرفض "شكلا" من الرياض بحجة أنها لا تفاوض جماعات وفصائل ، بل دول وحكومات ، إلا أنها لم ترفض "مضمونا" من حيث دعوتها لوقف النار مقابل انكفاء الأطراف داخل حدودها الدولية.بعض العرب لن يروقهم التقارب الإيراني العربي ، وسيعملون ما بوسعهم لتخريبه وقطع الطريق عليه ، مدفوعين بحسابات داخلية وضعوط خارجية (أمريكية وإسرائيلية) ، وبعض الإيرانيين لا يريدون لهذا التقارب أن يحصل كذلك ، فنراهم يتقدمون لاحتلال "بئر فكة النفطي" العراقي في توقيت متزامن مع زيارة لاريجاني للقاهرة ، ويصدرون البيانات المنددة بزيارته بمحادثاته مع "رئيس نظام كامب ديفيد المتحالف مع الاستكبارين اليهودي والأمريكي" ، والأيام القادمة وحدها ستكشف ما إذا كانت هذه القوى تحظى بنفوذ مقرر في دولها أم لا؟